محمد الباز يكتب يوميات الاختيار (6): «هنخطف المحكمة».. مدخل نفسى لفهم شر الإخوان المطلق
مصر كان يحكمها مجموعة من المرضى النفسيين خلال «سنة الإخوان»
خيرت الشاطر كان متعجلًا لبسط نفوذ وسيطرة الجماعة على مصر ليحقق ما يريد
قادة الجماعة الإرهابية يحملون فى قلوبهم شرًا للجيش والشرطة والقضاء والإعلام
الجماعة لم تكن مؤهلة نفسيًا للحكم أو للعمل السياسى
من بين ما يأخذه بعض النقاد على مسلسل «الاختيار ٣»، أنه يقدم دراما تقليدية، تقوم على الخير المطلق الذى يواجه الشر المطلق.
يقولون إن هذا الشكل من أشكال الصراع تم تجاوزه منذ عقود، وأصبحنا أمام دراما تنحاز إلى اللعب فى المناطق الرمادية، فلا بد أن يكون فى كل خير وجه من وجوه الشر، ولا بد أن يكون فى كل شر بعض من ملامح الخير، لأن هذا ما نراه واقعيًا فى الحياة... ولأنه بهذا يمكن أن تستقيم الدراما.
من يقولون ذلك عن «الاختيار ٣» أعتقد أن ما أزعجهم هو تناول جماعة «الإخوان المسلمون» على أنها جماعة الشر المطلق، وأن قياداتها لا يتوقفون عن التآمر وعقد الجلسات التى يسعون من خلالها إلى تدمير كل ما يقف فى طريقهم ويمنعهم من الوصول إلى ما يريدون، وتحقيق أهدافهم مرة واحدة.
ما لم لا يلتفت إليه هؤلاء أن واقع الجماعة الإرهابية كان أكثر قبحًا مما عرضه «الاختيار ٣»، وكان قادتها متورطون فى الخطايا السياسية والإنسانية بالصورة التى لم ينقلها المسلسل كما هى، فليس هدف «الاختيار ٣» مجرد إدانة جماعة، بقدر ما يسعى إلى رسم صورة وطن كان على حافة الانهيار بسبب جماعة، ولولا أن قيّض الله له من أبنائه من وقفوا بجواره، ما كان ليتم إنقاذه، بل كنا سندخل بأقدامنا مرغمين إلى سنوات من التيه والحرب الإلهية والتشرد والنفى والقتل.
الشر لدى جماعة الإخوان- وهذا منذ بدايتها بالمناسبة- لم يكن أبدًا شرًا نسبيًا، أو شرًا وظيفيًا.
أحيانًا يلجأ الإنسان لبعض الشر لتحقيق هدف ما، يفعل ذلك وهو يعرف أن ما يفعله شر، ويعيش فى عذاب بسبب تأنيب ضميره على ما تقترفه يداه، لكن الجماعة التى تأسست على الشر والحقد والكراهية، كانت تنتج قيادات وأعضاء يتمكن الشر منهم، للدرجة التى يصبحون معها غير قادرين على التمييز بين الخير والشر، والأدهى من ذلك أنهم يتعاملون مع شرهم على أنه فطرى وطبيعى ومطلوب، بل يعتبره بعضهم هو الخير الذى يتقربون به إلى الله.
يمكنك أن تراجع فقط الحوار الذى دار بين خيرت الشاطر ومحمود عزت فى الحلقة السادسة «من الاختيار ٣».
كان الحديث بينهما يدور عن الأزمة التى تواجهها الجماعة، فهى تريد أن تنتهى من الدستور الذى يُمكّنها من مفاصل الدولة فى أسرع وقت وبأى ثمن، وكانت الجماعة تعتقد أن قضاة المحكمة الدستورية سيصدرون حكمًا بعدم دستورية الجمعية التأسيسية للدستور، حيث حرص مرسى وقتها على الإشارة إلى أن معلومات وصلته تؤكد ذلك.
دعك مما قاله خيرت الشاطر من أنه لا يأمن لأحد فى الدولة، لا الجيش ولا الشرطة ولا القضاء.
فهذا أمر طبيعى... فاللص لا يمكن أن يأمن لمن يعرف أنهم سيطاردونه ويطبقون عليه القانون.
ولا تلتفت إلى تصنيفه الأزمة بأنها تتكون من قضية وقضاة ومحكمة بإنصات شديد وكأنه اكتشف الذرة، ولا لأنه التفت إلى ما قاله له محمود عزت الذى كان يستبعد أن يتم تفجير المحكمة لمنع القضاة من الدخول لنظر القضية، حيث استبعد مسألة التفجير، لأنه يعرف أن الجماعة لا تتحمل عبء عمل بهذا الحجم.
ولكن توقف عندما قال له عزت: «احنا مش هنخطف القضاة».
فرد الشاطر: «احنا مش هنخطف القضاة... هنخطف المحكمة».
من حقك أن تبحث عن دوافع ما قام به خيرت الشاطر تحديدًا، أسباب تعامله بكل هذا الشر، وبكل هذا العنف، وبكل هذا الحقد، وبكل هذا الغل، مع من لا ينتمون إلى الجماعة.
قبل أن أجيبك، ما رأيك أن نسترجع ما قاله خيرت نفسه فى نهاية الحلقة الخامسة، وهنا لا أتحدث عن خالد الصاوى، الذى يؤدى دور خيرت الشاطر، ولكن عن خيرت نفسه الذى تحدث فى فيديو مصور، وقال: «الحاجة اللى كتير من الناس مش عارفينها إن حاليًا مكتب الإرشاد الحالى أكتر من نصه اتحاكم عسكريًا، والمكتب التنفيذى بتاع الحزب الحالى- يقصد الحرية والعدالة- أكثر من نصفه اتحاكم عسكريًا، وبالتالى لما تيجى نناقش احنا أى حاجة خاصة بالجيش والتعامل معاه، بيبقى كل واحد على مستواه الشخصى حاسس بتار، ودى بتتعبنا فى مسائل كتير بشكل مش مظبوط».
عندما تعيد قراءة ما قاله خيرت الشاطر يمكن أن تكتفى تمامًا، فمصر كان يحكمها خلال حكم جماعة الإخوان مجموعة من المرضى النفسيين، وتخيل أنت أن جماعة يحمل قياداتها على كتفهم هم تخليص ثأرهم ليس من القوات المسلحة فقط، ولكن من الجميع، فقد كان للجماعة ثأر- بهذا المنطق- مع الداخلية، وتحديدًا ضباط الأمن الوطنى، والقضاء والنيابة والإعلام، وهو ما يفسر لنا الطريقة التى تعاملت بها الجماعة مع المجتمع كله بعد أن وصلت إلى الحكم، فلم يكن ما أقدمت عليه محاولة لإدارة شئون البلاد، بقدر ما كان محاولة للأخذ بالثأر من المجتمع.
هذا تحديدًا ما يجعلنا نمسك على جمر الوطن الآن فى مواجهة جماعة الإخوان الإرهابية، فبعد ٣٠ يونيو أصبح لديهم ثأر مع الشعب المصرى كله، مع من ثار ومن هتف ومن قرر ومن واجه ومن فوض، وأعتقد أنهم لا يحاولون هز استقرار الوطن بمكرهم وكيدهم وتآمرهم إلا من أجل هذا الثأر وحده، فقد أعمتهم الرغبة عن الرؤية، فقادتهم إلى طريق الهلاك، الذى لن يعودوا منه أبدًا.
لقد كان دخول الإخوان سباق الرئاسة فى ٢٠١٢ الخطأ الأكبر الذى ارتكبوه، ليس لأنها- كما قال لى ياسر على، المتحدث باسم رئاسة مرسى، جاءت بعد ثورة دفعت الناس إلى أن تتضخم تطلعاتهم للدرجة التى زادت فيها عن إمكانيات الدولة، وطبيعى أن أى نظام يأتى بعد ثورة يفشل ويدفع الثمن غاليًا.
ولكن لأن الجماعة لم تكن مؤهلة نفسيًا للحكم، ولا مؤهلة نفسيًا للعمل السياسى.. ولا مؤهلة نفسيًا حتى للتعامل العادى جدًا مع المواطنين، فقد كان الإخوان يرون أنفسهم مواطنين من الدرجة الأولى «شعب الله المختار»، أما بقية المواطنين فليس عليهم إلا أن ينتظروا الفتات فى كل شىء.
عندما تولى محمد بديع منصبه كمرشد لجماعة الإخوان، وكان هذا فى يناير ٢٠١٠، سألت الدكتور أحمد عكاشة عن رؤيته النفسية لمرشد الجماعة الجديد.
قلت له: لقد جاء مرشد الجماعة الجديد من منطقة ظل هائلة، لم يكن أحد يعرف عنه شيئًا، وفجأة أصبحت كل الأضواء مسلطة عليه وحده، أصبح أكبر رأس فى الجماعة، هذا التحول الدرامى فى حياة محمد بديع كيف تراه من الناحية النفسية؟
رد على الدكتور عكاشة: بديع- ومَن يكون فى موقفه- ولأنه تولى منصبًا يفوق توقعاته بكثير، فإنه يصاب بحالة من عدم الإتزان، وهذه الحالة تستدعى أن يثبت أنه يستحق المنصب الذى تولاه، لذلك فهو مندفع فى بعض تصريحاته التى يمكن أن تخالف ما تعارفت عليه جماعته، لأنه يريد أن يؤكد أنه موجود ومؤثر، وأنه ليس صورة أو إمعة، وقد تنتهى هذه الحالة، لكنها يمكن أن تمتد، وفى هذه الحالة يطلق على صاحبها أنه مصاب بداء انتفاخ الذات، والغريب أنك عندما تواجهه بتغيره، فإنه يؤكد لك أنه لم يتغير.
شىء مما قاله الدكتور أحمد عكاشة عن محمد بديع عندما أصبح مرشدًا للجماعة يمكننا أن نسقطه على الجماعة كلها بعد أن أصبحت تحكم مصر، فقد أصابها ما أصابه «انتفاخ الذات».
هذا الانتفاخ تحديدًا هو الذى يمكن أن يبرر لنا جانبًا من جوانب الشر المطلق لدى الجماعة، والذى جسده خيرت الشاطر أكثر من الآخرين، ربما لأنه كان يملك هدفًا لا يملكه الآخرون.
كان خيرت الشاطر متعجلًا لبسط نفوذ وسيطرة الجماعة على مصر كلها، حتى يستطيع أن يحقق ما يريده، فلم يكن الشاطر راضيًا عن تولى محمد مرسى حكم مصر، كان يرى نفسه أولى، ولم يكن أمامه ليسترد ما يعتقد أنه حقه إلا أن تصبح الدولة كلها بين يديه، فيستطيع أن يرشح نفسه فى انتخابات لا يخرجه منها أحد، ويستطيع أن يجبر الجميع على أن يساندوه ويقفوا إلى جواره دون أن يعترض على ذلك أحد.
من زاوية محددة يمكننا أن نقول إن جماعة الإخوان دفعت ثمن طموح خيرت الشاطر اللا متناهى، لكن هذه قضية أخرى أعتقد أن جماعة الإخوان تستطيع أن تناقشها على مهل فى المنافى والسجون.
لكن ما يشغلنى الآن هو كيف كان قيادات الإخوان يجمعون فى قلوبهم بين كل هذا الشر الذى تحركوا به ضد الجميع، وبين ادعائهم أنهم أهل الله ورجاله والقائمون على تنفيذ دينه؟
تعانى الجماعة من خلل نفسى هائل، ما فى ذلك شك، ولو كان قيادات الجماعة منصفين مع أنفسهم بالفعل، لذهبوا إلى طبيب نفسى يطلبون لديه الشفاء والراحة، بدلًا من أن يفكروا فى حكم مصر، الذى لا يعرفون عنه شيئًا، ولا يجيدون منه شيئًا.