الاختيار 3.. بين الواقع والخيال
لماذا يكره الإخوان «الاختيار»؟
بعض أتباع الجماعة صدمتهم الصورة الحقيقية لـ«خيرت الشاطر»، والحقيقة أن شهادات زملائه فى الجماعة تكشف عن شخص كريه بأكثر مما قد يظهر فى المسلسل
عدم معرفة الإخوان بالشعب المصرى جعلتهم يظنون أن تدين «اللواء السيسى» دليل على ميله للجماعة.. مع أن ملايين المصريين متدينون ويحتقرون الجماعة
الجماعة تكرر أخطاءها التاريخية وتصرخ حين يكشف الفن هذه الأخطاء
تعقب الواقع فى ثنايا الفن لعبة مثيرة وممتعة.. تزيد إثارتها للصحفى، حيث يشعر أنه كان شريكًا فى هذا الواقع ولو بالمعايشة، وأنه شريك فى هذا التاريخ ولو بالرصد والانحياز الفكرى.. كانت هذه عوامل أولية تجعل مسلسل الاختيار هو الأهم عندى كما هو مهم عند ملايين المصريين، وتجعله مؤلمًا أيضًا للإخوان.. فهو يقول لهم الحقيقة التى أخفاها عنهم قادتهم.. هو مؤلم للقادة؛ لأنه يكشف أكاذيبهم التى أقنعوا بها قواعد الجماعة وبرروا بها فشلهم فى اغتنام الفرصة التى جاءتهم فى غفلة من الزمن.. وهو مؤلم للقواعد، لأنه يكشف لهم أن كل ما فعلوه كان بلا طائل.. الإرهاب، والعنف، والدماء، والصراخ.. كان قبض ريح.. هو مؤلم للقادة والأتباع.. لذلك يدخل الإخوان فى حالة هستيريا جماعية، وصراخ عالى الصوت، ويطلقون اللجان الإلكترونية بتعليقات سمجة ومنسوخة من بعضها البعض.. ثقل الظل سمة إخوانية عمومًا، لكن الفكرة هذه المرة هى أنهم يريدون أن يبدوا وكأنهم غير مبالين.. لا يأخذون الأمر بجدية.. لكن الحقيقة أنهم يتألمون.. وأنهم يشاهدون «خيبتهم على الشاشة» فيعضون شفاههم، ويتمنون لو عاد التاريخ للوراء.. ويظنون أنهم كانوا سيتصرفون بطريقة أخرى.. لكن الحقيقة أن نفس المعطيات ستؤدى إلى نفس النتائج.. والمعطيات تقول إن الإخوان هم الإخوان وإن مصر هى مصر، لذلك سيفشل الإخوان فى حكم مصر ولو حاولوا بدل المرة ألفًا.. ولو ساندتهم أمريكا وروسيا والصين معًا.. لأن عدوهم الأول هو أنفسهم وليس أى أحد آخر.
كما يبدو من الحلقة الأولى من «الاختيار ٣» فخيرت الشاطر يظهر بشكل أكبر فى الأحداث، إنه ممثل الشر فى هذه الدراما المثيرة.. كما كان دائمًا ممثل الشر فى حياة مصر، بل فى حياة الجماعة نفسها، يشعر الإخوان بالصدمة، أو يتظاهر بعضهم بالإحساس بالصدمة، رغم أن صورة خيرت الشاطر كشرير، هى صورة مستقاة من الواقع، ومن كتابات بعض قادة الجماعة، ومن سير الأحداث فى الجماعة منذ سيطر الشاطر على مقاليد الأمور فيها فى آخر عشرين عامًا تقريبًا.. إنه «شيلوك» التاجر.. المتآمر.. الذى استخدم سطوة المال وقدرة التآمر ليجعل الجماعة فى قبضة يده، الذين يريدون الدفاع عن الإخوان يقولون إنه اختطف الجماعة وغيّر طبيعتها، والذين يعرفون الإخوان مثلى يقولون إنه يعبر عن الوجه الحقيقى للجماعة.. الوجه القاسى، والمتطرف دينيًا.. صاحب التدين السلفى الجهادى أو «التكفيرى» الذى ترتدى بناته وزوجته النقاب كما ترتديه زوجات بن لادن ورفاعى سرور.. هو تعبير عن انحطاط الإخوان من وجهة نظر المتعاطفين مع الجماعة.. فهو أخذها من طبيعتها «الصوفية» كما كانت أيام حسن البنا- من وجهة نظرهم- وحولها لمؤسسة مالية، يتحكم فى رقبتها من خلال التحكم فى أرزاق أعضائها، فقد استغل سماح نظام مبارك للإخوان بالعمل فى السوق فى مراكمة مليارات، وضم أموال الجماعة لأمواله الخاصة، وكان معروفًا بأنه «العراب» أو «بنك التمويل» الذى يذهب له كل إخوانى طموح بفكرة مشروع، يدرسها، ويجرى له اختبارًا فى الولاء، ثم يقرر أن يمول المشروع، ليتحول الشاب الإخوانى من معدم إلى مليونير بقرار من خيرت الشاطر، ويظل عليه أن يسدد المقابل المادى أو نسبة من الأرباح للجماعة، والثمن المعنوى أو قسم الولاء للشاطر.. وهكذا استطاع أن يطرد منافسه عبدالمنعم أبوالفتوح من الجماعة بسهولة، رغم الدور التاريخى الذى لعبه أبوالفتوح «وهو لا يقل تآمرًا عنه» فى إحياء الجماعة، وهكذا استطاع أن يمنع تصعيد عصام العريان لعضوية مكتب الإرشاد، إنه رجل الظل، والظلام، والأموال، والمؤامرات.. منذ سنوات طويلة جدًا، وقبل إنتاج «الاختيار» بكثير.. لقد أصبح خيرت الشاطر «شيلوك» إسلاميًا.. وشيلوك هو التاجر اليهودى الشهير فى مسرحية «تاجر البندقية» وقد دفع هذا أستاذًا جامعيًا وعالمًا مثل د. عبدالستار المليجى للاستقالة من الجماعة فى عام ٢٠٠٩ رغم أنه كان نائبًا للمرشد العام، وقد أجريت معه حوارًا وقتها فقال إن الجماعة تحولت لجماعة «بيزنس» وليس لجماعة دينية كما كان يظن حين دخلها، وكان رأيه أن خيرت الشاطر هو المسئول الأول عن هذا التحول.. ولعل هذه خلفية تاريخية مهمة، ونحن نشاهد دور خيرت الشاطر فى إشعال الصراع قبل وبعد ٣٠ يونيو.. وكأنه كان يقود الأحداث للخروج بأقصى خسائر ممكنة لجماعته ولمصر أيضًا.. ولكن مصر خرجت منتصرة وبقيت الخسائر من نصيب من أدمنوا الخسارة واعتنقوا الغباء مذهبًا.
من أسباب فشل الإخوان فى الحكم أو من ضمن عشرات الأسباب، أنهم لا يعرفون طبيعة المؤسسة العسكرية، وهذا مفهوم، لكن غير المفهوم أنهم لا يعرفون طبيعة الشعب المصرى حتى! هذه الجماعة المغلقة على نفسها، التكفيرية فى جوهرها ظلت عقودًا تظن أنها هى الإسلام، أو هى الدين.. وأن كل متدين ليس عضوًا بها فتديّنه غير صحيح أو إن شئت الدقة هو «كافر».. وأنهم يظنون أن كل مصرى يرفض الجماعة، هو بالضرورة غير متدين، أو زنديق أو فاسق أو عاص، كما أقنعهم قادتهم، وهكذا نصب الإخوان الفخ لأنفسهم، وابتلعوا الطعم الذى وضعوه لأنفسهم.. فتحريات الجماعة عن اللواء عبدالفتاح السيسى، مدير المخابرات الحربية، وقتها، قالت إنه متدين، وإنه يصلى، وإن زوجته محجبة.. فظن قادة الجماعة أنه إخوان!.. رغم أن ملايين المصريين متدينون وزوجاتهم محجبات ويكرهون الإخوان! لكنه العمى القلبى والسياسى. أو هى رغبة الإخوان فى الترويج لأى انتصار ولو وهمى، وإقناع قواعدهم بأى أنجاز ولو كاذب.. هى التى دفعتهم لترويج هذه الكذبة، وأى انتصار أكبر من أن ينجح الإخوان فى اختراق المؤسسة العسكرية.. وأى شىء كان يمكن أن يخيف معارضيهم أكثر من هذا.. لقد روّج الإخوان كذبة أكبر عن جمال عبدالناصر، وقالوا إنه كان عضوًا فى الجماعة.. والحقيقة الواضحة أن ضابط الجيش المصرى لا يحمل ولاءً لشىء سوى للجيش المصرى ولمصر، نقطة ومن أول السطر.. الرئيس السيسى هو نموذج للمواطن المصرى الأصيل، جذوره من حى الحسين، يجاور الأزهر الشريف، وثقافته الدينية أصيلة، لكنه يؤمن بالله وبالوطن أيضًا.. وهذه هى عقيدة المؤسسة التى ينتمى إليها.. والفارق بينه وبين الإخوان أنهم لا يؤمنون بالوطن، ويظنون أنهم يؤمنون بالله، بينما الله عز وجل برىء من إرهابهم وضيق نظرتهم للأمور.
لم تذكر أحداث الحلقة الأولى أن الإخوان بعد تعيين اللواء السيسى وزيرًا للدفاع حاولوا إنعاش قواعدهم بالخبر، وزفوا خبر التعيين إليهم على أنه إنجاز إخوانى، فكتبوا عنوانًا فى الصفحة الأولى من جريدتهم يقول «وزير دفاع بنكهة الثورة».. وقد كان هذا المانشيت مثارًا للتندر من كثيرين، طوال السنوات الماضية، والحقيقة أن السيسى كان وزير دفاع بطعم الوطن، وتقاليد العسكرية المصرية، وأنه جاء من داخل الجيش المصرى والأكيد أن تولى السيسى للمنصب كان رغبة المؤسسة العسكرية المصرية فى أن يتولى «الابن» محل «الأب».. والبنوة لفظ يستخدم فى الجيش المصرى بدلًا من «التلمذة» فيقال فلان ابن المشير.. بمعنى أنه تلميذ المشير.. وقد كان الرئيس السيسى يعرف لسنوات طويلة أنه «ابن المشير طنطاوى».. ظن الإخوان أنهم وجدوا قائدًا إخوانيًا، يلجم ألسنة معارضيهم، ويخيف الشعب من الاعتراض على خبلهم السياسى، فجاء لهم قائد وطنى يعرف من هم، واستطاع فى أشهر قليلة أن يضمد جراح الجيش المصرى، وأن يستعيد صورته الذهبية فى عقول المصريين، وأن يرفع كفاءته القتالية، وأن يجمع مؤسسات الدولة على قلب رجل واحد، وأن يطمئن المصريين بأن أحدًا لن يستطيع أن يتعرض لهم والجيش موجود.. فلماذا لا يصرخ الإخوان ويتأوهون وهم يشاهدون كل هذا على الشاشة.. ويتذكرون كل هذا الكم من الصفعات المتتالية.. اصرخوا أيها الإخوان، وشاهدوا ما حدث كى تتعلموا منه وإن كنت أشك أن تتعلموا شيئًا.