الروائية أسماء هاشم تكشف أسباب الغياب والبعد ودوافع الكتابة
الكاتبة الروائية أسماء هاشم عالم من السرد الخاص جدا فيما يخص الطرح والنكهة والتفرد.. تشتم في كتابتها رائحة الجنوب بعق ابنة المدينة المنفتحة على ثقافات العالم برؤية تسعى للحفر في عمق في ثنايا المحتوى المصري والعربي بخيباته وجمالياته وكذلك بمدادها المتسق مع حلمية ووهج كاتبة عرفت طعم الاختلاف عندما فازت بأول جائزة لها من جريدة "أخبار الأدب" في الألفية الماضية.
تحديدا تسعينيات القرن المنصرم فتنبأ لها الجميع من نقاد وكتاب بفرادة وجدارة لا تتوائم مع هذا التهميش والبعد بكتابتها عن عالم السرد الجمالي العميق منذ سنوات، فهل أسماء هى التي تسأل عن هذا البعد، التجاهل أم أن الكاتبة العتيدة لا تقر ولا تعترف بل لا تنصاع لهذه الترهات كما صرحت فى هذا الحوار للدستور.
- بداية أسماء هاشم اسم فرض نفسه بخصوصية وتفرد العوالم التي قدمتها نصوصها القليلة في التسعينات لماذا كل هذا الغياب ؟
(كل مرة يواجهني سؤال أين أنت ارتبك وأراوغ السؤال والمحاور وابتعد لنقطة بعيدة تخص علاقتي بالمكان الذي غادرته، غالبا أعمم الأسباب مضللة محدثي بين مسارات عديدة، الآن بي رغبة للبحث بصوت مرتفع عن إجابة هذا التساؤل سأحاول أن أكتب بتفاصيل لأبطل ما وصفني به أحد الأصدقاء أنني لست مثل الساردين الذين يجيدون الثرثرة أنا مقلة في الكتابة والكلام والتفاصيل أيضا، سأحاول الإجابة بمزيد من التفاصيل كلما أمكن.
في التسعينات بدأت الكتابة بدأت الكتابة وأنا أعيش هناك في قريتي الأسوانية حيث الجغرافيا القاسية وثقافة التعاليم القبلية التي شكلت الصياغة الأولى والنسخة الحقيقية من شخصية هذا المكان النائي. كنت أنغمس في هذا المكان واعيش تفاصيل هذه الثقافة غير أن تغيرات ما طالت الوعي جعلتني أقف على مسافة منه لأرى صورته وأعيد تقيم هذه التفاصيل كانت طائرتي الورقية أول محاولاتي التي تجاوزت المكان وانطلقت من هذه البقعة النائية.
أذكر أن كل القصص التي كنت أكتبها بخط يدي وارسلها من مكتب بريد قريتي نشرت وفي كل الساحات المخصصة لنشر الإبداع.
كان اسمي المطبوع في الصحف والمجلات وصوري فيما بعد الداعم الأول لمواصلة التحليق. صك الاعتراف الذي بموجبه منحني الأهل مساحات إضافية للتحليق كنت فخر العائلة والقرية المنسية مثل ألاف القرى البعيدة.
لم أكن مشغولة بتقديم عوالم يراها البعض غرائبية مبهرة لم أكن أكتب من منطقة عداء لمجتمعي تناولته بروح محبة خالصة، هؤلاء الذين فرحوا لرؤية اسمي المطبوع في الجريدة كيف ستكون فرحتهم حين يرى الجميع حياتهم حين يعرفهم.
- حدثينا عن السنوات القليلة التي واصلتِ فيها الكتابة والتي تلت إنهاء دراستك الجامعية وقبل الزواج؟
الزواج كان فاصلة بين مرحلتين لم أكن أعي الإختلاف بينهما جيدا لذا لم اتوخى الحذر ولم اتسلح باحتياطات تضمن لي مواصلة الكتابة، دعني أخبرك عن إحدى تفاصيل قريتي التي تشتبك هي مع أسباب غيابي.
(بنات قريتي مثلاً كن مع مرحلة التفتح الأنثوية يضعن طرحة ملونة شفافة لا تغطي الرأس بقدر ما تكشف جمال ضفائر الشعر تحت تلك الشفافة. الطرحة الشفافة كانت كإعلان عن بلوغ الفتاة سن الزواج بعد الزواج تستبدل الطرحة الشفافة الملونة بأخرى سوداء لا تشف واستكمالا لمسيرة إخفاء الضفائر تغطيها بايشارب قد يسمح بوجود نقوش ملونة للمتزوجات حديثا ولا يكتفي بذلك بل يستمر عملية الإخفاء ليسدل على جسدها ملابس سوداء بالكامل تغيرت مسميات هذه الأزياء وظلت فكرتها الوحيدة التي لا تقبل التطوير وهي اخفاء هذا الكائن الذي صار يخص رجل واحد.
أعتقد أن ما حدث معي كان لا ينفصل عن عملية الإخفاء تلك غيابي عن الساحة تزامن مع زواجي في نفس العام الذي أصدرت فيه روايتي الأولى المؤشر عن نقطة الصفر 2002 تزوجت في نفس العام فلم احتفي بصدورها في الوقت الذي توالت فيها الكتابات عن الرواية وعالمها صدر أمر مباشر بإخفاء نسخها التي تسلمتها من الناشر. هذا الأمر انسحب على كل ما يخص الكتابة كان علي أن أتخلص من الكتب التي تحمل إهداءات أصدقائي الكتاب ورسائلهم وصوري معهم في الفعاليات القليلة التي شاركت فيها.
كان على أن أنكر كوني كاتبة وأكتفي بصفتي الوظيفية وصفتي الإجتماعية ممارسات عدة حددت خطين علي أن أسير عليها البيت والوظيفة. خطين تواريت بينهما في عملية إخفاء متعمد تواطأ فيها الأهل الذين كانوا مصدر الدعم لي من قبل فلم ينصفني أحد في معركتي لأواصل إطلاق طائرتي الورقية التي كانت ترفرف بألوانها القزحية.. خسرت معركتي مبكرا وسجنت داخل مهام الزوجة والأم.
- أي أنك من وضعتِ نفسك في هذا القيد؟
(لا أنكر أنني ساهمت بنسبة ما في استمراري في هذا السجن، فأنا مريضة بفكرة أن أنجح حيث أكون. فكنت متفانية في الدور الجديد الزوجة والأم لأحقق أعلى درجات النجاح وفق المعايير التي حددها.
هذا التفاني ساهم في استكمال حلقة الإخفاء وانغمست في تفاصيل يومية وعلاقات اجتماعية وبالطبع مشكلات استنفدت قدرا كبيرا من روحي كان على سمية (بطلة المؤشر عند نقطة الصفر) التي امتلكت روحا مغايرة حتى عبثت بسجلات نسب القبيلة لتسمح بدخول أخرين للقبيلة كان عليها أن تختفي ومعها حكايات نساءالحاجر التي كتبتها والتي أنوي كتابتها سمية التي ظلت قابعة في ركن بعيد كانت من وقت لأخر تلومني وتؤرق ليلي وبدأت ترسم لي خطط الخروج على طريقتها سمية التي فتحت الطريق لآخرين ألهمتني لأعيد خربشة الورق. فتحت نافذتي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك دشنت حسابا باسمي ووضعت صورة قديمة لي. كانت آخر صورة لي قبل عشر سنوات لم أتعمد ذلك، لكن لم يكن لي صور تخص فترة الغياب وكأنني كنت أتعمد ألا أراني في غير ما أحب.
وتستطرد أسماء هاشم: (على موقع التواصل كنت أتعثر كالمبتدئين، ادركت أنني فقدت كثير من قدرتي على التواصل.. قضيت شهورا خلف نافذتي أخشى الاشتباك بتعليق أو حتى لآيك.
كان أشد ما يخيفني اقتراب أحد الأصدقاء القدامى عبر رسائل الخاص ليسألني أين أنت؟!
_ أسما تكتب قصة حب عنوان المجموعة التي عدت بها إلى الساحة مرة أخرى هل كان العنوان بمثابة إعلان لوجودك؟
(كتبت قصص أسما تكتب قصة حب على فترات متباعدة حين نجحت سمية في رسم خطة الخروج خبأت أوراقي تحت الوسادة وفي الأدراج كنت أخرجها في أوقات فراغي القليلة بعدما أنتهي من مهامي الوظيفية خارج المنزل وانتهي من واجباتي في البيت وبعدما ينام أصغر أطفالي كنت أخرجها خلسة وأكتب. كان علي أن أرمم روحي وأجبر كسور أجنحة طائرتي الورقية لم يكن مناسبا عنوانا أخر غير هذا لأتخلص من حالة الإخفاء غير عنوان يجمع اسمي وفعل الكتابة.
أظن أنني نجحت في اختيار العنوان الذي يربط اسمي بالكتابة لأواجه به الجميع و لأواصل النضال من أجلى أسما والكتابة.
_وهل تحقق ذلك؟
(كان ما يشغلني بعد مجموعة أسما تكتب قصة حب أن أواصل فعل الكتابة وكانت روايتي صخب القصر المهجور التي صدرت بهذا الإهداء "لوهج الإبداع الذي غادرني كيف السبيل لأبقيك متقدا " ظل وهج الإبداع يراودني لكنني ظللت على حالة الإخفاء/ الغياب حتى أنني غيبت فريدة الجامحة التي صنعت صخب القصر المهجور في ثلث الرواية. غيبتها أو أخفيتها وربما وأدتها كخطيئة. اظن أنني أحتاج لمزيد من الكتابة والكتابة لأتخلص من ظل الغياب الثقيل على روحي.
ما تقييمك للمشهد في ضوء تعامله مع نصوصك؟
المشهد مكتظ بكتابات عديدة وكتاب يجيدون الترويج لأعمالهم. يمكن لهم أن يصيروا نجوما في لحظات بجملة أفعال تستغل التقنيات التكنولوجية الحديثة ووسائل التواصل.. هؤلاء يجذبون قراء كثيرين كما يجذبون كتاب الريفوهات الذين يلفتون بدورهم نظر بعض النقاد الذين لا وقت لهم لاكتشاف كتاب وكتابات جديدة . أنا غير ذلك تماما أنا سيدة العزوف وملكة المناطق النائية (أكتب من منازلهم) من مساحتي الخاصة من خلف شاشة جهازي و اتعامل مع الوسط الثقافي أيضا من خلف شاشة جهازي. لا أظن الوسط الثقافي عندنا يرحب بأمثالي.
_وماذا ترين في كتابات جيلك وتحديدا في السنوات العشر الأخيرة؟
( بعد العودة للكتابة مجددا اكتشفت عشرات الأسماء التي تكتب، تجارب تحققت وأخرى تواصل. اتسعت الدائرة كثيرا لم تعد قاصرة على رفاق جيل التسعينات الذي كان تعارفنا على صفحات أدب ونقد أو أخبار الأدب تعددت النوافذ وصارت صفحات الفيس بوك نوافذ خاصة ومستقلة تقدم كل يوم أسماء جديدة لا استطيع تذكر أغلبها.
بعد العودة للكتابة مرة أخرى كان لدي نهم شديد لمعرفة الجديد تجارب القراءة العشوائية افقدتني كثيرا من وقتي وأفسدت مزاجي لايام. الآن لم يعد لدي الوقت لأهدره فصرت استعين بترشيحات الأصدقاء. لم يتغير شيء خلاف التجربة الابداعية التي راكمها البعض بفعل استمراريته، الجديد الاساليب الجديدة التي يستخدمها البعض للترويج لكتاباته. الأسماء التي تلمعها الجوائز والكتابات التي تنطفئ سريعا.
_لماذا تجاهلتك الجوائز ولجانها ومحكميها؟
(غبت لسنوات عشر، حين عدت اندهشت من حمى الجوائز التي أصابت الكثيرين. صار البعض يكتب من اجل جائزة!! لم أفكر في الجوائز وقت عودتي بقدر ما كان يشغلني ان يظل وهج الابداع متقدا داخلي. حتى حين نافست مجموعتي القصصية الاخيرة على جائزة و لم تحصل عليها لم انشغل بالبحث عن أسباب ذهاب الجائزة لعمل أخر.ليس لدي أدني احساس بالظلم وارجع الأمر غالبا لذائقة لجنة التحكيم وربما أسباب أخرى لا تخص كتابتي ولا تشعلني.