ظل ثابتًا راسخًا كرسوخ الجبال.. وقائع محاولة اغتيال الجماعة لعبدالناصر في المنشية (تقرير)
قبل 66 عامًا، وفى مثل أمس من العام 1954 وقف الزعيم جمال عبدالناصر فى ميدان المنشية بالإسكندرية، ليلقى خطابه فى ذكرى توقيع اتفاقية الجلاء، ولم تمر أكثر من خمس دقائق من خطابه، حتى دوت طلقات الرصاص تجاه المنصة التى يقف عليها عبدالناصر، فى محاولة من جماعة الإخوان الإرهابية لاغتياله.
ورغم المفاجأة الصاعقة إلا أن عبدالناصر ظل ثابتًا راسخًا كرسوخ الجبال، هاتفًا فى المواطنين ممن حضروا اللقاء، والذين سادت الفوضى والتدافع بينهم: أيها الرجال.. أيها الأحرار فليبق كل فى مكانه.. أيها الرجال.. أيها الأحرار أتكلم إليكم بعد أن حاول المغرضون الاعتداء على، فدمى فداء لكم وحياة عبدالناصر ملك لكم.. أنا لست جبانًا، أنا قمت من أجلكم، من أجل عزتكم وكرامتكم وحريتكم، أنا جمال عبدالناصر منكم ولكم، عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملًا من أجلكم وأموت من أجل حريتكم وعزتكم وكرامتكم.
سبقت هذا المشهد إجراءات تصعيدية قامت بها الجماعة الإرهابية ضد عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة برمته، وحسب أحمد البكرى فى كتابه «حلف الشيطان» ففى 12 يناير 1954 أثناء احتفال طلاب جامعتى القاهرة والإسكندرية بذكرى استشهاد المنيسى وشاهين فى التل الكبير على يد الإنجليز، استغل الإخوان هذا الحدث فى استعراض قوتهم، إذ اجتمع كل من عبدالحكيم عابدين وحسن دوح المحامى ومحمود أبو شلوع ومصطفى البساطى من الطلاب الإخوان، واتفقوا ألا يظهر صوت إلا صوتهم، فاشتبكوا مع طلبة المدارس الثانوية والجامعة ممن كانوا يشاركون فى إحياء ذكرى الشهداء، فأخذ تلاميذ المدارس يردون على هتافات الإخوان: الله أكبر والعزة لمصر، فما كان من الطلبة الإخوان إلا أن ضربوا تلاميذ المدارس بالكرابيج والعصى، وقلبوا العربة التى تحمل بعضهم وفيها الميكروفون وأحرقوها، كما قام الطلبة الإخوان بحرق سيارة جيب عسكرية فى حرم الجامعة، ويرى البعض أن الإخوان خططوا لهذا اليوم مع المخابرات البريطانية لإثارة الفوضى والقلق لإضعاف موقف جمال عبدالناصر فى التفاوض مع الإنجليز.
وفى كتابه «تاريخ جماعة الإخوان» يشير رفعت السعيد إلى دور سيد قطب والتنظيم السرى فى محاولة اغتيال عبدالناصر فى المنشية: كان سيد قطب يصدر فى أوائل 1954 نشرة سرية اسمها «الإخوان فى المعركة».
ويمضى «السعيد» مؤكدًا: أمام محكمة الشعب جرى الحوار التالى بين جمال سالم رئيس المحكمة والمتهم يوسف طلعت الرئيس الجديد للجهاز السرى:
س: من كان يقوم بتحرير الأخبار فى تلك النشرة السرية؟، ج: مش فاكر، س: سيد قطب كان بيكتبها، ج: أيوه يا فندم.
وأمام ذات المحكمة سأل جمال سالم الشيخ فرغلى س: من كان يحرر نشرة الإخوان فى المعركة؟ ج: كان مفهومًا أن الأستاذ سيد قطب كان يحررها.
وعلى أى حال هرب سيد قطب واختبأ فى بنى سويف لكنه لم يهرب سوى ثلاثة أسابيع وما لبث أن قبض عليه فى 18 نوفمبر 1954 وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عامًا.
وقد أدى سعى الجماعة لاغتيال عبدالناصر إلى قيام مجلس الثورة بحل الجماعة والعمل على ضبط رموزها وتقديمهم للمحاكمة، وكان هذا هو القرار الثانى بحل الجماعة بعد أن أصدر محمود فهمى النقراشى قرار الحل الأول بتاريخ 5 ديسمبر 1948 لاتهامها بالتحريض والعمل ضد أمن الدولة.
وقد جاء نص قرار الحل كالتالي: «قرر مجلس قيادة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين، وتعد جماعة الإخوان المسلمين حزبًا سياسيًا، ويطبق عليها أمر مجلس قيادة الثورة بحل الأحزاب السياسية.»
عقب فشل محاولة الجماعة الإرهابية فى محاولة اغتيال عبدالناصر، اشتدت حملة الاعتقالات ضد أعضاء الجهاز السرى للإخوان البالغ عددهم 700 عضو مع تقديمهم للمحاكمة سريعًا، وفى 9 ديسمبر 1954 نفذ حكم الإعدام فى ستة منهم: محمود عبداللطيف، هنداوى دوير، إبراهيم الطيب، يوسف طلعت، محمد فرغلي، وعبد القادر عودة. ومن لم يعتقل منهم اختفى عن الأنظار أو غادر البلاد سرًا إلى بعض البلاد العربية مثل سوريا والسعودية وإمارات الخليج العربى والتى كانت آنذاك تحت الهيمنة البريطانية.