رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التناقض الكبير.. هذه الدولة تمول الإرهاب وتدّعى «نصرة النبى» (ملف)

تمويل الاهاب
تمويل الاهاب

تناقض بارز أبدته الممارسات القطرية الأخيرة عقب التصريحات الفرنسية التي أدلى بها الرئيس إيمانويل ماكرون، وأساء خلالها إلى الدين الإسلامي، إثر واقعة ذبح أستاذ التاريخ الفرنسي "صمويل باتي" على يد عناصر متطرفة خلال شهر أكتوبر الجاري.

ومنذ أن شرعت الأسواق العربية في مقاطعة المنتجات الفرنسية عقب إساءات ماكرون، قامت بعض الأسواق القطرية بسحب هذه المنتجات الموجودة لديها أيضًا، في إشارة إلى دعمها الحملة العربية، كما أعلنت جامعة قطر، على «تويتر»، أنها "عطفًا على مستجدات الأحداث الأخيرة والمتعلقة بالإساءة المتعمدة للإسلام ورموزه، فقد قرَّرت إدارة جامعة قطر تأجيل فعالية الأسبوع الفرنسي الثقافي إلى أجل غير مسمى".

وفي الوقت ذاته، تواصل الدوحة دعمها الجماعات المتطرفة التي تسببَّت جرائمها في الإساءة للدين، فضلًا عن استضافتها الداعية الإخواني يوسف القرضاوي، الملقب بـ"الزعيم الروحي" لجماعة الإخوان الإرهابية.

وبينما تعلن قطر الآن رفضها الإساءات الفرنسية، إلا أنها سعت منذ سنوات إلى التحريض بالخطاب المتطرف وتمويل الجماعات الإرهابية في فرنسا، بالإضافة إلى حجم الاستثمارات القطرية الضخمة في الدولة الأوروبية.


- "دعم الإرهاب في فرنسا"

اتهمت نخب فرنسية دولة قطر بتمويل مراكز ومؤسسات مشبوهة تخدم الإسلام السياسي في البلاد، فيما طالب مشرعون فرنسيون الحكومة بحظر تنظيم "الإخوان" والتدقيق أكثر في مسار الأموال الأجنبية.

وحذرت نخب فرنسية، مرارًا وتكرارًا، من عواقب غض الطرف عن أموال قطر التي تتدفق إلى الشارع السياسي الفرنسي، لاختراق دوائر صنع القرار.

وطرحت عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، ناتالي غوليه، سؤالًا أمام المجلس بشأن الأموال القطرية السخية المشبوهة، التي باتت حسب قولها "تشكل صداعًا في رأس الفرنسيين".

وأثار الخبراء تساؤلات حول صمت فرنسا الملحوظ عن شبكات التمويل الخارجي، والتي تظهر آثارها في المساجد وكذلك في الأعمال الخيرية الهادفة إلى تجنيد الأعضاء، وتساءلوا عما إذا كان الصمت مرتبطًا بالاستثمارات الأجنبية التي تتلقاها فرنسا من الدول التي لها نفوذ داخل الشبكات الإسلامية مثل قطر، التي استثمرت بشكل كبير في مشاريع اجتماعية واقتصادية في الضواحي الفرنسية، وكذلك في الرياضة والسياحة؟.


- "قطر الخيرية"

لم تكن هذه التحذيرات الأولى من خطر الجماعات المتطرفة في أوروبا خلف ستار الجمعيات الخيرية، حيث أصدر الصحفيان الفرنسيان كريستيان شينو، وجورج مالبرونو، كتابًا بعنوان "أوراق قطر"، الذي استعرض خريطة التمويل القطري للإرهاب في أوروبا عبر مؤسسة "قطر الخيرية".

وفي أبريل 2019، نشر الكاتب الفرنسي "جورج مالبرونو" جزءًا من وثائق استقصائية حول دفع مؤسسة قطر الخيرية راتبًا شهريًا يقدر بنحو 35000 يورو شهريًا لحفيد مؤسس جماعة الإخوان الإرهابية طارق رمضان، مضيفًا: "يكشف هذا الكتاب عن شبكة واسعة لتمويل 140 مسجدًا في أوروبا، من بينها 22 في فرنسا، من قبل مؤسسة قطر الخيرية".

وفي الشهر ذاته، جدد النائب الفرنسي "جيلبيرت كولر" دعوته إلى ضرورة فتح تحقيقات برلمانية بشأن تمويلات مؤسسة "قطر الخيرية" لعدد من مشاريع المساجد والمدارس والمراكز الإسلامية في فرنسا.


- "استثمارات ضخمة"

وفي واقع الأمر، لم تفكر الدوحة في تقليص حجم استثماراتها الضخمة في فرنسا، والتي تقدر بمليارات الدولارات، الأمر الذي من شأنه أن يوجه ضربة قاسية لأهم اقتصادات القارة العجوز حال قررت قطر سحب بعض من استثماراتها هناك.

وفي السنوات الأخيرة، قامت قطر بضخ مليارات الدولارات وزيادة حجم استثماراتها في أوروبا، بينما كانت فرنسا في مقدمة الدول التي شهدت استثمارًا قطريًا ضخمًا على كافة الأصعدة التجارية والسياسية والبحثية، والرياضية أيضًا.

وفي يونيو 2018، نشرت الصحف القطرية ذاتها تقريرًا حول حجم استثمارات الدوحة في فرنسا، مشيرة إلى أن استثماراتها بلغت أكثر من 40 مليار دولار في عام 2018، حيث قامت الدولتان خلال السنوات الأخيرة بتوقيع اتفاقيات متعددة، منها اتفاقيات بقيمة 12 مليار يورو خلال زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الدوحة في ديسمبر 2017، هذا إلى جانب مشاريع الطاقة الكبرى والاستراتيجية بين "قطر للبترول" و"توتال الفرنسية"، والتي يمتد أغلبها لـ25 عامًا.

وقالت الصحف القطرية إن قطر تعد المستثمر الأول من بين دول المنطقة في فرنسا، وتسهم في بعض أهم الشركات الفرنسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر تستحوذ قطر على نسبة 100% من نادي باريس سان جيرمان، و100% من عمارة الإليزيه، و85.7% من رويال مونسو، وتوتال 2%، وفيوليا 5%، ولاغاردير 16.75%، وفينشي 5.5%.

وأوضحت أن الاستثمارات القطرية في فرنسا شهدت نموًا متواصلًا، وشملت العديد من القطاعات مثل الطاقة والعقارات والفنادق والخدمات المالية والاتصالات والرياضة.

وبلغت استثمارات جهاز قطر للاستثمار في فرنسا 25 مليار يورو (30 مليار دولار) أي ما يوازي 11% من قيمة استثمارات الجهاز، بالإضافة إلى الاستثمارات الخاصة التي تصل إلى 10 مليارات دولار.

وأظهرت البيانات المتاحة على الموقع الرسمي للدبلوماسية الفرنسية قيمة المبادلات التجارية الثنائية بانتظام بين البلدين، والتى بلغت مليارَي يورو سنويًا منذ عام 2014.

وحسب البيانات المتاحة لعام 2017، احتلت قطر المرتبة الثامنة في قائمة أوجه الفائض التجاري لفرنسا، وبلغت قيمته 1،3 مليار يورو، إذ بلغت قيمة الصادرات مليارَي يورو، فيما بلغت قيمة الواردات 680 مليون يورو.

وتبقى فرنسا إحدى الوجهات المفضّلة لدى المستثمرين القطريين في الخارج، إلى جانب المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية، (إذ قُدّرت قيمة الاستثمارات القطرية في فرنسا بنحو 25 مليار يورو في عام 2016).

وأُنشئ صندوق استثمارات ثنائي أُطلق عليه اسم "أبطال المستقبل الفرنسيون" في عام 2013، بقيمة 300 مليون يورو، وهو ثمرة الشراكة بين صندوق الودائع والأمانات في فرنسا وجهاز قطر للاستثمار، حسبما أفاد الموقع الرسمي للدبلوماسية الفرنسية.

وفي مارس 2019، قالت الكاتبة والمحللة السياسية بمعهد "جيتستون"، جوديث بيرجمان، إنه عندما عرضت قطر لأول مرة الاستثمار في الشركات الصغيرة فى الضواحي الفرنسية أثار الأمر قلقًا في الداخل الفرنسي، لافتة إلى تصريحات "كريم صادر"، خبير الشرق الأوسط الفرنسي، لتليفزيون «فرانس 24» في عام 2012، والتي أشار فيها إلى تمويل قطر ضواحي فرنسية ودورها في تمويل جماعة الإخوان الإرهابية.

وفي النهاية، أُنشئ صندوق قطرى فرنسى مشترك يحدد شروطًا معينة لاستثمارات الدوحة من أجل تهدئة التوتر المتعلق بالاستثمارات، لكن عام 2016، وصلت الاستثمارات القطرية وحدها في فرنسا لحوالي 22 مليار دولار.