رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإلحاد وأثره على الإنسان وطرق علاجه

جريدة الدستور

منذ فجر التاريخ عرفت مصر بين الأمم وفطر شعبها على حب التدين الخالص والتعلق بالله وأداء العبادات والفروض الدينية، ومن يقم بزيارة الأثار المصرية المنتشرة في أرضها يشهد تجاور دور العبادة الدينية المختلفة في تسامح يندر أن يكون له نظير في العالم، ولم يكن المصريون منذ عهدهم القديم إلى يومنا هذا بحاجة إلى من يزاديد على علاقتهم بالله الواحد الأحد.

ولكن في السنوات الأربع الأخيرة ونتيجة للتحولات الاجتماعية التي شهدتها مصر من اضطراب دور الأسرة في التربية الصحيحة، وضعف الوازع الديني، الأمر الذي أدى إلى انهيار المنظومة الأخلاقية واختفاء القيم الفاضلة لدى الشباب والفتيات حيث تدنى المستوى الثقافي وانتشرت الأمراض النفسية وفقدان كثير من الشباب الأمل في حياة أفضل حيث برزت في الآونة الأخيرة بين بعض الشباب والفتيات ظاهرة الإلحاد وعدم الالتزام بالتعاليم الدينية.

والمتابع لوسائل التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية يلاحظ كثرة ظهور الإلحاد بين أوساط الشباب بصورة تدعو إلى الانتباه والتيقظ لهذا الفكر المنحرف الذي يجعل الإنسان يعيش بعيدا عن ربه بلا هدف، ولا مغزى لحياتة، نظرا لتخليه عن مبادئه الدينية وشعوره الوهمي بأنه لن يجازى على خير فعله ولن يعاقب لعى جرم ارتكبه ومن أين لنا أن نتصور أن مثل هذا الشخص يمكن أن يكون صاحب قيم وأخلاق ومباديء، يساعد الضعفاء، ويقيل عثراتهم، ويتعفف عما ليس بيده ويتعامل بإنسانية مع من حوله إن ذاك الإنسان هو فاقد لإنسانيته ومفارق لقيم مجتمعه.

ولأجل هذا استوجب علينا جميعا أفرادا ومؤسسات ضرورة التصدي لهذه الظاهرة ومعالجتها معالجة عقلية وروحية هادئة بالبحث عن أسبابها وطرق علاجها لإنقاذ الشباب مما قد يعانونه من ضياع نفسي وتشتت عقلي وعدم اكتراث بالدين.

ولعل أبرز الأسباب التي تدفع الشباب إلى الإلحاد ظهور بعض الجماعات الإرهابية التي انتهجت الوحشية والترهيب والقتل متستترة باسم الدين وتصديرها مفاهيم مشوهة لتعاليمه ذلك الأمر الذي نفر عدد من الشباب ودفعهم لليأس والإلحاد.

إن تربية وتشكيل عقلية بعض الشباب على التشدد الديني والتطرف والحدية في تبني الأراء تجعلهم مشوشين ومضطربين فكريا فيأخذون موقفا متطرفا بالاتجاه المعاكس ويعادون الدين.

من ناحية أخرى تعاني بعض النساء تشددا وقسوة سواء من أزواجهن أو ذويهن الذين يستندون إلى تفسير بعض النصوص تفسيرا خاطئا ومغلوطا لا يراعي الظروف الراهنة التي تعيشها، ولا تتوافق مع التطور المجتمعي، فينمو داخلهن اعتقاد خاطيء بالاضطهاد والظلم فتبعد عن فطرتها التي نشأت عليها مما يتسبب في ضعف قدرة الأسرة على توجيه أبناءهم التوجيه الديني السليم، ويصاحب ذلك الضعف التعليمي وعدم قدرة المدرسة على أداء واجبها التربوي والديني، ذلك بسبب أن دروس التربية الدينية لا تمثل للطالب المسلم أو المسيحي أية أهمية ولا تضاف درجات مادة الدين إلى المجموع النهائي للطلاب رغم أن دراسة الدين والقيم التي يحتويها دورا تربويا وأخلاقيا كبيرا في تنشئة أجيال من الشباب على قيم التسامح والاحترام والتعاون والانتماء والبذل والتضحية وتعميق الجانب الروحي والارتباط بالله.

ولذلك أرى أن أهم الخطوات التي يمكن إفادتنا في معالجة ظاهرة الإلحاد هي:

ضرورة الاهتمام بتنشئة الصغار وتربيتهم على القيم الدينية المشتركة بين الأديان وتعليمهم تعليما سويا وسطيا بعيدا عن التشدد الديني والتعصب الأعمى والتسيب الأخلاقي.

التأكيد على أن البيئة النفسية للإنسان لها دور كبير في إحداث التوازن والاعتدال الفكري والروحي ومن ثم ينبغي العمل على بناء أجيال تتحلى بالشخصية السوية المسكونة بالطمأنينة والراحة النفسية، والخالية من أمراض الكبر والبحث عن الذاتية والشهرة.

حث الدعاة بضرورة تبني تجديد خطاب ديني معاصر بعغيدا عن كافة أشكال التشدد والتعصب إضافة إلى تزويدهم بالثقافة الدينية المعاصرة وكيفية دحض الفلسفات المادية والإلمام بالمفاهيم العلمية وكيفية التعايش مع الغير جنسا ودينا ولونا على أسس من السلام والاستقرار.

تشجيع ثقافة الحوار القائم على الرفق واللين والتعامل مع الشكوك التي قد تعتمل في نفوس بعض الشباب والفتيات والأخذ بأيديهم إلى السلوك الروحي لطريق الله.

كما أنه على الأجهزة الإعلامية ضرورة نشر ثقافة التحلي بالقيم والأخلاق عن طريق بث برامج حوارية مع متخصصين في الجوانب النفسية والتربوية.

وختاما أتوجه إلى الله العلي القدير أن يحفظ مصر وشبابها وأجيال مستقبلها وأن يلهمهم طريق الهدى الإلهي وصراطه المستقيم.