من مؤلفاتهم.. شلتوت وطنطاوي وعلي جمعة يجيبون: هل فوائد البنوك والشهادات حرام؟
قضية فوائد الأرباح من البنوك، مازالت حديث الناس رغم حسم الجدل فيها من عشرات السنين من جانب علماء ومشايخ الأمة، إلا أن هناك مجموعة من أصحاب الأفكار المتشددة بين الحين والآخر تخرج على الناس بآراء ليس لها سند شرعي الغرض منها إثارة الجدل والبلبلة وتشتيت الناس، تحرم فوائد البنوك والتعامل معها.
«الدستور» أبحرت في كتب علماء ومشايخ الأزهر والإفتاء لحسم الجدل الدائر بين الحين والآخر، ولتوضيح الأمور الشرعية السليمة والرد على الفتاوى المتشددة التي تطرح من وقت الآخر.
الشيخ شلتوت: فوائد البنوك وصناديق التوفير جائزة
ومن داخل كتاب" الفتاوى.. دراسة لمشكلات المسلم المعاصر في حياته اليومية والعامة" حول فوائد البنوك وصناديق التوفير، قال الإمام الأكبر الشيخ محمود شلتوت، شيخ الأزهر الأسبق، إن المادل المودع لم يكن دينًا لصاحبه ولم يقترضه من البنك أو صندوق التوفير، وإنما تقدم به صاحبه إلى المصلحة البريدية والبنك من تلقاء نفسه طائًعا مختارًا متلمسًا قبول المصلحة إياه وهو يعرف أن المصلحة نستغل الأموال المودعة لديها في مواد تجارية ويندر فيها، إن لم يعدم الكساد أو الخسران.
وأضاف الشيخ شلتوت، أن الشخص هو قصد بهذا الإيداع أولًا، حفظ ماله من الضياع وتعويد نفسه على التوفير والاقتصاد، وقصد ثانيًا إمداد المصلحة بزيادة رأس مالها، ليتسع نطاق معاملاتها وتكثر أرباحها فينتفع العمال والموظفون وتنتفع الحكومة بفاضل الأرباح، ولا شك أن هذين الأمرين تعويد النفس على الاقتصاد، ومساعدة المصلحة الحكومية غرضان شريفان كلاهما خير وبركة ويستحق صاحبها التشجيع، فإذا ما عنيت المصلحة لهذا التشجيع قدرًا من أرباحها منسوبًا إلى المال المودع أى نسبة تريد، وتقدمت به إلى صاحب المال، كانت دون شك معاملة ذات نفع تعاونى عام، يشمل خيرها صاحب المال والعمال والحكومة وليس فيها مع هذا النفع العام أدنى شائبة لظلم أحد، أو استغلال لحاجة أحد.
وأوضح الإمام الأكبر أن هذه المعاملة بكيفيتها وظروفها كلها، وبضمان أرباحها لم تكن معروفة لفقهائنا الأولين وقت أن بحثوا الشركة ونوعوها واشترطوا فيها ما اشترطوا.
وأشار إلى أنه ليس من ريب أن التقدم البشري أحد ث في الاقتصاديات أنواعًا من العقود والاتفاقات المركزة على أسس صحيحة لم تكن معروفة من قبل، وما دام الميزان الشرعي في حل التعامل وحرمته قائمًا في كتاب الله، " والله يعلم المفسد من المصلح" فما علينا أن نحكمه ونسير على مقتضاه.
ونوه بأنه من هنا يتبين أن الربح المذكور ليس فائدة لدين حتى يكون ربا، ولا منفعة جرها قرض حتى يكون حرامًا على فرض صحة النهى عنه، وإنما هو كما قلنا تشجيع على التوفير والتعاون اللذان يستحبهما الشرع.
حكم القرض من البنك
وحول القرض من البنوك، أكد الإمام الأكبر الشيخ شلتوت، على أن ضرورة المقترض وحاجته يرفع عنه الإثم فى التعامل لأنه مضطر أو في حكم المضطر، وقد صرح الفقهاء بأنه يجوز للمحتاج الاستقراض بالربح، وإذا كان للأفراد ضرورة أو حاجة تبيح لهم هذه المعاملة، وكان تقديرها يرجع إليهم وحدهم وهم مؤمنون بصيرون بدينهم.
الشيخ سيد طنطاوي: فوائد البنوك ليست ربا
وفى السياق ذاته، قال الراحل الشيخ طنطاوي، شيخ الأزهر السابق، في كتاب " فتاوى شرعية"، لا يمكن أن نصل إلى معاملات اقتصادية سليمة إلا عن طريق التعاون الصادق بين رجال الفقه والاقتصاد والقانون، فإن ما تقدمه البنوك من تمويل عقاري جائز شرعًا، والتمويل للمشروعات الزراعية وغيرها لا حرج فيه.
وأضاف في فتوى له ردًا على سائل حول فوائد البنوك، أن الفوائد من البنوك حلال شرعًا، لأنها معاملة بالتراضي بين الطرفين، فأنا ارتضيت بذلك والبنك خيرني ومن حقي أن أقبل أو لا أقبل، وتحديد الربح جائز ولا حرج فيها.
وأكد على أن تحديد النسبة هي حق، فكل معاملة ما دام فيها قبول وإيجاب فهي حلال، وليس كل زيادة ربا فهى أمور مغلوطة لدى البعض، فالزيادة المصحوبة بالابتزاز والغصب هى التى نطلق عليها ربا.
لافتا إلى أنه لو لم تكن البنوك تحدد الأرباح لضاعت أموال الناس، ولابد من تحديد الأرباح حتى يعرف حقه، وكذلك البنوك التى لم تحدد الربح فهى حلال مادام العميل راضٍ بذلك، ولم يوجد نص شرعى من القرآن والسنة يحرم ذلك.
على جمعة: لولا البنوك لمات الفقراء جوعًا
بينما قال الدكتور على جمعة، عضو هيئة كبار العلماء، ومفتي الديار المصرية السابق، إن فوائد البنوك حلال، والتعامل مع المرابحة في البنوك جائز ولا حرج فيه، لافتا إلى أن دور البنك الحقيقي أن يدخر من الناس ويضع تلك الأنوال في خدمة المجتمع مرة أخرى، فلو لم تكن البنوك في بلادنا لمات الفقير جوعًا، فتواجد البنك ضد الربا، فوائد البنك حلال وهو ربح ناتج من عمليات تجارية وصناعية ولولاه لهكت الديار.
وأضاف جمعة في كتابه" "الدين والحياة" الفتاوى العصرية اليومية"، ردًا على فتاوي وردت إليه حول فوائد البنوك والتعامل بالمرابحة والبنوك، أن القرض من البنك جائر، والتعامل مع البنوك الإسلامية حلال، وأن شراء شقة عن طريق البنك حلال فهو يسمى تمويل عقاري.
وأكد مفتي الديار المصرية السابق، أن فوائد البنوك ليست ربا، بل هى حلال نتيجة عمليات تجارية، فوظيفة البنوك هى المدخر المستثمر ولا علاقة لها بالقرض، إطلاقا، فالربا عند الأئمة الأربعة إنما يكون في الذهب والفضة عندما تكون وسيطًا في التبادل، وحكم الاستثمار عن طريق المرابحات في البنوك الإسلامية حلال.
مجدي عاشور: تحديد الأرباح مقدمًا جائز شرعًا
وحول تحديد الأرباح مقدمًا، فقد جاء في كتاب "دقيقة فقهية" للدكتور مجدي عاشور، المستشار الأكاديمي لمفتى الجمهورية، أنه قد اختلف الفقهاء في تحديد الأرباح أو الفوائد مقدمًا زمنًا ومقدارًا، والمختار في الفتوى أن ذلك جائز شرعًا، خاصة في البنوك والمؤسسات المالية دون الأفراد، حيث تراعى تلك المؤسسات في ذلك عدة ضوابط ودراسات اكتوارية".
وأكمل: فضلًا عن كونه محققًا لمصالح الأطراف، وليس فيه استغلال أو غش أو خداع أو ظلم من أحد طرفي التعامل للآخر، ومن ثم لا يقع التنازع بينهما، والذي من أجله "وقوع التنازل" كانت النسبة متغيرة، فلما انتفت عليه التنازع رجع الحكم إلى الجواز، وبمزيد من النظر يمكن إدراجه تحت باب الوعد الملزم كما هو مذهب المالكية ومن وافقهم، فيكون جائزًا فى عمل المؤسسات لا الأفراد.
وأضاف عاشور عبر كتابه" دقيقة فقهية أن تحديد الأرباح والفوائد من البنوك مسبقًا أمر جائز شرعًا على المختار فى الفتوى، خاصة في البنوك والمؤسسات المالية دون الأفراد، إذ هي تراعى قيام أغلب التعاملات وفق قواعد الاستثمار وعقود التمويل وتحت دراسات دقيقة ترفع التنازع بين أطراف العقد.
حكم شهادات الاستثمار
ويرى عاشور أن الإيداع في البنوك هو من باب العقود المستحدثة لا القروض التي تجر النفع المحرم، لأن الأرباح ليست من قبيل فوائد القروض، بل هي عبارة عن أرباح تمويلية ناتجة عن عقود تحقق مصالح أطرافها من غير ضرر أو غرر ويسودها مبدأ الرضا، ولا حرج في التعامل بهذا النوع من الحسابات، لافتا إلى أن شهادات الاستثمار أيضا جائزة شرعًا وهى من عقود التمويل المستحدثة.