آخر السحرة.. وليد سليمان يودع «القلعة الحمراء» من الباب الكبير
الأهلى فى مخيلته أكثر من مجرد نادٍ، ومكانة جمهوره لا يضاهيها شىء فى قلبه، وارتباطه بالكيان لا توازيه ملايين الدنيا.
قبل أن يرتدى القميص الأحمر، كان بين قلائل ينادى جمهور الأهلى عليهم، قبل انطلاق المباريات، وهم خصوم.
كانوا يعشقونه قبل حتى أن يرتبط بهم أو يرتدى قميص ناديهم، وكذلك كان فى المقابل خير من يمثلهم، ويعبّر عن هويتهم، فاشترى حبهم بالغالى.
وليد سليمان قصة تكتب سطورها الأخيرة فى الملاعب، لكنها ستبقى خالدة وباقية تتوارثها الأجيال للتعبير عن معانى الانتماء، وستكون مدلولًا واضحًا ومباشرًا لفكرة التضحية من أجل الكيان.
منذ اليوم الأول، كان وليد سليمان نموذجًا للاعب الذى ضحى بكل شىء من أجل ارتداء قميص النادى الذى يحبه.
٤ سنوات كاملة قضاها «الحاوى» فى صراعات مع إدارات الأندية البترولية من أجل تحقيق حلمه. مَرِض، وأُصيب بالانهيار العصبى، وعانى الويلات، حتى استسلموا لإرادته، وسلموا بأنه لا شىء سيمنع اكتمال الحكاية الجميلة التى جمعت «وليد» بالأهلى والأهلاوية.
كان من المفترض أن ينتقل من بتروجت إلى الأهلى، لكن وزير البترول تدخل بنفسه حينها وأمر بانتقاله إلى إنبى، لرغبته فى المنافسة على البطولات، وفى سبيل ذلك قرر دفع رواتب تنافس الأهلى والزمالك.
ولأنه لم يسع يومًا إلى المال، ولم تكن الثروة مبتغاه، كما آخرون سقطوا فى السطور الأخيرة، أصر على موقفه، حتى نال مراده ودخل قلعة الجزيرة.
ويُعد وليد سليمان حلقة الوصل بين جيلين تاريخيين، فقد حضر اختتام المسيرة العظيمة لجيل «تريكة وبركات»، وكان أحد أهم فرسانه، فى سنواته الأخيرة، مع المدربين المصريين بالتحديد، ليسطر تاريخًا طويلًا.
ووصل مع الجيل الحالى لأرقام قياسية تناطح ما قدمه الجيل العظيم رفقة البرتغالى مانويل جوزيه، وبين هذا وذاك تحمّل تبعات الانتقال من مرحلة وجيل إلى مرحلة وجيل آخرين، كانت الأمور خلالهما فى أشد قسوتها، ولا يحتملها سوى شخص قوى عنيد.
قرابة ١١ عامًا قضاها وليد سليمان داخل جدران «القلعة الحمراء»، لم يتغير يومًا، فمثلما دخل عاشقًا محبًا للكيان قبل أن يكون لاعبًا محترفًا، ها هو يصل محطته الأخيرة بنفس الحالة التى بدأ عليها، ولم تؤثر فيه المغريات والتغييرات، بعد مسيرة حافلة جعلته مطلب الجميع.
فى أشد مراحل تألقه، وبينما تتهافت عليه العروض، لم يقل يومًا: «أريد تأمين مستقبلى»، مثلما يتذرع كثيرون للهروب أمام إغراءات الخليج، وفى المفاوضات الأخيرة لتجديد عقده عرض عليه بيراميدز أرقامًا خرافية، أملًا فى خطفه مثلما حدث الأمر مع أكثر من لاعب داخل الأهلى خلال السنوات الأخيرة، لكن جوابه كان مختلفًا، وارتضى بالسقف الذى وضعه مجلس الإدارة، حتى لو كان بعيدًا عن المتاح له، لتبقى مكانته فى قلوب الأهلاوية مختلفة عن كل جيله.
مواقفه التى تعبّر عن ارتباطه بالكيان يمكنك اختصارها فى تصريح سابق لـ«كهربا»: «وليد سليمان قالى نار الأهلى ولا جنة الآخرين».
أما عن إخلاصه طوال مسيرته، فعليك بالنظر لما قال عنه سعد سمير، وهو فى هذه السن المتقدمة: «وليد سليمان ما زال أول لاعب يحضر فى النادى قبل التدريبات».
إذا دفعت به نصف ساعة لا يعترض، ربع ساعة لا يعترض، دقيقتين لا يعترض، وفى كل مرة يكون خطرًا فعالًا قادرًا على الإضافة.
لم يستغل اسمه أبدًا فى تجييش مشاعر الجماهير ضد مدربه مثل آخرين، ولم ينجرف نحو شهوات شخصية كما يفعل بعض النجوم، ومثلما دخل النادى مؤمنًا بأن «الأهلى فوق الجميع»، ها هو ينتقل من منطقة إلى أخرى بنفس الاعتقاد، فمثل هؤلاء يظلون فى الأهلى مدى الحياة ولا يغادرونه أبدًا، ولا يمكنك أن تعتبر اعتزالهم خروجًا، بل مجرد انتقال.