هاني عبد المريد: الكاتب يختار ما يتناسب مع روحه.. وعلى القارئ انتهاز الفرصة (حوار)
تفرّد الروائي والقاص هاني عبد المريد في علاقته بآليات السرد، فما بين التخييلي والرمزى المندفع ببني جمالية حاذقة تطفو عوالمه العميقة في القص والرواية ليتجلى ما وراء الإبداع من واقعي ومعيشي وذاتي ووجودي فيرسم بنجاح باهر خارطته في الحكي اللا تقليدي حيث نرى ذلك في تعدد المجازات في رواياته كيرياليسون، رواية، ابن العالم، محاولة الإيقاع بشبح، وقصص "تدريجيا وببطء، أساطير الأولين، من شرفة بيتهوفن، وأخيرا روايته الأثيرة عزيزتي سافو.
عبد المريد حصل على أكثر من جائزة (ساويرس مرتين) وجائزة الدولة التشجيعية 2017/ 2018، وهو المولود في 1973 ويعمل بنظم المعلومات المكتبية، وهو المثير بمتونه وحتى هوامشه لفتون وبلاغة جماليات السرد فيما يخص كل جديدة المغاير حتى آخر إصداراته.. "الدستور التقته ودار هذا الحوار.
_في روايتيك محاولة للإيقاع بشبح وعزيزتي سافو هناك الكثير من الواقعي والمعيشي السابق للمتخيل والمفسر لتجلياته، فليتك تحدثنا عن مدى ارتباط الواقع والذاتي بتقنيات ومنتهى السرد الروائي في عالم هاني عبد المريد؟
(لا ينطبق هذا الكلام فقط على العملين سالفي الذكر، يمكن أن ينسحب على كافة أعمالي، بل وعلى كافة الكتابات في العالم، لأن أى منتج أدبي لا يخلو من تفاصيل واقعية وأخرى متخيلة، والكاتب أثناء عمله لا يفكر فى تلك الحدود بين العالمين، فالواقع مادة خام محدودة، والخيال مادة خام أكثر اتساعا، الكاتب يستخدمهما ويمزجهما ويعمل على إذابة الحدود بينهما فلا يبدو أى مما كتب واقع وأيهما خيال، وما نظنه خيال قد يكون له أساس من الواقع والعكس، وإلا لماذا حين تختار من الواقع تقع اختياراتك على أشياء وحكايات ولقطات دون غيرها، ما الذي يتحكم فى اختياراتك حين تكتب؟ الأمر بالتأكيد يتعلق بهواجسك وظنونك، وتصوراتك حول الواقع والحياة والتي قد تكون في الأصل لا علاقة لها بحقيقةالواقع في شيء، قدر ما لها صلة بالواقع الذي تتخيله أو الذي تظنه.
- في غالبية أعمالك هناك الكثير من الملامسات الحسية بغلبة الإسطوري المراوغ تظهر بتواجد العديد من الشخوص المنسية سيرتها كمتون سردية،فهل تصلح النكبات المعيشية في بلورة دائمة لرؤية الكاتب الجمعية ؟
(النكابات المعيشية مصطلع مراوغ فقد يكون ما تراه نكبة أراه أنا كنصر مبين والعكس صحيح، والكاتب تتبلور رؤيته عبر المتابعة الدقيقية والتحليل والقراءات لتكوين وجهة نظر خاصة تجاه ما يحدث، وفى النهاية قد يعبر عن هذه الرؤية ووجهة النظر فنيا، وقد لا يعبر في لحظتها منتظرا العمل الذي يتطلب ذلك.
- عن الفقد وهؤلاء المنسيون في الحياة، إلى أي مدى تأثر السارد هاني عبد المريد بسيرة أبطاله في الواقع، وكيف يفصل متلقي النص بين سيرة الكاتب وسيرة الراوي؟
(الكاتب كأي إنسان يؤثر ويتأثر بما يحيطه من أشخاص وأحداث، طوال الوقت يرسل لك القدر هدايا عبارة عن شخصيات، حكايات، لزمات... وعليك أن تقبل الهدية وتفكر كيف ستصيغها ضمن عمل بحيث لا تبدو كنتوء، وكما قلت من قبل أن كل كاتب يختار ما يتناسب مع روحه، وعلى القارئ فقط أن ينتهز الفرصة ويستمتع بالعمل ولا يشغل باله بالفصل بين ما يخص الكاتب وما يخص الراوي.
- يقال إن الواقع في العقود الأخيرة قد تخطى الخيالي والفانتازي فهل أنت مع هذه المقولات حدثنا عن موقفك من واقع أعمالك؟
فى أعمالي يمتزج الواقع والخيال معتمدا على عرض الأمور فى بعض الأحوال بطريقة ذات بعدا فانتازيا، فيعرض الواقع بطريقة عجائبية، أو العكس قد يقدم الفانتازي العجائبي ويعالج بوصفه واقعا، لكن في هذه الحالة على العمل أن يقدم للقارئ منطقه في ذلك، وأن يكون هذا المنطق مقبولا لنتقبل هذا الخلط برضا.
- عن الغرائبي والفانتازي والخيالي، كيف يرى الكاتب عبد المريد الفارق؟
(أظنها مصطلحات نقدية قد يهتم بها الناقد ويقوم بوضع التعريفات الدقيقة لها، لكننى بالفعل لم أنشغل مطلقا فى الوصول للفروق الدقيقية بينهم، أكتب بالطريقة التي أحبها، ولا أهتم بالتصنيف.
-عن التغريب ومن قبله الغربة ومن بعدهما الغرابة، ماهي رؤيتك لتلك المسارات الثلاث من واقع تجلياتك في الرواية والقصة؟
( كل ما سبق هي روافد للكتابة، قد تعيشها بشكل حقيقي فتلهمك، وقد تفرضها على نفسك في حال اكتشافك للإنجاز في هذه الأجواء بشكل أفضل.
- في شرفة بيتهوفن هناك الكثير من تيمات موسيقية في البناء مع الوفرة في التسامح تجاه اللصوص، فإلى أي مدى كان لمفهوم وحتمية التثقيف دورا في تلك البنية التي تصالحت مع الواقعي لصالح الفني والجمالي؟
( لكل واقع جمالياته، فكما أن للجمال تفاصيله ومفرداته التى قد تجذبك كمبدع، فللقبح أيضا جمالياته عليك فقط أن تلتقط هذه الجماليات وتتعامل معها من منطقها.
- عن الأعمي واللص والحكاء في ثلاثية، الشبح وشرفة بيتهوفن و سافو، ليتك تحدثنا عن دوافعك الأولية أو محفزاتك لتلك الإختيارات؟
)دعني أوضح للقارئ الذي قد يكون لم يطلع على الكتب الثلاثة، الأعمى المقصود هنا هو الخال الأعمى في رواية محاولة الإيقاع بشبح، الذى يستعير عينا ابن اخته فيستمع له كواصف لكل ما يحيط بهما من شخصيات وأحداث، بينما اللص فهو به بطل قصة قراءة حرة فى مجموعة من شرفة بيتهوفن، وهو الذى ذهب لسرقة محتويات شقة سكنية فقابلته مكتبة عامرة، وكتابا مفتوحا فوق سطح مكتب، يبدأ فى التصفح لينتقل لعالم جديد، وحياة مختلفة، بينما الحكاء في سافو فهو جليل القط، الذي ولد وسط مجتمع من المجرمين والقتلة المأجورين، بينما كان رقيق القلب ضعيف البنية، لا يمتلك غير قدرته على حياكة الأكاذيب فصار قادرا على تأليف الحكايات التي تجعل المذنب يفلت بعملته دون عقاب. ويضيف الكاتب هاني عبد المريد..فعليا لا أعرف كيف تأتي الحكايات، وما هى المحفزات التي تحركها، ولو نظرنا من بعيد سيكون هناك تنوع واختلاف بين الثلاث شخصيات سالفة الذكر، لكنني حين أدقق النظر مع سؤالك هذا سأجد أن بينهم وبين بعضهم مشتركات، وكذلك بينهم وبيني أنا شخصيا الكثير من الشبه.
- حصلت على عدة جوائز فليتك تحدث القاريء عن تلك العتبات التي تحتكم إليها لجان تحكيم النصوص في مسألة منح وحجب الجوائز في مصر؟
(علاقتي بالجوائز تتوقف عند تقديمي النص للمسابقة، ولا أعرف بالفعل أي شيء عن تلك العتبات، ولكن من الأفضل للجميع أن نثق تماما أن الاحتكام يكون للعمل الأفضل من وجهة نظر اللجنة.
- عن المشهد النقدي/ التنظيري/ الإنطباعي، كيف تراه مصرياً وعربيا من خلال تعامل النقاد مع أعمالك؟
( أنا راض عن تقبل وتناول أعمالي نقديا، درست بعد الأعمال بالجامعات وبأكاديمية الفنون، تم تناول البعض الآخر فى رسالتين ماجستير وفي بحوث للترقي، كتبت عشرات المقالات، ولكن وسط الكم الهائل من الكتابات التي تصدر يوميا من الصعب أن نلوم الناقد على أنه مقل، خاصة مع تعثر العديد من قنوات النشر المدفوع، ولا بد أن نعرف أن المشهد الآن اختلف عن المشهد فى التسعينيات، صار هنا صفحات خاصة وبرامج على اليوتيوب ومواقع تقييم مثل جودريدز، كل هذه وغيرها قنوات تتيح للقارىء أن يقول رأيه، وهذه ظاهرة إيجابية في جانب منها.
- عن الجوائز المصرية والعربية مثال البوكر وزايد وحتى ساويرس، كيف ترى خارطة النص الأدبي وتحديدا بعد أحداث وتجليات الربيع العربي؟
(الجوائز هي تكريم جيد للأعمال، و كذلك من الجيد أن تقوم الجوائز بالدعاية الكبيرة لنصوصها الفائزة او المرشحة للفوز، وليس ذنبها أن الكثير من القراء باتوا ينتظرون ترشيحات الجوائز ليصير هناك مواسم للقراءة مرتبطة بظهور قوائم الترشيحات.
- ماذا تمثل جدوى وماهية الكتابة الأدبية في واقع وحياة الكاتب الموهوب هاني عبد المريد؟
الكتابة تقود حياتي كلها.
- عن السلوى والخلاص والمتعة والنشوة التي تسيطر على الكاتب قبل وبعد الكتابة، فسر لنا ماهية وجدوى والحصاد المبتغى للمبدع بعدما ينتهى من كتابة نصه؟
) الكتابة بالفعل سلوى وخلاص ومتعة ونشوة، لكنها كذلك إرهاق وعذاب، ونوم لساعتين فقط في اليوم في بعض الأحيان، ولكن كل هذا يذوب مع كلمة واحدة من قارىء أعجبه العمل، اتذكر أيام الحظر مع موجة كورونا أن كتبت صديقة على حسابها بعد قراءة رواية محاولة الإيقاع بشبح "شكراً.. لقد جعلت الحظر أخف وطأه علي الروح والله"، وأقول لك، وهل يريد الكاتب من كتابته أكثر من ذلك.
- كيف ترى وترصد أشكال ومتون الرواية المصرية والعربية بعد الربيع العربي؟
( الرواية المصرية والعربية في أزهى عصورها، ونحن الآن نحقق أقل فجوة بين ما يكتب بالعربية وما يكتبه العالم الآن، وأرى كتابات لو قرأت بشكل جيد وحصلت على ما تستحق لنافست عالميا، لا بد أن يعاد النظر في طريقة تعاملنا مع منجزنا الأدبي، ولا بد أن نفرض على الآخر نظرة مختلفة لأعمالنا غير أنها وسيلة للتحليل الاجتماعي، لا بد ان يروا الفني فيما نقدم، وأن نفكر بشكل حقيقي في آليه تعطي كتابتنا فرصة مقروئية حقيقية خارج حدودنا.