حوارات لم تنشر من قبل لصاحب «قنديل أم هاشم» 3
يحيى حقى: اتنبح صوتى «يا شباب اقرأوا».. مفيش فايدة
إذا أردت أن ترتب أدباءنا من الجانب الإنسانى، أو على الأقل الذين عرفتهم واقتربت منهم، فيمكننى أن أقول لك بكل يقين واطمئنان إن أديبنا الكبير يحيى حقى هو على رأس القائمة، يؤيدنى فى ذلك إحسان عبدالقدوس الذى قال للسيدة نهى حقى إنه يتصور أن أباها قبل أن يفتح درج مكتبه يستأذنه «ممكن أفتحك؟!»، وهو ما يشى بأن رهافة حس يحيى حقى كانت معروفة بين أقرانه، حتى وهو فى سكرات الموت، حينما كان يفيق يسأل ابنته: «هل تحدثت دون أن أدرى بما يسىء لأحد؟»، فكانت تطمئنه، وعكس كثيرين من الأدباء لم يكن يحيى حقى يهمل رسائل قرائه، فكان يطلبنى لزيارته، فأجده قد جمع لى الرسائل التى وصلته، ويطلب منى قراءتها له، ويتولى هو إملائى رده عليها، وكان بعض أصحاب الرسائل يطلبون إهداءهم كتبه، فأعطانى عشرين جنيهًا مصاريف البريد «كانت العشرون جنيهًا فى ثمانينيات القرن العشرين مبلغًا له شأن.. لذا لزم التنويه»، وتمنى يحيى حقى لو كان بقدرته لأهدى كل مؤلفاته لمن يطلبها، وبعد وفاته بقيت بضعة جنيهات أردت إعطاءها لوريثته، فاندهشت نهى يحيى حقى، وطلبت أن أخرجها صدقة على روح أبيها، وقد أتاحت لى تلك الزيارات الودية فرصة كبيرة لأن أتحدث مع يحيى حقى فى أمور كثيرة، كنت أسجلها معه أولًا بأول، حتى تجمعت لى مجموعة من الحوارات التى لم تنشر، وقد ملأت كشكولًا بلغت صفحاته المائة، وكان ثمن الكشكول خمسة وتسعين قرشًا، فى ذلك الزمن الذى يبعد عنا حوالى أربعين سنة، وقد وجدتها فرصة لأستعيد ذكرياتى مع أديبنا الكبير، وأنشر على صفحات «الدستور» ما قاله لى بنصه وحرفه ولغته البسيطة بساطة شخصيته، تحية لذكراه، بمناسبة اختياره شخصية معرض القاهرة الدولى للكتاب، لهذا العام ٢٠٢٢.
سألت صاحب قنديل أم هاشم عما يعنيه بقوله: «لا شىء يطفئ الغضب مثل اليأس»، فأجابنى يحيى حقى: اليأس.. هتعمل إيه.. خلاص.
هل واجهت يأسًا فى حياتك؟
الله سبحانه المولى أعطانى حياة سهلة، أنا لم أقد حياتى، هو الذى قادنى من حتة إلى حتة دون إرادتى، فلم أعرف الفقر المدقع، إنما حياة متوسطة ماشية فى أمان الله.
ألم يأت عليك وقت ضاقت بك الدنيا على سعتها؟
زعلت ويمكن عيطت، مثلًا لما حصلت على الليسانس كان تقديرى متقدمًا وترتيبى الـ١٤ من ١٢٥، وقتها أرسلوا بعثة لفرنسا من أربعة أشخاص فقط، وأنا مرشح احتياطى لواحد منهم، يعنى لو سقط واحد فى الكشف الطبى أطلع بداله، فكان موقف غريب جدًا إنى أدعى على واحد منهم إنه يسقط فى الكشف الطبى، لكن الحقيقة كان فى نفسى أمل أن أكون ضمن البعثة، ليه؟ لأنى كنت تلميذ مذاكر ونجحت، وليس لى أى علاقة بالحياة الاجتماعية، أشتغل إيه، فكنت عايز أستمر فى العلم، وكنت مسحورًا جدًا بفكرة الجامعة، وقرأت عن جامعات أكسفورد وكامبردج والأساتذة والطلبة والحياة العلمية الغربية، يقولك عن الطلبة الإنجليز، تقعد وياهم تجدهم يضحكون ويشربون، لكن فى حجراتهم ويذاكرون ١٢ ساعة، والشغل شغل، فالحياة الجامعية والروب وغير الروب كانت تجتذبنى، ورحت للميناء فى إسكندرية أرقب المركب الذى سافر بزملائى إلى البعثة، أرقبهم وأنا أرقب أملًا ضائعًا.
هل ندمت بعد ذلك أم حمدت الله؟
حمدت الله وبوست إيدى وش وظهر، ليه؟، كنت عايز أتعين وكيل نيابة، لأنى كنت مرشحًا لذلك، ولكننى سقطت لسبب ما، صعب جدًا أن أقوله، لكنى غلطت أخيرًا وقلته لواحد صحفى، وندمت عليه. فأخويا موسى قال لى: تحمد ربنا إنك ما دخلتش لأنك ستقرأ أوراقًا لا حد لها، مطبوعة بالبالوظة، وكان نظرك ضعف وعينيك راحت. لكنى كنت عايز أترافع فى النيابة، لكن على ذكر المرافعة والخطابة مرت بى تجربة غريبة جدًا سنة ما اتعينت فى مصلحة الفنون ١٩٥٤، كانت سنى حوالى خمسين سنة، ولأول مرة وجدت نفسى مضطرًا أن أخاطب الجمهور فى حفلة، إيه شروطها؟، بعد تأمل وجدت الشرط الأول: سطر ونصف أو سطرين تكون فى مبدأ الأمر حافظهم صم، وبعد ذلك تكون حاطط فى ذهنك بالضبط إيه اللى أنت عايز تقوله، وتقوله ارتجالى، لأنه لا يوجد أثقل من واحد فى محاضرة يقرأ من ورقة، فيه واحد صاحبى قدمته يقول كلمة فى ندوة الفيلم المختار، قعد على الترابيزة وفتح ظرفًا ضخمًا جدًا، وقاعد يسوى الصفحات بالطول والعرض، ثم قال: سيداتى آنساتى سادتى، كلهم وضعوا أيديهم على قلوبهم، لسهرة مملة، بعد هذا الفصل استوعبت الدرس فى حفلة وقعدت أخبط وقلت للحاضرين: أنا كنت محضر كلمة لكن موش هقراها- كنت من صغرى مغرم بالخطابة والخطب ولذلك رغبت أن أشتغل فى المرافعة كمحامٍ، وكان عندنا بعض المحامين المشهورين، ليس لعلمهم بل لقدرتهم على الخطابة، فالخطابة كانت تهمنى جدًا، والأستاذ فتحى رضوان كان من هذا الرأى، ولما تولى وزارة الثقافة أقام مسابقة للخطابة فشلت فشلًا شديدًا. وكان الطلبة زمان يعملوا محاكمة وهمية، يمثلوا دور القضاة والمحامين ليتمرنوا على المرافعة، وأنا طلعت أمام مدرستين فى الخطابة، المدرسة الفرنساوى التى ظهرت فى المسرح مع جورج أبيض ويوسف وهبى، والزعيق والتخبيط والشخط والنطر، وفيه الطريقة الإنجليزية اللى جابها لنا توفيق دياب التى تهتم بالمعانى والجرامر، ولا أنسى زيارتى للجمعية الوطنية فى باريس اللى هى البرلمان، كنت أحضره كما أحضر للمسرح لأرى كبار الخطباء فى فرنسا، وكان أكبر خطبائهم نائبًا شيوعيًا، لكن فيه فرق بين الخطابة والإلقاء، وهذا الفرق يزعل بعض الناس، لأنك تتكلم من ميكروفون، فهى موش خطابة إنما إلقاء، وأنا فى الحقيقة سعيد جدًا لما بأسمع الصبح الممثل الكوميدى فؤاد المهندس فى برنامجه «كلمتين وبس» أجده أستاذًا فى فن الإلقاء، ليس فقط بالتعبير بالكلمة بل فى تلوين صوته، وكلمة التلوين من المباحث الحديثة فى اللغة، وتعنى تلوين نغمة الكلام كجزء من المعنى، لذا تجد فى اللغتين الفرنسية والإنجليزية تلوين كتير قوى، ولكن اللغة العربية لم يدرسها أحد من هذه الناحية.
هل كان عبدالناصر يعجبك فى خطبه؟
لا شك أنه كان خطيبًا جماهيريًا، وكان واضح إن عنده أفكار ثابتة بتلح عليه، مثل الإقطاع والاستعمار، وكانت له كلمات بتشرخ فى زوره، ولا شك إنه حقق اتصالًا بالجماهير، ولما يتبين لك إنه بيخطب بالعامية، فهو موش خطيب، لكن له تأثير، وعرف إزاى يمسك الجماهير.
هل رأيت السادات مختلفًا؟
السادات يختلف، وأنا أعتقد أنه أجرأ رجل شفته فى مصر، يعنى لما تتكلم عن ١٥ مايو، وطرد الروس، وحل الاتحاد الاشتراكى، واتصالاته وتحضيره للمعركة، يعنى حاجة غريبة جدًا وأنا مغرم به قوى كرجل طليعى، بيتكلم عن الحمام الشمسى فى بيوت الفلاحين، بيتكلم عن التخطيط فى الزراعة، وإنشاء مدن جديدة فى الصحراء، حاجات تقدمية غريبة جدًا، ماحدش كان بيقولها قبل كده.
لكنه ظُلم بنهايته كرجل أتى بالنصر يقتل، وعبدالناصر الذى أتى بالهزيمة الناس تحبه.. ما تفسيرك لهذا التناقض؟
ما هو عندنا مثل بيقولك «القطة تحب خناقها»، وأنا فى بعض ذهنى عن السادات إنه فيه التكتيكى والاستراتيجى، التكتيكى اللى هى المعركة اليومية، والاستراتيجى اللى هى الأهداف البعيدة، وأنا أعتقد إن اتفاقه مع إسرائيل فى ذهنه تكتيك، المرحلة دى عايزة كده، وهو كمان ماشى مع الرأى العام شوية، وفاهم للتاريخ.. يقولك إن إسرائيل ما هى إلا جزيرة وسط محيط عربى، فهتتبلع مع الوقت، ودلوقت بيتكلموا فى النقطة دى، هيعملوا إيه فى تزايد عددالسكان العرب داخل إسرائيل، والحقيقة إن إسرائيل فى مأزق حقيقى، عايزة تبقى ديمقراطية وتحتفظ بحقوق الأقليات، والأقليات لا يمكن إدماجها فيها لأنها ضدها، وهذا مصدر خطر، لذلك الخطوة القادمة فى القضية موش هيكون قتل الفلسطينيين بل طردهم.
قلت إن تطورًا جسيمًا حدث فى بلادنا بتطبيق الاشتراكية، فهل هذا برأيك كان تطورًا للأفضل؟
أنا كان يهمنى ماذا جرى للفلاح والعامل المصرى، وأنا عاشرت الفلاحين وشفتهم فى أبأس البؤس الذى لا يمكن تصوره، وغير معقول، عايشين فى الحقيقة عيشة مذلة، وكذلك العمال، وأى عامل فى القطاع الخاص كان عبدًا، والأغرب من ذلك اللى كان بيزعلنى من الناحية الإنسانية إن بعض هؤلاء العبيد أشد إخلاصًا لرب العمل من أى رجل حر- صديقى محمد عصمت بيقولى: تعرف يا يحيى أنا اشتغلت فى الحكومة علشان لما آجى آخر الشهر أقبض مرتبى ماحدش يذلنى. لأن الحكومة كائن معنوى مالوش وش ولا عينين تصفر لى، موش مادد إيدى لبنى آدم علشان يدينى أجرى. والحقيقة أنا شفت واحد عنده صبى فى دكان، يطلع كيس من جيبه ويطلع له عشرة صاغ يضعها بالضغط فى إيد العامل بذل.. حار ونار.
يعنى كان يهمك فى القوانين الاشتراكية مدى ما تستفيده الفئات المظلومة- فقال يحيى حقى: ده صحيح، لكن العيب الكبير الذى من أجله أنا زعلان من عبدالناصر، هو تحويل الفرد إلى ملف، الاشتراكية كده، مفيش إنسانية، وأنا كتبت «صح النوم» على هذا الأساس، هذا بنى آدم فما تعاملوش على إنه ملف، فالاشتراكية بتقضى على الحرية، ومن الحاجات اللى ما انسهاش أبدًا يمكن بأقولها لأول مرة، كان فيه شارع اسمه الترجمان فى أول شارع محمد على، على إيدك اليمين وأنت جاى من العتبة، كانت بتطلع مجلة اسمها «الفكاهة المصورة»، بيطلعها واحد وشريك له من أصحاب «المقطم»، وأنا كنت بأكتب فيها، والإدارة عبارة عن حوش صغير به مطبعة يدوية ثقيلة جدًا لها عجلة، يمكن وزنها طن أو طنان، ورئيس التحرير قاعد فوق تسقيفة فوق المطبعة، تطلع له بسلمين، وعينه شايفه المطبعة، وأول أجر أخذته من إيد الراجل ده يمكن كان سنة ١٩٢٢، وكان «ريال» عن أول مقال نشرته، وكنت فرحان بيه قوى، كنت عنده الساعة تمانية مساء، والعامل بيشتغل يمكن من الساعة ١٢ ظهرًا فى إدارة عجلة المطبعة، ولما خلص، والله العظيم كده يا إبراهيم.. رئيس التحرير وضع إيده فى جيب البنطلون لقى ريال رماه من البلكونة بتاع التسقيفة دى على الأرض، فالتقطه العامل وبص له وقال له: أروح أقول إيه لمراتى- حتى إنه قال كلمة وحشة ماقدرش أسجلها، وغيره عامل الكازوزة اللى بترت صباعه، فاترفد يوميها، ولا دية له- لذلك ما تنساش الفضل الكبير لعبدالناصر الحقيقة، إنه حرر المواطن المصرى من تحكم صاحب العمل، وأمم القناة والشركات والبنوك والتجارة الخارجية، الحاجة التانية: التعليم، أنا كنت واقف فى دكان بقال من ٣ أيام وداخل زبون لابس أفندى وبيشترى بسخاء والظاهر إن الميزان مكتوب عليه ناصر أو شركة النصر، فقال: شيل الاسم ده من على الميزان، الله يخرب بيته اللى جاب لنا الداهية، فصاحب المحل رد عليه وقال له: أنا بفضله اتعلمت- والأستاذ عبدالوهاب الأسوانى الكاتب العظيم جدًا بيحكى لى إن أبوه كان له تجارة بسيطة فى الرمل بإسكندرية، بيقولى: يا يحيى إحنا كنا قبل الثورة خدامين الأسياد، يوم قيام الثورة رفعنا رءوسنا.
يضيف يحيى حقى: لكن الحاجة اللى زعلتنى من جمال عبدالناصر إنه كان يقولك عندى صاروخ الظافر والقاهر، ولما يقولك أنتف دقن الملك «.. » لم يحدث فى مصر أبدًا إن رئيس مصرى يقوم على المنبر يشتم، أنت زعيم مصر، يعنى حاجة الإنسان يتأذى منها، ويخجل إن زعيمه، يعنى.. وكمان يخيل لى إنه غدر بعبدالحكيم عامر.
استدركت على يحيى حقى وقلت له: يعنى حضرتك نسيت الخيبة اللى وقعنا فيها عبدالحكيم عامر فى حربى ٥٦ و٦٧ ولما كان نائب الرئيس فى دولة الوحدة- فأكد على كلامى قائلًا: آهو خيبان.
لماذا فاز الجبرتى بإعجابك.. فهل هو المؤرخ الوحيد؟
نعم، للبيئة اللى نشأ فيها، أبوه كان راجل كبير من علماء الأزهر، وفاتح بيته لتلاميذه ويدرسوا أشياء غير الفقه من العلوم الأخرى، فكانت بيئة متحررة ومتقدمة، وأنا أعتقد أن الأزهر كان على عتبة التقدم قبل الغزو الفرنسى.
هل ترى أن الصحافة ألغت وجود مؤرخ كبير كالجبرتى وابن إياس؟
من المحزن جدًا إن العالم الإسلامى فى حالة همود وخمود، ومفيش أى فكرة للتقدم، بدليل إنه فى تاريخنا الأدبى والتاريخى، كان المؤرخين يمسكوا كل قرن من القرون ويسجلوه كله أو يؤرخوا لطبقة من طبقات الشعب ، الأعيان، الأطباء، أو مساكن بغداد.. إلخ، كل الكتب دى وقفت، آخر واحد حاول هذه المحاولة خير الدين الزركلى، اللى جمع أعيان العصر الحاضر، بعد كده أظن زكى مبارك، كان يجب على العالم الإسلامى يفرز تاريخ القرن الهجرى الماضى وسير العلماء الموجودين، مفيش، والشبان كأنهم غير موجودين، رغم إن عندهم وقت كتير قوى، ولا فيش أى شغل، اتنبح صوتى، فيه كام كتاب أقول لهم اقرأوه، مفيش فايدة.
حاولت كشاب أن أجد العذر للشباب فى انشغالهم بالبحث عن لقمة العيش، فقال لى يحيى حقى: طيب.. فى كتابى «صفحات من تاريخ مصر» ذكرت لك شخصيتين، جدع اسمه «موريسون» كانت أمه خدامة تنزل على ركبها تمسح البلاط، ولما ولدوها ولدوها غلط، وطلع المولود أعور، ومع ذلك وصل وبقى وزير، وفيه «بيفن» اللى كان وزير خارجية بريطانيا، كان يتفاوض معنا على الجلاء، كان سواق عربية بتجرها الخيل، وكان يوزع قزايز بيرة، ومغطى وشه وفى إيده كتاب، فما تقوليش الشباب ولقمة العيش، أبدًا، المسألة مسألة روحية ووجدانية وشعور بالوطنية اللى بتدفعهم للعمل، إزاى شاب عينه وودنه سليمة وأعصابه سليمة، والأكل البسيط يعيشه، وعنده وقت كتير جدًا، وبينى وبينك الوسائل متاحة، الكتبخانة- دار الكتب- موجودة، والمجالس الأدبية موجودة، حتى المراجع الصعبة يقدر يلاقيها فى دار الوثائق. لكنهم موش عايزين يشتغلوا.
يمكن التليفزيون السبب فى صرف الشباب عن القراءة- أكد: طبعًا.
كيف نلحق بالعالم المتقدم؟
المشكلة الكبيرة هى الفروق الشديدة فى المستويات، أنا دلوقت مؤمن بأن الفجوة بيننا وبين العالم المتقدم لا يمكن تخطيها، كان الأول التقدم العلمى خطوة، خطوة، يعنى لو سبقتنى خطوتين تلاتة، أقدر أجرى وأحصلك، دلوقت موش خطوة خطوة، دى كيلو، كيلو، المسافة شاسعة جدًا، إزاى نبدأ من الأول، مسألة صعبة جدًا، هل يمكن أن نتصور أنه فى جميع المباحث العلمية من أول الذرة وهندسة الوراثة والنجوم والطب والفلك، لا أجد اسم واحد مصرى، هناك عندهم معامل وجامعات، ومنصرفين للبحث العلمى، هنا مفيش.
وإيه العمل؟
نقفل بابنا علينا ويكون النمو بقى من الداخل، ودى محتاجة وقت طويل- وزى ما هو واضح إن أوروبا استنزفت آسيا وإفريقيا على مدى الاستعمار، ودلوقت واخد مضخة البترول، ويذلنا بالديون لتحكمهم فى أسعار المحاصيل، وفيه كلام سخيف إنه من مصلحة الشمال ألا يبيع للجنوب إلا إذا تحسن مستوى المعيشة، ويبقى فيه أمل لنا إن فيه تقدم، وحتى لو حدث هذا، هيكون الجنوب عبارة عن البقرة اللى يدوها أكل شوية علشان يحلبوها، زى ما كان الاستعمار الإنجليزى فى مصر، فقد كان عندنا ثلاثة أنواع من الاستعمار، استعمار البلع، كحالة فرنسا مع الجزائر وفرنستها، واستعمار الحلول والإبادة، زى إيطاليا التى كانت تعمل على إبادة الشعب الليبى وطرده للساحل، ليحل محله الشعب الإيطالى، أما النوع الثالث الذى اعتبر الإنجليز مصر بقرة يحلبها، ولازم يدوها شوية أكل، وتستعجب إن حرية الصحافة لم تعرف عهدًا من العهود إلا أيام الإنجليز، لأن دى سياستهم، سيبوهم يتكلموا، موش هيمسوا مصالحى، وأول من فكر فى الرقابة هم المصريون!