هبة شريف: من «أدولف أيشمان» جاءت فكرة كتاب «ليست كل طاعة فضيلة»
عن كتابها الأحدث "ليست كل طاعة فضيلة"، والصادر عن دار العربي للنشر والتوزيع، والذي يأتي بمثابة تطواف معرفي عبر قراءات موسوعية في مجال السينما والرواية ومنها إلى النظريات الفلسفية والأديان ومقاربتها بالعنوان الرئيس لكتابها، تقول الكاتبة والأكاديمية دكتور هبة شريف في إجابة عن سؤال حول عنوانها "ليست كل طاعة فضيلة" كعتبة أولى لقراءة الكتاب ومدخل رئيس لمفهوم الطاعة والفضيلة؟.
تقول «هبة» لـ الدستور: «تخصصي هو الأدب المقارن والأدب الألماني، ومهتمة بشكل خاص بالأدب الذي يتناول بالنقد فترة النازية، لأنها فترة تركت آثارها حتى الآن على الحياة الألمانية ووجدان الشعب الألماني، وعلى أوربا بأكملها، لفت انتباهي وأنا أقرأ في تاريخ هذه الفترة ما قاله «أدولف أيشمان» «المسئول الأول عن المعتقلات في فترة النازية» في أثناء محاكمته، فقد قال إنه لا يعتبر نفسه مجرمًا، لأنه تربى على أن «الطاعة فضيلة».
وتشير «هبة»: «لفت انتباهي أيضًا أن جيران "أيشمان" كانوا يرونه شخصًا راقيًا محبًا للطبيعة والحيوانات، فكنت أتساءل كيف يمكن لمثل هذا الشخص المحترم والرقيق أن يطاوعه قلبه بأن يأتي بكل هذه الجرائم. ولهذا السبب قررت أن أبحث في مفهوم الطاعة واتخذت من مقولة "أيشمان" "الطاعة فضيلة" نقطة انطلاق، لأنفي عن الطاعة في مجملها الفضيلة، وأزعم أنها قد تؤدي أحيانًا إلى جرائم، كما حدث في حالة "أدولف أيشمان" أو في حالة انفجار مفاعل تشيرنوبل في عام 1986، فقد انفجر المفاعل بسبب طاعة الأوامر، وليس عصيانها.
وأضافت: «فالموظفون الذين تلقوا الأوامر لقطع الكهرباء عن المفاعل للقيام بالصيانة الدورية، كانوا يعرفون أن قطع الكهرباء قد يؤدي إلى انفجار المفاعل، ولكنهم لم يجرؤوا على مخالفة أوامر رؤسائهم، فالتدرج الوظيفي يفرض عليهم طاعة الأوامر واللوائح وإلا نزل عليهم العقاب بسبب العصيان».
وتتابع: «ولهذا يقول الفيلسوف "إريش فروم" أن نهاية البشرية ستكون بسبب الطاعة وليس بسبب العصيان، فعصيان الأوامر والتمرد على القوانين هو ما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية إلى الأمام، كما يقول المؤرخ "هوارد زن"، فمثلًا عدم الامتثال إلى القوانين التي كانت تعتبر العبيد ملكية خاصة لأسيادهم كانت آنذاك جريمة يعاقب عليها القانون، كما أن التحريض على عدم احترام قوانين الفصل العنصري الموجهة ضد الملونين كان يعاقب أيضًا وفق القانون الأمريكي، وهنا السؤال: هل التمرد على مثل هذه القوانين غير الإنسانية وغير الأخلاقية جريمة أم أن عصيانها في هذه الحالة فضيلة؟.
وعن مضمون الكتاب قالت هبة شريف: «الكتاب يتناول مفهوم الطاعة، طاعة القوانين ومتى تكون تلك الطاعة فضيلة ومتى يمكن أن تكون جريمة، كما يطرح تساؤلات حول مدى إمكانية عدم الطاعة في الدول الحديثة، فهل يمكن عصيان القانون أم أن هذا العصيان يقابل بالعقاب الشديد؟ فماذا كان سيحدث ل"أدولف أيشمان" إذا ما عصى أوامر قادته في أثناء الفترة النازية؟ ألم يكن سيحاكم ويعاقب؟ ولكن ما هو الحل؟ هل عصيان القانون يمثل حلًا أم أنه يؤدي إلى فوضى؟من يضع القانون ومن له الحق في فرض العقوبة في حالة مخالفة القانون؟ وكيف يكون شكل العقاب؟ وما علاقة ذلك بمفهوم الدولة الحديثة والنظام الليبرالي؟.
واختتمت شريف: «الكتاب يتناول هذه الأسئلة ويحاول شرح مفهوم الطاعة والعصيان من خلال مدخل الدراسات الثقافية، أي أنه يتناول يشرح الأفكار الخاصة بتلك الفكرة مثل كتابات "إريش فروم" و"كارل شميت" و"هوارد زن" و"باتريك دنين" و"ديفيد جريبر" وأفكار الفلاسفة الأناركيين، من خلال أعمال إبداعية مثل كتاب عمرو عزت" الغرفة 305، أو كيف اختبأت من أبي 35 عامًا" أو أفلام مثل الأفلام المصرية"الجزيرة" و"سوق المتعة" أو أفلام عالمية مثل "القارئ" و"الوطني" و"ثلاثية باتمان" و" أو روايات مثل "نموذج طفولة" للكاتبة الألمانية "كريستا فولف"، أو حتى إعلانات مثل إعلان جهاز آبل، والكتاب ليس كتابًا أكاديميًا ولكنه كتاب يحاول التوجه إلى القارئ المهتم غير المتخصص، وأتمنى أن أكون نجحت في ذلك.