رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الجمهورية الجديدة والعدالة الثقافية

أمر طيب دعم فكرة التواصل الثقافي العربي بتواصل دورات مؤتمر وزراء الثقافة العرب، وتصريح الوزيرة الفنانة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، ورئيسة الدورة الحادية والعشرين للمؤتمر، وتصريحها  بأن المؤتمر يهدف إلى مراجعة الخطة الشاملة للثقافة العربية، وهو الأمر الذى لا تفرضه فقط أهمية البحث عن سبل جديدة لتعزيز التواصل والتعاون الثقافي المشترك بين الدول العربية، والحاجة لمراجعة ما تم إنجازه في الفترة الماضية، بل تحتمه أيضًا الظروف الحالية التى يمر بها العالم فى مواجهة جائحة كورونا التى وضعت كل الأنشطة الثقافية على المحك، فى مواجهة التباعد الاجتماعى الذى أصبح فرضًا حتميًا فى كثير من الأحيان.
وحيث العمل الثقافي يعد بمثابة معيار لتطور فكر أي شعب وتثقفه واستنارته، ما يرى وما يسمع، وأيضًا ما يقرأ وتمثله له فى أساليب تعليمه وسبل تنشئته، ولعل أروع مظاهر إبداع الشعب ونبوغه هو كتبه ومنتجات عقول أهل الإبداع منه، فالكتاب هو الدافع والمؤسس للحركة الأدبية، والمكمل معرفيًا وتعليميًا للمدارس الفنية والإبداعية والمرجعية العلمية للعلماء، ودليل الحيوية الفكرية فى كل عصر وفى كل جيل، والمكتبة هى بيت ودار الفكر ومعتكف المفكرين، وهى المعمل الذى تصاغ فيه النظريات وتنضج عبر صفحاته  العقول وتصاغ عبر رسائله الأذواق.
نعم، فالكتاب في النهاية دعامة الحياة الفكرية في بنيان الأمم، ومظهر النشاط الأدبي وتفتح القرائح لدى مواطنيها، فالشعب الذي لا يقرأ لا يسبر غور الحياة ولا يقوم بالتغذية اللازمة للفكر المنهوم، والشعب الذى لا يكتب إنما يبرهن على جموده وتبلد إحساسه وأنه شعب عقيم لا يقدم للدنيا برهان استحقاقه الحياة.
يقول لنا كتبة التاريخ وعلماء الآثار إن المصرى القديم كان أول من استعمل ورق البردي للكتابة وتخليد الآثار الفكرية القيمة، فضلًا عن جمعه أعدادًا هائلة من كتب العلم والمعارف المختلفة، لقد عاشت حضارتنا القديمة لأننا كنا نكتب ونرصد ونوثق ونعبر ونستنتج ونقارن ونبدع بكل فنون الكتابة وأشكالها.
ومعلوم أن مكتبة الإسكندرية المعروفة فى عهد البطالسة كانت تحوي من المؤلفات المرجعية والمجلدات ما يبلغ في بعض التقديرات إلى ٧٠٠ ألف كتاب، فكانت المدرسة العظيمة المشهورة، التى تُعرف عند العرب برواق الحكمة، وفيها ولدت الفلسفة الأفلاطونية الحديثة. 
وعندما بادر صبيان مهنة البحث عن متاعب المعرفة وسألوا أهل الكتابة والتدوين والتوثيق والتنوير: "لماذا تكتبون؟" و"هل ترون أن الكتابة تأتي في سياق الأفعال واجبة الأداء كدور بشري اجتماعي؟".. وكانت الانطباعات الأولى والإجابات التأملية تشير إلى أن الكتابة قد تكون الوسيلة للبوْح والتصريح بمدى معاناة الروح والإفصاح عن بعض حالاتها، وهى تخوض بعض معارك الحياة، وقد تمثل إضاءة لشموع الأمل من جانب من يرون أن من أهم أدوارهم حمل سراج التنوير.
وقد يكتب البعض رغبة في الوجود بعد الرحيل، أو للدخول في معترك الصراعات الإنسانية، متخيلًا أطروحاته هي الحلول المطلقة لكل أزمات الكون وتشابكاته المعقدة .
يقول "سارتر": "يبدو لى أن كل ما أعرفه عن حياتى، تعلمته من الكتب".
ونحن على بعد أيام من الدورة الجديدة للمعرض الدولي للكتاب، الذي شهد في موقعه الجديد أعمال تطوير وتجهيزات تحتفي بالكتاب بشكل أروع، نأمل أن تواصل وزارة الثقافة دورها في ترسيخ الهوية المصرية التي أحيتها ثورة 30 يونيو، وتعزيز القيم الإيجابية عبر تحديث المحتويين الثقافي والفني، من خلال التواصل المباشر مع المواطنين، وكذا إيصال الرسالة الثقافية إلى القرى والنجوع والمناطق الحدودية، بما يسهم بالإيجاب في استراتيجية الدولة الشاملة لبناء الإنسان المصري معرفيًا وثقافيًا ، وفي اتجاه دعم شعار تحقيق العدالة الثقافية .
ونأمل في هذا الصدد تخصيص قاعات متخصصة في أكثر فروع المعارف أهمية تشارك فيها كل دور النشر بمطبوعاتها، على سبيل المثال قاعة للتاريخ، وأخرى لعلم النفس، وثالثة للاقتصاد، وهكذا، تخفيفًا على المسنين من إرهاق السير لمسافات تتكرر بين القاعات للبحث عن كتب تخصص ما، وتوفيرًا لوقت الباحثين الأكاديميين في البحث عما يريد من مواد علمية وثقافية في كل القاعات الكبرى بمحتوياتها العامة، وكل عام مصر الحضارة بخير وأمان وازدهار.