«ساخر وودود».. كتاب وأطباء يروون تفاصيل رفقتهم لنجيب نجيب محفوظ
تمر اليوم الذكرى العاشرة بعد المائة على ميلاد الأستاذ نجيب محفوظ. والذي ولد في مثل هذا اليوم الموافق 11 ديسمبر عام 1911، في مذكراته يقول "محفوظ" للأستاذ رجاء النقاش،"هنا ولدت منذ مولدي في حي الحسين، وتحديدا في يوم الإثنين 11 ديسمبر عام 1911 وهذا المكان يسكن في وجداني، عندما أسير فيه أشعر بنشوة غريبة جدا أشبه بنشوة العشاق، كنت أشعر دائما بالحنين إليه لدرجة الألم، والحقيقة أن ألم الحنين لم يهدأ إلا بالكتابة عن هذا الحي، حتى عندما اضطرتنا الظروف لتركه والانتقال إلى العباسية كانت متعتي الروحية الكبرى هي أن أذهب لزيارة الحسين"، في التقرير ترصد الدستور شهادات من كتاب وأطباء اقتربوا من نجيب محفوظ.
- نعيم صبري.. محفوظ في بيتي
عن تلك الصورة التي تجمع الكاتب الروائي نعيم صبري وعائلته مع نجيب محفوظ، يقول نعيم صبري لـ "الدستور"، " كان ذلك فى نهاية سنة 1996، فقد شرفني الأستاذ نجيب بزيارة فى بيتى بمصر الجديدة عقب عودتى من عملية بالقلب بأمريكا كنت قد أجريتها للمرة الثالثة لتغيير فى الشريان التاجي، كانت العملية الأولى فى نهاية 1981 والثانية فى 1989، والثالثة فى نهاية 1996.
وتابع " بعد عودتى شرفنى الأستاذ بالزيارة فى أحد أيام الإثنين من نهاية شهر نوفمبر أو بدايات شهر ديسمبر لا أذكر بالضبط. بعد حادثة الطعن فى 1994، أصبحت لقاءاتنا يومية مع الأستاذ وكل لقاء بمكان مختلف للترويح عن الأستاذ بعد نجاته من الحادثة، وكان لقاء يوم الإثنين يتم فى فندق نوفوتيل المطار بمصر الجديدة.
وختم " ما عرفته بعدها أن الأستاذ طلب عقد اللقاء ببيتي لزيارتي بعد العودة والاطمئنان على صحتي عقب الجراحة، فوجئت به الساعة السادسة والنصف عندما فتحت باب الشقة، كان هو أمامى وبصحبته حارس الأمن ويوسف القعيد، جاء بعدها الدكتور زكى سالم وزارنى يومها بالمصادفة صديقى الشاعر شوقى حجاب ،ومعه الصديق إبراهيم محمد إبراهيم المترجم، وهو أحد المتبرعين بالدم للأستاذ يوم حادثة الطعن حيث استدعيته لمستشفى الشرطة عندما علمت بتطابق فصيلة دمه مع فصيلة دم الأستاذ نجيب ،لاحتياجنا يومها لحوالي 9 لترات دم نتيجة لنزيفه الشديد فى العملية، وتم اللقاء بمنزلي حتى موعد انصرافه المعتاد فى العاشرة مساء".
- محمود الشنواني.. في بيت نجيب محفوظ
يروي الكاتب والطبيب محمود الشنواني، أحد الأصدقاء المقربين لنجيب تفاصيل صورة جمعته به، يقول "كان ذلك فى شتاء عام 2003 و كنت اجلس بجوار أستاذي وأبي الروحي نجيب محفوظ على أريكة بمنزله فى العجوزة.، لقاء الأستاذ في منزله كان إستثناءً، في منزله كان قلعته المنيعة المنفصلة عن حياته العامة في المقاهي والطرقات، لم يجرؤ أحد على إقتحامها إلا مع الطوفان الإعلامي وقت حصوله على جائزة نوبل عام 1988، ثم في ظروف محدودة بعد ذلك.
ويتابع " فى ذلك الشتاء أُصيب الأستاذ بالتهاب رئوي استدعى دخوله للمستشفى ثم بقائه بالمنزل لعدة أسابيع للنقاهة، خلالها كان بعض الأصدقاء و أنا منهم نزور الأستاذ للاطمئنان عليه وللشغف الذي يتملك نفوسنا فى صحبته.
ويستطرد الشنواني، "في الغرفة التي كنا نجلس فيها أريكة و بعض المقاعد خلف الأريكة مكتب عريض، هو الذى جلس إليه الأستاذ يبدع روائعه التي كتبت اسمه في سجل الخالدين، احس بنشوة أن أكون بهذا القرب من المكان الذى شهد آلاف الساعات من استخلاص رحيق الفكر و المشاعر و الخبرات و التراث الإنساني وبثه على الورق إبداعات تضيف تجليات إنسان عظيم لهذا التراث الإنساني.
و فى مواجهة الأريكة دولاب زجاجى، به بعض القطع الخزفية و الكريستالية، و على الرف الأعلى ورقة كأنها صفحتى كتاب، إنها الورقة التى لا يحوزها إلا بضع مئات من بين مليارات البشر شهادة جائزة نوبل، تنتابنى نشوة أكبر و اكاد أن أطلب من الأستاذ أن أمسك بتلك الشهادة و أتلمسها و أشم عطرها.
ـ أخبارك إيه يا محمود ؟
يأتينى صوت الأستاذ كما هو دائمًا ، ودودًا هادئًا، أُدرك أن المكتب الذي أراه خلفي و الشهادة التي أراها أمامي هى مجرد اشياء. أشياء قد تكون ثمينة، لكنها لا تكتسب قيمتها و أهميتها و مكانتها إلا من هذا الشيخ الجليل العظيم الذى أجلس بجواره.
الإنسان المخلص لأرقى ما قدمته الحضارة المصرية لحضارة البشرية، استخلص أعظم ما فيها و أضاف لها برؤيته و جهده و عزيمته روافد من الحضارات الأخرى، و قدمه من جديد إسهامًا كبيرًا و عظيمًا و مُلهمًا الإنسان أدرك المغزى الحقيقي لمسيرة الإنسان فى الكون الفسيح.
- محمود علي .. كنت مستشار العلاج الطبيعي لنجيب محفوظ قبل رحيله
يقول محمود علي، طبيب العلاج الطبيعى بمستشفى الشرطة، والمتابع لحالة نجيب محفوظ حتى لحظاته رحيله لـ "لدستور"، بدأت علاج طبيعي مع الاستاذ نجيب تقريبا في عام 2004، وكنت أقوم بعمل زيارة منزلية بواقع مرة أسبوعيا تقريبا، وذلك بالتبادل مع زملائي"، وبطبيعة الحال كنت أعرف نجيب محفوظ كواحد من إعلامنا في مجال الكتابة الإبداعية ، ومتحصل على جائزة نوبل، ورغم ان اهتماماتي بعيدة تماما عن متابعة الكتابات الأدبية، إلا أن سطوة وذيوع وانتشار اسم نجيب محفوظ كان يتردد صداها في كل مكان داخل أروقة مستشفى الشرطة، إلى جانب أن أعماله الإبداعية التي حولت إلى أعمال سينمائية وتليفزيونية قربتنا كثيرا من عالمه، واعتبر نفسي واحد من المتابعين لها.
وتابع محمود على "على مدار عامين لمتابعتي للحالة الصحية لنجيب محفوظ وفي أول مرة قابلته فيها كان بسيط جدا وفي قمة الهدوء والسكينة، علاقتنا في حدود وقت الجلسة ، كان قليل الكلام، رغم خفته ظله، لمست غضبه وحزنه على ما يحدث في لبنان من ذلك القصف العشوائي التي تتعرض له من قبل الكيان الصهيوني، انشغاله كان دائما مشغول بأحوال مصر والعرب".
ويستعيد محمود علي إحدى "قفشات" محفوظ ويقول " قبل وفاته وأثناء إقامته بالمستشفي ، كان فيه مرور من إدارة المستشفى لتفقد سير العمل وعند مرورهم بغرفة نجيب، ابتسم لهم وقال كده فاضل صدام حسين يدخل عليا، والسبب ان كل من مروا عليه كانوا أطباء ضباط".