تحذيرات من «متلازمة راي».. تسبب خطورة على الأطفال وتؤدي للوفاة

منذ سنتين، فوجئت والدة "حسن"، وهو الذي لم يكمل 3 سنوات من عمره، بارتفاع شديد في درجة حرارته وانتشار الحبوب على كفي يديه، كذلك على قدميه وفمه وحلقه، ولم تستطع الأم وقتها تحديد ماهية هذه التغيرات المفاجئة التي ألمت بطفلها الذي تعتني به فوق العادة لحمايته من أي أمراض، فما كان منها إلا أن ذهبت للطبيب لتطمئن على وليدها.

"ليس له علاج"، نزلت تلك الكلمات كالصاعقة على الأم وبدأ نبضاتها تتسارع وأوشكت على البكاء، فقد ظنت أن الأمر خطير وسيلازم طفلها مدى الحياة، خاصة بعد أن أطلعها الطبيب أن الطبيب يعاني بما يسمى "متلازمة راي"، فأصابها الصدمة.

"متلازمة راي" هو الخيط الذي ذهبت ورائه "الدستور" للتحقيق في ماهية هذا المرض، ولماذا لا يوجد له علاج، فهو بالرغم من ندرة حدوثه بحسب تصريحات الأطباء إلا أن اكتشافه متأخرًا أو علاجه بشكل خاطئ قد يتسبب في الغيبوبة أو الوفاة، فهو يشبه الجديري المائي بالتالي فالتعامل معه على هذا الأساس هو ما يتسبب في حدوث أزمات بسببه.

تابعنا حديثنا مع والدة "حسن"، التي سرعان ما طمأنها الطبيب أنه ليس بالأمر الخطير، وأنه قامت بالتصرف الصحيح حين عرضته على الفور على طبيب دون الاستماع إلى نصائح أمهات أخريات، فالبعض منهن تقوم بإعطاء الطفل في تلك الحالة "اسبرين" خاص بالأطفال لتخفيض درجة الحرارة، وهنا تكمن الخطورة وتتفاقم الحالة من بسيطة سهلة العلاج إلى خطيرة قد تؤدي إلى الغيبوبة أو الوفاة.

وتروي الأم أن التجربة كانت متعبة نفسيًا لها، فالطفل لا يأخذ سوى مسكن وعزل كل ما يستخدمه عن أي شئ آخر، كالمناشف وفرشاة الأسنان وأغطيته وغيرها، وظل هذا الوضع مستمرًا حتى 14 يومًا ثم عادت الأمور لطبيعتها.

متلازمة "راي" هي اضطراب نادر جدًا، ولكنّه مُهدد للحياة، يُسبِّبُ التهاب وتورم الدماغ وضعفًا ونقصًا في وظيفة الكبد، وذلك بحسب موقع أدلة MSD (وهي شركة عالمية رائدة في مجال الرعاية الصحية)، وما زال سبب الإصابة بالمتلازمة مجهولًا، ولكنها قد تحفز من خلال عدوى فيروسية واستعمال الأسبرين، ويعاني الأطفال من أعراض عدوى فيروسية عادة ثم الغثيان والقيء والخمول، ويتلوها حدوث غيبوبة في بعض الأحيان.

أخصائي طب الأطفال: "الأسبرين" و"المبيدات الحشرية" من مسببات المتلازمة

تحدثنا إلى الدكتور أشرف عامر، أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة، الذي أوضح أن الإصابة بمتلازمة "راي" لا يوجد لها سبب محدد، لكن هناك عوامل عدة تلعب دورًا أساسيًا في الإصابة بها، وعلى رأسهم تناول عقار "الأسبرين"، الذي يستخدم لعلاج الأطفال من أي عدوى فيروسية مثل الأنفلونزا أو الجدري المائي.

ولفت "عامر"، في حديثه مع "الدستور"، إلى أن بعض الأهالي لا يعلمون مدى خطورة تعرض أطفالهم للمبيدات الحشرية، التي لا تخلو من أي منزل، فمجرد شم رائحتها قد يصاب الطفل بمتلازمة راي على الفور، وأيضًا هناك حالات أخرى تصاب بالمرض إثر إصابتها اضطرابات أكسدة الأحماض الدهنية، لذا يجب فحص الأطفال طبيًا طوال الوقت، للتأكد من عدم إصابتهم بأي أمراض مختلفة".

أما عن أعراض المتلازمة، أشار الطبيب إلى ظهورها في جسد الطفل بعد إصابته بالمرض الفيروسي بغضون أسبوع كحد أقصى، وتبدأ بانخفاض مستوى سكر الدم لدى الأطفال، مقابل ارتفاع نسبة الحموضة لديهم، وكذلك تورم الكبد الذي ينتج عن الإصابة برواسب دهنية، وهناك أعراض أكثر خطورة تتمثل في تورم المخ، الذي يعرض الطفل للتشنجات، وأحيانًا يصل الأمر إلى الوفاة.

وانتقل للحديث عن الإجراءات اللازمة للكشف عن المرض، قائلًا: "يجب الذهاب إلى أقرب مختص على الفور، وإجراء بعض التحاليل الطبية، مثل تحاليل الدم والبول، التي تكشف مدى تعرض الطفل للإصابة بالمرض، وهناك فحوصات أخرى يجب التأكد منها أيضًا، وهي الفحوصات الخاصة بالكشف عن الكبد والمخ".

أما في حالة حدوث نزيف ناتج عن الإصابة بالمتلازمة، وتأثر الكبد بشكل مباشر، أكد الطبيب على ضرورة تناول العقاقير المضادة للنزيف المكونة من فيتامين "ك"، ونقل البلازما والصفائح الدموية لجسد الطفل المريض، حتى يتم تجديد دمه مرة أخرى، والجلوكوز أيضًا له دورً كبيرًا في علاج الحالات البسيطة التي لا تدوم معها الأعراض سوى أيام قليلة.

الموت كان قريبًا من "حلا".. والسبب "الأسبرين"

الحالة الثانية معنا حدثت في سبتمبر 2019، حين تعرضت الطفلة "حلا" لمرض الجدري المائي، وكان عمرها في ذلك الوقت لم يتجاوز 7 سنوات، وانتقل إليها المرض عن طريق إحدى زميلاتها في المدرسة، لتتجه إلى ذويها مباشرة وتعبر عن خوفها الشديد من الإحمرار الذي انتشر فوق جسدها الضئيل.

حاولت حبيبة عبد الرحمن، والدة الطفلة، طمأنة ابنتها بأن هذا مجرد مريض بسيط، وبمجرد الذهاب إلى الطبيب المختص، وتناول العلاج اللازم، سيزول أثره في غضون أيام قليلة، وهو ما قامت به الأسرة على الفور، وأرشدهم الطبيب المعالج لضرورة تناول الطفلة للإسبرين والمضادات الحيوية الأخرى.

لم تتردد والدة الطفلة في شراء الدواء اللازم، لكنها لم تدرك حينها أن هذا الدواء سيعرض طفلتها الصغيرة لمرض جديد، لم تعلم عنه شئ من قبل، فبعد مرور أسبوع من إصابة "حلا" بالجديري، اكتشفت والدتها ظهور أعراض جديدة أشد خطورة من السابقة، فقد عاشت الطفلة أيام عصيبة تعاني من التنفس السريع بطريقة مبالغة، والقئ المستمر، الحرارة المرتفعة التي وصلت لـ40 درجة.

ظنت الأم في البداية أن تلك الأعراض مجرد مضاعفات لمرض الجدري، رغم شفاء الطفلة منه نهائيًا، إلا إنها أدركت مدى خطورة الأمر حين استدعت طبيب آخر لمتابعة حالة ابنتها، أبلغها أن ما تناولته من عقاقير عرضها للإصابة بمرض آخر يسمى "متلازمة راي"، ويُعد هذا المرض نادرًا للغاية، كما يجب علاجه فور ظهور أعراضه حتى لا تزيد خظورته.

"ابنتي كانت على قريبة من حافة الموت، والتدخل الطبي السريع كان سببًا في إنقاذها"، تلك كانت أسوء ليلة عاشتها مع مرض ابنتها الوحيدة، كما وصفتها الأم، وجعلتها تتوخى الحذر في أي مرض يصيب الطفلة، حتى ولو كان بسيطًا.

أما عن علاج الطفلة من المتلازمة، قالت الأم إن الطبيب المعالج كتب لها في تقريره الطبي "جل لحبوب الفم" بهدف سهولة تناول الطعام، وأيضًا مرهم مضاد للمرض، كما خضعت لإجراء محلول الالكتروليت عن طريق الوريد، ولم تستغرق رحلة معاناة الطفلة مع المرض سوى أسبوع واحد فقط، لتتعافى منه تمامًا، وتعود إلى حياتها الطبيعية مرة أخرى.

بحسب أحدث الإحصائيات، تبلغ احتمالات وفاة الطفل حوالى 21%، ولكنها تتراوح من أقل من 2% عند الأطفال المصابين بدرجةٍ خفيفةٍ من المرض (المرحلة الأولى) إلى أكثر من 80% عند الأطفال الذين يُعانون من غيبوبة عميقة (المرحلة الرابعة أو الخامسة)، ويتعافى الكثير من الأطفال الذين ينجون من المرحلة الحادة من المرض بشكلٍ كامل.

والدة "يوسف": أصيب بها بسبب عدوى من الجيران

"أصابت ابني واعتقدنا وقتها في البداية أن ذلك هو الجديري المائي".. كلمات السيدة أسماء فتحي عن طفلها يوسف الذي أصيب بمتلازمة الرأي في عمر الخمس سنوات،  موضحة أنها إلى الآن وحسب قولها-لا تعلم السبب وراء إصابته بهذه المتلازمة،  وأشارت أنه قد امتلأ جلد ابنها بالفقاقيع الحمراء المليئة بالماء التي تشبه فقاقيع الجدري،  ولكن عند الكشف عنه أكد لها الطبيب أن هذه هي بداية أعراض الإصابة بمتلازمة الراي،  ويجب الإسراع بمعالجتها على الفور عن طريق تناول الكورتيزون،  قبل إصابة المخ. 

تقول: "بالفعل سارعت في العلاج والتزمت به إلى أقصى درجة نتيجة تحذير الطبيب المستمر من التهاون في ذلك،  واستمر العلاج حوالي عشرون يوماً ومازال آثار تلك الفقاقيع والبثور موجودة على جلد طفلي إلى الآن واصفة تلك الأيام بأنها كانت أياماً عصيبة لم تكد فيها تستطيع النوم لتألم طفلها المستمر حينذاك، وقسوة علاجه.

استشاري أمراض الأطفال: النقص في التمثيل الغذائي للأحماض الدهنية أهم أسبابها 

الدكتور أشرف قاسم استشاري أمراض الأطفال بجامعة القاهرة، حدثنا أن المتلازمة تصيب الأطفال والمراهقين، ولكنها نادرة، موضحًا أن أولها معاناة من نقص التمثيل الغذائي للأحماض الدهنية «هو خلل جيني لدى الطفل بالوراثة»، ثم تعرضه في الوقت ذاته لتناول أقراص الأسبيرين أو الساليسيك أسيد في العلاج من مرض فيروسي كفيروس كورونا أو الجدري وخلافه، ومن هنا تبدأ أعراض المتلازمة في الظهور، حيث تصيب الكبد والمخ والجلد في ذات الوقت،

وأوضح "قاسم"، في حديثه مع "الدستور"، أن أعراضها تتمثل في حدوث خلل في الإدراك والوعي،  وبعض التشنجات والحركات العصبية، وارتفاع في درجة الحرارة، وكذلك يصاب بطفح جلدي يشبه الطفح الذي يسببه مرض الجدري المائي لذا كثيرًا ما يحدث خلط في التشخيص بينهما، رغم الفروق الجوهرية بينهما، فالجريري المائي هو مرض جلدي خالص بينما متلازمة راي مرض يصيب أماكن خطيرة وحساسة بالجسم على رأسها المخ والكبد، ثم يأتي بعد ذلك الجلد. 

ويرى الاستشاري أنه بعد التقدم العلمي في مجال الصحة قلت نسبة الوفاة نتيجة هذا المرض لكنها لم تنتهِ، وقد يترك آثارًا كبيرة حتى بعد العلاج منه وأبرزها حدوث خلل مزمن بالمخ، كأن يصيب الطفل بشلل نصفي مدى الحياة، نتيجة لتعرض الطفل لمخاطر علاج هذه المتلازمة والمتمثلة في الكورتيزون، وما يسببه في أضرار على الطفل. 

بدأ أول تشخيص لهذه المتلازمة في ولاية كارولينا في الولايات المتحدة الأميركية عام 1963، وهي نادرة الحدوث إذ تصيب شخص واحد من كل مليون شخص من البشر، وتظهر الأعراض بعد 1 إلى 14 يوما بعد ظهور الطفح الجلدي الخاص بجديري الماء.

استشاري أمراض جلدية: يشبه ظاهريًا الجديري المائي

وترى الدكتورة وفاء علم الدين، استشاري الأمراض الجلدية، أن هذه المتلازمة تتشابه ظاهريًا مع الإصابة بمرض الجديري المائي، ولكنها تفرق عنها في أن نسبة الحاجة إلى الحك بالجلد تكون أكثر في حال الإصابة بالمتلازمة عنها في حال الإصابة بالجدري المائي، وهنا يكون التشخيص الدقيق-حسبما وصفت- على يد طبيب الأطفال.

وأوضحت "علم الدين"، في حديثها مع "الدستور"، أنه يمكنه التعرف بشكل أدقّ على هذه المتلازمة ومن ثم وصف العلاج المناسب لها، أما عن دور طبيب الجلدية في هذه الحالة فيكون بوصف بعض الكريمات المضادة للحساسية والتي تعالج المتلازمة ظاهريًا فقط. 

أطباء مناعة فيروسية: التشخيص الخاطئ والأدوية دون روشتة أولى مسببات "راي" 

انتقلنا بعدها للحديث مع الدكتور أسامة عبد اللطيف، أستاذ مناعة الفيروسات بالجامعة البريطانية، بدأ بـ: "الأمهات يقتلن  أولادهن وهم على طريق التعافي"، فيذكر أن متلازمة راي ليست شائعة وغير دارج الحديث عنها في عيادات و مشافي الأطفال، لكن الحديث عنها في غاية الأهمية لخطورتها.

ولفت "عبداللطيف"، في حديثه مع "الدستور"، أن الأم أيضًا أحد الأسباب الرئيسية للإصابة براي، وهي أيضًا كلمة السر لتجاوزها دون أضرار مستديمة يعاني منها الطفل والرضيع طوال عمره، وذلك من خلال ملاحظة المؤشرات الأولى، فعادةً ما ينخفض مستوى السكر في الدم لدى الأطفال بينما ترتفع مستويات الأمونيا والحموضة في الدم في الوقت ذاته، مع احتمالية حدوث انتفاخ بالكبد ويُصاب بالترسُّبات الدهنية، ينعكس على شكل البطن، وفي بعض الحالات قد يحدث انتفاخ في الدماغ كذلك، مما قد يؤدي إلى حدوث نوباتٍ مرضية أو تشنجاتٍ أو فقدان للوعي.

وأوضح أنه من الممكن أن تجتمع كافة الأعراض سالفة الذكر أو تصيب الحالة بعضها فقط، و تظهر علامات  "راي" عادةً بعد بدء العدوى الفيروسية بثلاثة إلى خمسة أيام، مثل الأنفلونزا أو الجُديري المائي أو عدوى الجهاز التنفسي، لذا يختلط على الأطباء الأمر كونها من الممكن أن تكون امتداد لعدوى، لذا غالبًا ما يتم تشخيصها بالخطأ على أنها التهاب الدماغ أو التهاب السحايا أو مرض السكري أو جرعة زائدة من المخدرات- بالنسبة للمراهقين "أو التسمم أو متلازمة موت الرضع المفاجئ .

وتعريف "راي" بالمتلازمة يعود إلى أثرها الممتد طيلة حياة المصاب بها، فمعظم الأطفال والمراهقين  يظلوا على قيد الحياة ويتجاوزوها في الأيام الأولى، لكن مع احتمالية الإصابة بدرجات متفاوتة من تلف الدماغ الدائم و خلل في النمو، وهناك شريحة أخرى يتأثر الكبد لديهم بشكل بليغ، يبدأ بتدهور في وظائفها، وصولًا إلى الفشل التام المسبب لنزيف وتخثر الدم، فيموت المصاب بالتدريج دون ملاحظة أو يحتاج لزراعة كبد عاجلة.