متعافون يروون حكاياتهم لـ «الدستور» من «الإدمان» لـ«البيزنس»
عشرات الأشخاص كانت ضائعين يعيشون على هامش الحياة، ليس لهم دور أو مكانة حتى عند أقرب الأقربين إليهم، بعد أن تحولوا إلى متعاطين لمختلف أنواع المخدرات، التى رسمت لهم عالمًا وهميًا عاشوا فيه سنوات، تائهين وغير قادرين على الخروج منه. استمر هؤلاء فى طريقهم هذا، حتى وجدوا قبل نهايته بقليل صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى التابع لوزارة التضامن الاجتماعى، الذى لم يُرجع لهم أرواحهم الضائعة فقط، عبر علاجهم من الإدمان، بل ساندهم حتى تحولت مأساتهم إلى قصص نجاح يحكيها من حولهم، فمنهم من أصبح بطلًا رياضيًا، ومنهم من أصبح مرشدًا علاجيًا يساعد غيره على التعافى، بينما ساعد الصندوق غالبيتهم فى افتتاح مشاريعهم الخاصة، من خلال قروض بمبالغ كبيرة وتسهيلات فى السداد.
خلال السطور التالية، تحاور «الدستور» عددًا من المتعافين عن طريق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، للتعرف على قصص إدمانهم، ثم علاجهم وفتح مشروعاتهم الخاصة.
محمود عبدالهادى:صندوق المكافحة والعلاج منحنى قرضًا وافتتحت محلًا تجاريًا للطباعة وبيع الإكسسوارات
بعد تعافيه من إدمان المخدرات بـ٣ سنوات، قرر محمود عبدالهادى افتتاح مشروع تجارى خاص به، لكنه اصطدم بعدم توافر الإمكانات المادية، الأمر الذى دفعه للجوء إلى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى، الذى وفر له قرضًا يُمكنه من افتتاح المشروع.
وقال «عبدالهادى»: «بعد نجاحى فى التعافى من الإدمان، عرض علىّ صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطى المشاركة فى واحدة من الدورات التدريبية التى يوفرها للمتعافى الذى لا يمتهن أى مهنة، لكننى أخبرتهم بأننى أمتلك خبرة فى مجال الدعاية والطباعة، وأرغب فى فتح محل تجارى، يُخصص نصفه لبيع الإكسسوارات الحريمى عن طريق زوجتى، والآخر للطباعة».
واسترجع تفاصيل معاناته مع الإدمان لمدة ١٤ سنة، خاصة مع توافر المخدرات بسهولة فى محيط سكنه، بعد أن اتجه إليها بعد وفاة والده، وبحثه عن أى وظيفة توفر له دخلًا، قائلًا: «كانت لدىّ موهبة كبيرة فى كرة القدم، وانضممت لمنتخب مصر، لكن بعد وفاة والدى إمام المسجد، دخلت فى حالة اكتئاب وتركت الكرة، وبدأت فى البحث عن أى وظيفة، وبالفعل عملت فى بيع أنابيب البوتاجاز وعاملًا فى بنزينة».
وأضاف: «فى ظل هذه الظروف الصعبة، بدأت فى شرب الخمر وتعاطى المخدرات، وصولًا إلى الهيروين، الذى لم أستطع الاستغناء عنه سنوات، حتى جاءت اللحظة الفارقة فى حياتى، وكانت السبب وراء قرارى بمحاولة التعافى من الإدمان».
وواصل عبدالهادى: «تزوجت فى سن الـ٢٠ وأنجبت طفلين (ولد وبنت)، ولم أكن أدرى أنهما رغم صغر سنهما يدركان حقيقة ما أفعله، حتى عرفت بأن ابنى الكبير يعلم بأمر إغلاقى الباب على نفسى كى أحصل على المخدر، وأن الأطفال فى المدرسة (بيعايروه بيا)، كما أن ابنتى فتحت باب الحمام علىّ فى مرة، وأنا أحقن نفسى بالمخدر، فصرخت بشدة من منظر الدماء، فأدركت حينها أننى لا أؤذى نفسى فقط، ولكننى أؤذى أسرتى كلها، لذا تواصلت مع صندوق مكافحة الإدمان كى أبدأ رحلة التعافى».
ونبه إلى أن سلوكيات خطيرة اكتسبها خلال فترة إدمانه، من بينها اضطراره فى كثير من الأحيان للسرقة وبيع المخدرات، لذا منذ اليوم الأول له داخل مستشفى «الخانكة»، عمل إخصائيو مركز علاج الإدمان على تحسين سلوكياته، وليس فقط سحب المخدر من جسده.
واختتم بقوله: «علمت منذ دخولى المستشفى أن الإدمان مرض يحتاج للعلاج، وتم حجزى فى الأقسام الداخلية لمدة ٩٠ يومًا، إلى أن خرجت من المركز بنى آدم جديدًا مختلفًا، وأصبحت ابنًا بارًا بوالدتى، وزوجًا وأبًا صالحًا، حتى إننى عملت مرشد علاج لمساعدة حالات فى بداية طريقها، مثلما ساعدنى الإخصائيون واهتموا بى دون مقابل».
أحمد عيد:مِن مُتعاطٍ لعامل مجتهد بمشروع قومى: أشكر الرئيس السيسى
«كنت مدمنًا وأصبحت عاملًا مجتهدًا فى مشروع قومى».. بفخر وسعادة حكى أحمد عيد، فنى لحام، قصة تعافيه من الإدمان لـ«الدستور».
قال أحمد إنه جرب المخدرات لأول مرة حينما كانت سنه ١٣ عامًا، مع زملائه فى المدرسة: «كنت أريد أن أصبح جريئًا مثلهم.. وأن يرانى الناس رجلًا»، وأضاف أنه بدأ الطريق بتدخين السجائر العادية ثم الحشيش والبانجو، ثم بدأ فى تعاطى الترامادول، وفى النهاية أدمن الهيروين.
وعن تجربة التعاطى، أضاف: «لم يمثل لى الأمر أزمة فى البداية، لأننى أتقن حرفة منذ الصغر، وأحصل على مال يكفينى ويكفى أسرتى، وكان التعاطى يجعلنى أشعر بأننى أهم شخص فى الكون، وأن الناس تنظر لى».
وتابع أحمد: «أصبحت أخصص كل أموالى لشراء المخدرات، وبدأت فى إهمال عملى وأسرتى وأصبحت أحب العزلة.. كان كل الناس حولى يشعرون بالأزمة، وكنت أنا فى عالم آخر».
وأضاف: «انتبهت لما يحدث بعد مرور فترة، لاحظت الاختلاف، فبعد أن كنت نشيطًا أصبحت أرى الأكل والشرب ودخول الحمام أمورًا صعبة.. كنت لا أتحرك دون الحصول على جرعة».
وأشار إلى أنه لجأ إلى أخيه الأكبر، واعترف له بأنه مدمن، فرد الأخ بأن الأسرة كلها تعرف هذا الأمر «كنت أظن أننى أخفى السر عن الجميع».
ولفت أحمد إلى أن الأخ تواصل مع صندوق مكافحة الإدمان، وجرى توجيهه إلى مستشفى، وهناك التقى الإخصائى، وقال له: «أريد أن أتوقف عن تعاطى الهيروين فقط»، فرد عليه الإخصائى: «اللى يبطل يبطل كل حاجة».
وتابع: «رأى الإخصائى أننى قوى كفاية لأستطيع عزل نفسى منزليًا بمساعدة أسرتى، حتى أتعافى، وأعطانى الأدوية اللازمة، وقال لى إنه سيرانى بعد مرور أسبوع».
وتابع: «خلال الأسبوع الأول كنت بين الحياة والموت، مريضًا بشدة، وكانت أمى تساعدنى كطفل صغير، وتهتم بالطعام والعلاج.. أمى هى سلاحى».
وأوضح أنه بعد مرور الأسبوع الأول، عاد للمستشفى ليعرف الخطوة التالية: «كنت مصرًا على استكمال الطريق»، ولفت إلى أنه استطاع إكمال أسبوعين دون تعاطٍ، وذهب لإجراء فحص طبى وتأكد من خلو جسده من المخدرات تمامًا.
وأشار إلى أن الإخصائى نصحه بحضور جلسات علاج جماعية، مع متعافين مثله، يحكون جميعًا عن تجاربهم وإصرارهم «هذه الجلسات جعلتنى شخصًا آخر».
وبعد مرور شهر ونصف الشهر من المقاومة، بدأ «أحمد» ينام بشكل منتظم، ولا يشعر بالإرهاق.
وأردف: أصبحت أهتم بزوجتى وأبنائى الثلاثة، ووفقنى الله بوظيفة وفرها لى الصندوق، وهى عامل لحام، ضمن مشروعات المبادرة الرئاسية «حياة كريمة».
وأضاف: «أعمل حاليًا ضمن مشروع لتركيب شبكة صرف صحى فى منطقة الجبل الأصفر، وقبل العمل خضعت لفحوصات طبية للتأكد من أننى مؤهل لهذه المهمة». ووجه الشكر للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى يحرص على مساعدة الشباب، لافتًا إلى أن فريقه تمكن من إنهاء المشروع خلال عامين بدلًا من ٤ أعوام، وأن الرئيس افتتح بنفسه المشروع.
رمضان حسين:أمتلك مركز تجميل.. وزبائنى من مشاهير المجتمع
ظل رمضان حسين يتعاطى المواد المخدرة بمختلف أنواعها لمدة ٢٢ سنة كاملة، فى رحلة صعبة بدأها بسيجارة عادية، وتدرج خلالها حتى وصل إلى تعاطى الهيروين، الأمر الذى «خرب بيته» كما يقول، فبعد أن كان يعمل فى أكبر صالونات التجميل بالقاهرة، أجبرته المخدرات على ترك العمل، إلى جانب تدمير علاقاته الاجتماعية.
وقال «حسين»: «حاولت كثيرًا التعافى فى مراكز خاصة لعلاج الإدمان، لكن دون جدوى، حتى أنقذنى صندوق مكافحة وعلاج الإدمان، الذى انتشلنى من المخدرات، التى كانت طوق عبودية يجرنى من رقبتى إلى الشر، وحولتنى إلى آلة مؤذية متحركة على الأرض، فابتعد عنى كل من حولى، ولم أستطع الزواج».
وأضاف: «صندوق مكافحة وعلاج الإدمان ساعد على دمجى فى المجتمع من جديد، وتزوجت بعد التعافى بسنوات بمساعدة المشرفين على علاجى، وأصبح لدى ٣ أطفال»، معتبرًا أن الصندوق حوّله من شخص سلبى إلى إيجابى له رأى مؤثر فيمن حوله، وعلّمه أن كل مشكلة لها حل، ورغم مرور ٨ سنوات على التعافى، فإنه ما زال على تواصل دائم مع من كانوا مسئولين عنه فى المركز، حتى لا يحدث أى انتكاسة.
وبفضل قرض حصل عليه من الصندوق، نجح «محمود» فى تحويل صالون حريمى صغير يمتلكه إلى مركز تجميل كبير، وهو ما يوضحه بالقول: «حصلت على قرض قيمته ٨٠ ألف جنيه من صندوق مكافحة الإدمان، بالتعاون مع بنك ناصر الاجتماعى، بعد عام ونصف العام من التعافى، ومن خلال هذا المبلغ حولت محلى الصغير إلى مركز تجميل كبير يقصده العديد من السيدات وأغلبهن من المشاهير»، مشيرًا إلى أن قصة نجاحه عرضها الصندوق فى فيلم تسجيلى عن المتعافين مَثل مصر فى مهرجان فيينا، وحصد الجائزة الأولى.
محمود محمد:إعلان محمد صلاح أنقذنى من الانتحار بعد 15 عامًا من الضياع
١٥ عامًا استسلم فيها محمود محمد، الشاب الثلاثينى، للشيطان ليعبث بحياته، وكانت البداية بالتدخين، الذى تطور لإدمان الحشيش والترامادول وصولًا إلى الهيروين.
قال: «وصلت إلى أقصى درجات التدهور على مستوى الحالة النفسية والاجتماعية والمادية، وانتهت علاقاتى مع كل الناس ولم يعد يرغب أحد فى معرفتى أو التعامل معى».
بدأ ناقوس الخطر يدق بابه عندما وصل إلى القاع فى كل شىء، كما يصف، بعد أن انفض الجميع من حوله حتى زوجته التى رضيت العيش معه إلى أن أرهقتها واستنزفت عمرها وعمره طريق الإدمان، فكان الانتحار هو الحل الأمثل الذى انتهى إليه تفكيره «لأنى مش عارف أعيش ولا عارف أموت».
وأضاف: «حين اعتقدت أن الانتحار هو الحل شاهدت بالصدفة إعلانات محمد صلاح (أنت أقوى من المخدرات)، وقررت التواصل مع صندوق مكافحة المخدرات الذى وجهنى إلى أقرب عيادة تابعة للصندوق فى دائرة سكنى، ومن هنا بدأت رحلتى الجديدة مع التعافى».
وتابع «محمد»: «ربنا كان رحيمًا بى ووضع فى طريقى الخط الساخن لمركز معالجة الإدمان الذى بسببه ولدت من جديد، بعد أن قدموا لى الخدمة العلاجية المتكاملة».
واستطرد: «بدأت رحلة العلاج بتذكرة سعرها جنيه واحد فقط، لأبدأ أولى جلساتى مع الطبيب المعالج والإخصائى النفسى، حيث تقرر حجزى فى المستشفى».
وأوضح أن أصعب جزء واجهه كان أعراض الانسحاب، لكنه تمكن بفضل مساعدة الأطباء وزملائه فى المستشفى ممن سبقوه فى رحلة التعافى من اجتيازها واستكمال جلسات العلاج بعيادة الرعاية النهارية، حيث يتلقى من الأطباء توضيحات وشروحات عن المخدرات والإدمان وكيفية التعافى.
وقال: «حتى بعد دخولى مركز العلاج لم أكن جادًا بنسبة كبيرة فى الإقلاع عن تعاطى المخدرات، لكن بمجرد رؤيتى أشخاصًا آخرين متعافين منذ سنوات وكانت لديهم نفس مشكلتى، من هنا بدأت الاقتناع بأنه يمكن علاجى وأننى سأعود شخصًا طبيعيًا من جديد».
مع ما أبداه «محمد» من عزيمة وصدق فى رحلة العلاج، قرر الفريق الطبى الذى يتابع حالته التواصل مع طليقته لإقناعها بالعودة، لتكون داعمة له فى مشوار التعافى من الإدمان، وبالفعل استجابت وعادت له وشجعته على مواصلة الرحلة. مكث محمد داخل المركز العلاجى الذى يُدعى «الواحة» ٣ أشهر لتلقى العلاج بشكل احترافى، حتى لا يكون هناك أى مجال للهرب والعودة من جديد إلى الطريق المظلم للإدمان. وتابع: «داخل الواحة يكون الاعتماد الأساسى على أنفسنا فى كل شىء حتى فى الطعام الذى نأكله، كما توجد مزرعة نزرع فيها الخضروات بأنفسنا، وتوجد ورش لتعليم من ليست لديه حرفة أو صنعة لمساعدته على إقامة مشروعه الخاص بعد انتهاء رحلة التعافى».
قضى «محمد» أربع سنوات وشهرين ليتعافى من الإدمان بشكل كامل، ورغم شفائه إلا أنه يحرص على حضور جلسات الرعاية النهارية ليحكى تجربته وكيف تخلص من الإدمان، واكتسب سلوكيات جديدة وأصبح شخصًا مسئولًا منتجًا وفعالًا.
مرحلة جديدة بدأت فى حياته بالبحث عن عمل، قال: «فى السابق كنت حلاقًا ولدى صالون خاص بى، لكن بسبب إدمانى وسلوكياتى السيئة قاطعنى الزبائن فأغلقت الصالون وتراكمت الديون».
تغير الوضع حاليًا بعد أن تمكن من الحصول على قرض من برنامج بداية جديدة التابع للصندوق لإعادة فتح مشروعه مرة أخرى.
واختتم: «عملت دراسة جدوى بمساعدة المسئول الإدارى عن مشروع بداية جديدة، وحصلت على القرض من بنك ناصر وفتحت صالون الحلاقة من جديد، وتمكنت من تسديد ديونى، لأبدأ حياة كريمة لطالما حلمت بها».