«الدستور» على شاطئ الذكريات: إسكندرانية يحكون قصتهم مع تطوير المكس
قبل أن تستقر على مرساه تسمع صوته القريب مع خطوات قدميك التي تسير بين شاليهات المكس الخشبية، لتصل من بينهم إلى منطقة مفتوحة يستقبلك فيها البحر بصوته وأمواجه المتلاطمة حيث يحدها شرقا فنار المكس الأثري الممتد بعد جسر حديدي طويل، بمجاورة مراكب خشبية استقرت على رماله بعد رحلة صيد طويلة منذ فجر كل يوم باحثة عن رزقها ورزق مَن يرمي شباكه في بحر الرزق.
شاليهات خشبية ذات تصميم مميز، أحاطت بحدود البحر واحتضنت حياة ساكنيها لسنوات طويلة تجاوزت 100 عام، ليرجع تدشينها على يد العاملين في مهنة الصيد من اليونانيين والإيطاليين قبل رحيلهم عام 1952 ليحل محلهم عدد من الصيادين المصريين والتي اتخذوها مستقرًا لهم ولأسرهم وأحفادهم من بعدهم.
منطقة المكس ستشهد تغيرًا كبيرًا نتيجة المشروع الجديد الذي تتخذ الدولة خطوات لتنفيذه وهو مشروع ميناء المكس لربط مينائي الإسكندرية بالدّخيلة بأرصفة 3.5 كم وساحات تخزين بمساحة 3.5 كم متر مربع بتكلفة تقديرية 12 مليار جنيه، لتستبدل الشاليهات بمشروع الميناء الجديد، ليتم إخلاء المنطقة بالكامل وتعويضهم، وفقًا لتوجيهات الرئيس السيسي بصرف تعويضات لأهالي مساكن المكس بالإسكندرية، حتى يكون الظهير الخلفي للميناء مؤمّن بالكامل.
أكد المهندس كامل الوزير، وزير النقل، أعمال الرفع المساحي لموقع الميناء الجديد وتفقد الأماكن الخاصة بالأولويّات العاجلة للرفع المساحي شمال طريق المكس في المسافة من ترعة النوبارية حتى ميناء الدخيلة، لسرعة البدء في أعمال الرسومات التخصصية والتصميمية النهائية للميناء والبدء في التنفيذ كما وجه الوزير بسرعة البدء في أعمال التطهير بالمناطق المتاحة من الميناء.
وأكد الوزير أن ميناء المكس مشروع قومي سيخدم الدولة بشكل عام وأهالي الإسكندرية بشكل خاص وسيوفر عدد كبير من فرص العمل لأهالي الإسكندرية.
«الدستور» التقت مع ساكني شاليهات المكس حيث تشاركهم ذكرياتهم وحكاياتهم عن المكس.
= أم عمرو... حكاية كشك خشبي توارثته الأجيال
في كل شبر على شاطئ المكس حكاية تركت بصمتها في نفوس أصحابها لتتوارثها الأجيال العائلية وتستقر حكاية أم عمر، 62 عامًا بداخل كشك خشبي صغير تجلس بداخله لتطل على ساحل الشاطئ من نافذة تلقي التحية على كل من يمر عليها.
يعرفها أهل شاطئ المكس فهذا الكشك الخشبي ورثته من والدتها أم حافظ: "محدش هنا ميعرفش أم حافظ، أساس المكس.. هنا كان مكانها والكل يعرفها" وليمتد ذلك الخير للجيل الثالث لأبنائها وأحفادها الأربعة.
كشك بسيط لا يساع سوى خطوات أقدامها وعدة المشروبات الساخنة من الشاي والقهوة والأعشاب، وكراسي بلاستيكية التي تسلمها لزوار الشاطئ، مؤكدة أنه سبب تربية الأجيال.
يوميًا تأتي أم عمرو من محل سكنها في منطقة القباري إلى شاطئ المكس صيفا بدءًا من السابعة صباحًا لغروب الشمس وشتاءً حتى عصر كل يوم، فهذا متنّفسهم ومصدر رزقهم ومن مكسبه يستفيد منه 3 بيوت.
- ملك.. هكذا لقب عم سعيد قارب صيده
يقف على رمال الشاطئ، مسندًا ظهره على قاربه الخشبي وواجهته تستقبل البحر، وكأنه يسترجع ذكريات أكثر من ٤٠ عامًا عاشها يوما بليلة بين أمواج البحر باحثًا عن رزقه.
يصطحب يوميا "ملك" وهو قاربه الخشبي الصغير الذي صنعه بيده ليكون رفيق رحلة الصيد منذ أن ورث تلك المهنة من والده، ليبدأ يومه منذ فجر كل يوم، مبحرًا بشبكته المغزولة بتعب ومجهود سنوات حفرت في خطوط يده، لتستقر في شبكته سمكات تركت حركة أمواج البحر، لتكون مصدر رزقه وطعام أسرته، ليعلق سعيد هكذا يومنا من البحر للأسواق لبيع ما رزقنا به، حياة بسيطة هادئة نجد فيها ملاذنا ولا نستطيع تغييرها.
يتذكر سعيد أن أول رحلة صيد له مع والده كانت في عمر 10 سنوات، لتعود الأيام ويصطحب صغاره معه في رحلات صيد، لتعود الأيام إلى الوراء وتقلب في دفتر الذكريات: "عمل وتجمع وسهر هكذا حياتنا فبعد غروب الشمس وانتهاء اليوم، اتجمع مع جيراني أمام أي من منازلنا لتناول كوب من الشاي الساخن أو لعب الطاولة، أو فقط لتبادل أطراف الحديث، فالجميع هنا يعرفون بعضهم البعض ولا غريب بيننا.
= قوارب فايبر رحلات الأطفال الترفيهية
كما أن للكبار مراكبهم الخشبية، فينشأ الشبل على ما رأى من آبائهم، ليتعود الأطفال على حياة البحر منذ الصغر، فبقطعة فايبر بمقاس متر في متر يعلوها الأطفال ليُسبحون فيها داخل مياه البحر بمجاديف بلاستيكية وأخرى خشبية.
دون أي مقابل مادي يجلب الأطفال قطعة الفايبر من منطقة القباري، ليتدرّبون على حياة البحر رويدًا رويدا ليقول عمار في الصف الخامس الابتدائي: "إحنا يوميا لازم ننزل البحر"، أما للعب والسباحة أو لرمي شباكنا في البحر وصيد الأسماك الصغيره والشراغيش.
يحكي عمار أن "جميعنا نجيد السباحة فنشأتنا كانت في البحر، ولا خوف علينا، لهذا كانت الفكرة في تنفيذ قارب صغير من الفايبر، لكن بصورة مصغرة تمكنا من النزول للبحر دون انتظار رحلات أهالينا بمراكبهم الخشبية الكبيرة.
= صانع الشباك: 30 عامًا يغزل مهنة أجداده
وبين البيوت الخشبية وعلى رمال الشاطئ، يجلس كرم محمد، في العقد الثالث من العمر، متكئًا وممسكًا بين يديه شبكة صيد غزلت خيوطها بصنعة يده، دون تركيز كيف تغزل الخيوط عقدها، وكأنها حفظت خطواتها على صوت أمواج البحر: “صناعة شباك الصيد مهنة توارثناها أبًا عن جد، نشأة وسط عائلة يدها تغزل وقواربها تجلب الرزق إما للتجارة او لتلبية قوت يومنا، معلقًا:”البحر جزء من حياتنا متعرفش نشتغل غير صيادين".
تابع صانع الشباك "مازلنا محتفظين بالصناعة اليدوية لها دون الاعتماد على الماكينات الآلية، كما استحدث بعض الصيادين، فالماكينات لا تستطيع سوى غزل توب الشبكة لكن العقد الجانبية لا تغزل إلاّ بصنعة الأيدي، لتستغرق صناعة الشبكة الواحدة يومين عمل كاملين.