أنجيلوس جرجس: الأقباط ينخدعون في مؤرخين كاذبين ويستقون منهم المعلومات
قال القمص أنجيلوس جرجس، راعي كنيسة الشهدين سرجيوس وواخس والمعروفة باسم "أبو سرجة" الآثرية، التي تحتضن مغارة العائلة المقدسة بمصر القديمة إنه يقول المؤرخ البريطاني "هوبل": "إذا أردت أن تلغي شعباً تبدأ أولاً بشل ذاكرته، ثم يكتب طرف أخر كتباً أخرى ويعطونه ثقافة أخرى ويخترع له تاريخاً أخر... عندما ينسى هذا الشعب من كان، وماذا كان، العالم كله ينساه أيضاً".
وأضاف في دراسة نشرها تحت شعار "تاريخ كنيستي .. المؤرخون المزورون لتاريخ الأقباط": "هذا ما يحاولون أن يفعلونه مع كنيستنا القبطية منذ زمن؛ فالمؤرخون ليس كلهم أمناء ويبتغون الحقيقة فقط، بل هناك من يكتب ويزور التاريخ عمداً، وهناك من يكتب من خياله، وهناك من لا يتوخى الدقة في كتاباته. وفي النهاية يأتي باحثون جدد ويعتمدون على هذه الوثائق التاريخية المزورة وتضيع الحقيقة وسط أكوام من الأوراق المزورة؛ وحين تقدم لهم الحقيقة تكون مجرد رأى مؤرخ أمام آراء مؤرخون أخرون".
وتابع: "فمثلاً نجد هيرودوت الذين يقولون عنه إنه أبو التاريخ، وتنقل أقواله كأنها موثقة جاء إلى مصر في القرن الخامس وقت احتلال الفرس، ولم يكن يعرف اللغة المصرية القديمة ونقل عن مصر أشياء غير حقيقية؛ حتى أنه قال إن خوفو حين بنى الأهرامات نفذت الأموال فجعل ابنته تبيع جسدها حتى يكمل بناء الهرم. ووجد رموز مقدسة مثل التماسيح وغيره من الحيوانات فكتب أن أجدادنا عبدوا الحيوانات، وهو الذي روج لفكرة عروس النيل التي كانت مجرد دمية تُلقى في النيل ولكنه بجهل وعدم دقة كتب أن أجدادنا كانوا يلقون أميرة مصرية كذبيحة بشرية للنيل".
وأكمل: "وتلقف القصة أحد مؤرخين العرب وهو عبد الرحمن بن عبد الحكم في كتابه (فتوح مصر والغرب) وقال إن عمرو بن العاص جاء إليه المصريون يطلبون أن يُلقوا فتاة بكر كما اعتادوا في النيل؛ فأرسل إلى عمر بن الخطاب الخليفة يسأله، فأرسل أمير المؤمنين رسالة إلى مصر فيها: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر.. الله الواحد القهار هو الذي يجريك، فنسأل الله أن يجريك. وألقى عمرو بن العاص هذه الرسالة في النيل فحلت البركة وارتفع ستة عشر ذراعاً في تلك الليلة. وهذه سطور من كم مزيف يملئ كتب التاريخ العام".
وأردف: وفي التاريخ القبطي نجد "يوسابيوس القيصري" الذي كان أريوسي الفكر والعقيدة لذلك كان يمجد أوريجانوس، وحتى يسند قسطنطين التيار الأريوسي كتب له كتاباً يمجده فيه؛ وبالفعل تغير قسطنطين وصار سنداً للأريوسية. ويوسابيوس يعتبره الكثيرون "أبو التاريخ" المسيحي وهو أريوسي لم يتحرى الدقة في كثير مما كان ينقله. و"ثيؤذوريت" أسقف كورش هو من أكمل كتابه تاريخ يوسابيوس القيصري؛ وهو أسقف نسطوري حُرم في مجمع أفسس الثاني، وكان له دور عنيف ضد البابا ديسقورس هذا كتب تاريخ خلقيدونية.
واستطرد: والمؤرخون الذين كتبوا عن تاريخ الرهبنة القبطية مثل روفينوس وبلاديوس كانا أورجانيان ومتحملان ضد كنيستنا واستباحا تزوير التاريخ لصالح حزب الأورجانية كما سنرى.
وأكمل: وفي القرن العاشر كتب مؤرخ خلقيدوني ملكاني في كتاب عن تاريخ الأقباط واسمه الأصلي "ابن الفراش" ولكنه تسمى باسم "سعيد بن بطريق"، وللأسف كثير من الدارسين يعتمدون عليه وخاصة في تاريخ بناء الكنائس. وقد وصل للقديس أنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونيين هذا الكتاب من الشخص الذي نشر هذا الكتاب وأرسله إلى أنبا ساويرس فكتب له رسالة قال فيها: "وصلني رسالتك وتذكرت وقوفك على كتاب ألفه سعيد بن بطريق المعروف بابن الفراش وسماه كتاب "التاريخ" وأنك اهتممت بنشره الذي حوى فيه شتيمة لنا ولليعاقبة وما نسبه خطأ في كتاباته عن الأمانة المستقيمة". ثم بدأ أنبا ساويرس في تجميع تاريخ الآباء البطاركة ليقدم التاريخ الحقيقي لكنيستنا.
وأضاف: وقد زور الملكانيين كثير من كتابات الآباء فمثلاً في مخطوط في المتحف القبطي رقم (1396) صفحة 23 يقول: "نبدأ بعون اللـه وتوفيقه نسخ اعتقاد مار أثناسيوس الرسولي بطريرك الإسكندرية صلاته معنا أمين: "الآب والابن الروح القدس منبثق من الآب والابن""، وهذا استحالة يكون فكر البابا أثناسيوس؛ فهذا المخطوط يرجع تاريخه إلى القرن الحادي عشر بعدما تبنى الكاثوليك فكرة انبثاق الروح القدس من الآب والابن؛ وحتى يخدعوا الأقباط زوروا مخطوط باسم البابا أثناسيوس. وبالطبع نحن لدينا كتابات البابا أثناسيوس الأصلية التي تقول إن الروح القدس منبثق من الآب فقط.
وأردف: وكثير من الكتابات التاريخية المضللة حتى أن المؤرخ "أميلينو" الفرنسي قال: "هناك شك في كتابات روفينوس وتاريخ بيلاجيوس فكتاباتهم عن سمع وليس عن تحقيق، وبيلاديوس المؤرخ هو أحد تلاميذ "أوغريس" وهو الذي جمع كتاب "بستان الرهبان" والذي أكمله ونشره راهب نسطوري أخر اسمه "حنان عيشو" جاء إلى مصر في القرن السابع بعد دخول العرب لذلك نجد أقوال "أوغريس" في هذا الكتاب ويدعوه "مار أوغريس.
واختتم: وفي العصر الحديث جاء كاتب اسمه "جون ميسون" إنجليزي ليكتب قصة الكنيسة الشرقية قال في كتابه الرابع أن مصدره كان روفينوس وثيؤذوريت أسقف كورش. وسار على هذا المنوال أيضاً "بتلر" المؤرخ الذي كتب تاريخاً عن كنيستنا من السمع وليس بالتحقيق من المصادر الموثقة لدينا. وسارت على هذه الطريقة مؤسسات بحثية في مصر كل مصادرهم من كتابات الغرب ولأنها قديمة وشهيرة اعتبروها حقيقة، ولكن أمام هذا التزوير وثائق تاريخية وكنسية نحتفظ بها، وأيضاً حياة كنسية نعيشها واستلمناها من الآباء، وكما قال المؤرخ "وول ديورانت" كاتب موسوعة "قصة الحضارة": "أن التاريخ يستنتج".