رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كتاب و روائيون: الأسماء المستعارة في الأدب والصحافة خوف من المواجهة

جريدة الدستور

الأسماء المستعارة في التاريخ الأدبي المصري، كان لها تواجد كبير وليست وليدة اللحظة ولم تكن فكرة حديثة، بهدف عدم  إظهار هوية وشخصية الكاتب نظرا لظروف ما، فأول رواية مصرية وهي رواية زينب لمحمد حسين هيكل نشرها صاحبها تحت اسم مستعار، ولجأ الكاتب الساخر أحمد رجب  إلى استعارة اسم الكاتب العالمي  دورينمات، وأعطى مجلة الكواكب مسرحية وقال إنها مترجمة عن رواية للكاتب المسرحي العالمي دورينمات بعنوان «الهواء الأسود» وتباري النقاد المصريين في الكتابة عنها، ليظهر أحمد  رجب ويشير إلى أنه مؤلفها، نفس الحيلة  لجأ إليها الكاتب الصحفي سيد محمود في بداية عمله الصحفي  فكان يكتب باسم  حازم أبيض، وسبقه إلى هذا الكاتب الصحفي مفيد فوزي  ليستعير اسم نادية عابد.. لذا جاء سؤالنا ما الذي يدفع كاتبا إلى استخدام اسم مستعار؟. 

شريف العصفوري

- جورج صاند وفولتير و جورج أوريل أسماء مستعارة لكتاب حقيقيين عاشت معهم  

يقول الكاتب الروائي شريف العصفوري لـ "الدستور"، استعمل الأدباء و المفكرين الأسماء المستعارة للكتابة الصحفية أو الكتب الفكرية أو الأدب عموما و أسباب  ذلك متنوعة، منها أن يكون وضع الكاتب الطبقي أعلى من أن يكتب للعامة، أو أن تكتب امرأة في زمان لم يكن للنساء بالكتابة، أو أن يكتب صحفي أو موظف في الدولة عن مواضيع وأفكار تعرضه للمحاسبة أو المساءلة، أو عموما لاتقاء ردة فعل الجمهور أو السلطات الحاكمة. 

 وأضاف الكاتب الروائي، سنفاجأ مثلا أن فولتير الكاتب المفكر الفرنسي الكبير كان اسمًا مستعارا بينما اسمه الحقيقي هو فرانسوا ماري أرويه، و هو اسم اختاره بعد حبسه لفترة قصيرة بسجن الباستيل الشهير،  كما كان هناك أيضا كاتبات نساء في القرن 19 اللاتي تحايلن على النظم الاجتماعية بالكتابة الأدبية  بأسماء رجال مثال جورج صاند الفرنسية ( اسمها الحقيقي أماندين لوسي أرور دوبان) ، جورج إليوت البريطانية (اسمها الحقيقي ماري آن ايفانز).

وأشار "العصفوري" إلى أن  الكاتب الصحفي البريطاني إريك آرثر بلير، كان ماركسيا و خرج عن الخط الحزبي بانتقادات لاذعة ضد التجربة السوفيتية، فصار الكاتب الروائي الأشهر “جورج أورويل “، و رواياته التي تنتقد مجتمعات شمولية سلطوية في قالب أدبي "ديستوبيا" هي بالأساس تعبيرا عن تلك التجربة ، التي دفع ثمنها والاتهام بالعمالة للمخابرات، و مات بلير أو أورويل بمرض السل ككل عمال المناجم البريطانيين في تلك الحقبة الزمنية . 

واختتم، "الروائية الإباحية البريطانية التي حققت مبيعات روايات بمئات الملايين من الدولارات بدأت الكتابة تحت اسم مستعار "E.L. James" ، لكنها احتفظت بالاسم بعدما ذاع صيتها و باعت عشرات الملايين من سلسلة الروايات "خمسون طيفا من الرمادي"، اسمها الحقيقي ايريكا ميتشل".

سهير عبد الحميد 

 

 - سهير عبد الحميد: الأسماء المستعارة امتهان لروح الكاتب 

من جانبها  تقول الكاتبة الصحفية والباحثة سهير عبد الحميد ، لطالما ارتأيت أن لجوء الكاتب إلى أن يمهر سطور كتاباته  باسم وهمي ونسبها إلى كيان آخر حتى لو كان  ذلك الكيان متخيلا ، امتهان لروح الكاتب وكينونته ومداد قلمه الذي هو  جزء من نسيج جسده لا يجب أن يفرط فيه، ولذا لم يخطر ببالي شخصيا أن الجأ إلى الكتابة  أبدا باسم وهمي، وحرصت عند النشر في أي مواقع صحفية على الاحتفاظ باسمي الذي اعتبره عنواني .

وتتابع " لاشك أن الكثيرين من الكتاب لجأوا إلى الاسم الوهمي لأسباب متباينة ربما كان أبرزها الهروب من تقاليد المجتمع ،خصوصا عندما كان يتعلق الأمر بالكاتبات كما هو الحال مع  مي زيادة ، التي استخدمت عدة أسماء في البداية للكتابة عن تحرر المرأة، وهناك الكاتبة عائشة عبد الرحمن التي لجأت إلى لقب "بنت الشاطىء " نسبة إلى شاطيء دمياط الذي شهد نشأتها الأولى خوفا من والدها .

 وتضيف، " لا تنطبق مثل تلك الحالات على المجتمعات الشرقية فحسب، فالكاتبة البريطانية جي كي رويلينج صاحبة السلسلة الشهيرة "هاري بوتر" لم تتمكن من كتابة اسمها  عندما أصدرت الأعداد الأولى من السلسلة لأن الناشر أخبرها أن المراهقين الذكور قد لا يقبلون على قراءة الكتب لأن المؤلفة امرأة .

وتري سهير عبد الحميد، أنه "ربما للسبب نفسه اختار مفيد فوزي أن يكتب عن العلاقة بين الرجل والمرأة لسنوات طويلة تحت اسم امرأة "نادية عابد" كما فعل إحسان عبد القدوس حين كتب عن المرأة بعنوان " زوجة أحمد" وقد جمع مقالاته تلك في كتاب فيما بعد".

وتختم "في أحيان كثيرة لجأ الصحفيون تحديدا إلى الاسم الوهمي رغبة في التخفي من الملاحقة  الأمنية ، كما فعل مصطفى أمين في الخمسينيات حين اختار اسم "مصموص" للكتابة على صفحات الأخبار منتقدا الأوضاع السياسية .

 

حسين دعسة 

 

- حسين دعسة: عانيت من اختلاق الأسماء الوهمية وأدركت أنها فوضى 

ومن جانبه  قال الكاتب الصحفي والناقد حسين دعسة لـ "الدستور"، "يعيش الكاتب حياة فيها قلق وتوتر وخوف، من واقع وشكل الحريات التي يجتهد، إلى كشف لذة الكتابة بحرية، وإلى المزيد  من الوعي والخروج للجمهور، بعيدا عن أثواب الشخصيات التي يتبادلها مع الذات.

وأضاف "في تجربتي الطويلة بين الإعلام والأدب والإدارة الثقافية، عشت، في سنوات حياتي العملية، مثل هذا الأمر، كانت لي فرص للعمل، محكمة بظروف، كان يجب أن تتحايل على وقائع ومتغيرات. 

 وأوضح "دعسة" ،" كتبت بإسمي الصريح وكتب باسمي الثلاثي من غير اسم العائلة، وكتب باسم ثنائي اسمي واسم الجد، ليس لمجرد اختلاق اسم جديد أو وهم كتابي بقدر حاجتي لمواكبة فرص عمل، بين الصحف والمجلات العربية والأردنية.

من تجربتي، عانيت من اختلاق الأسماء الوهمية، فقد أدركت أنها مجرد فوضى لا حياة لها، وقد خسرت عشرات التجارب المسرحية القصيرة جدا، التي نشرت في زاوية كنت أوقعها بـ “مسحور أفندي"، و يلجأ الكاتب وأحيانا المبدع إلى اختلاق الأسماء الوهمية بحثا عن الرزق، وغالبا لكي يمارس النشر والكتابة دون خوف من الآخر،  أو السلطة أو الرقابة المالية، وأحيانا الاختفاء من صوت العائلة، أو طبيعة العمل.

 وتابع ، “كتبت بدون اسم، وباسم مستعار لا يشبهني، ولا يدل على أصابع يدي، أو نظرات عيني، وكان ذلك أثناء خدمتي العسكرية في الجيش، وعندنا ممنوع المجند، أن يكتب في أي مجال، دون إذن خاص، وكان هذا من المستحيلات".

وليد علاء الدين 

- الأقنعة جزء من لعبة الإنتاج الإبداعي لكنها تعبير عن الضعف 

ومن جانبه قال  الكاتب الصحفي والروائي وليد علاء  الدين، أنه لم يحدث أن كتبت باسم وهمي من قبل، وفي ظني أن جزءا أصيلًا من عملية الإبداع يتمثل في المشاركة والاستعراض ولعلنا بعد تخليص كلمة استعراض من أطيافها السلبية نجد أنها ببساطة الرغبة في عرض ما نمتلك أو نفكر أو ننتج  وأن نتلقى ردود فعل بشأنه، سلبا وايجابا، لتطويره وربما لتثبيته،  وربما لتغييره أو للتخلي عنه والانتقال إلى غيره، وهو أمر  لا يحدث إلا من خلال الإمعان في التفكير في ما أنتجت في ضوء الآخرين، وقد تقودك محاولة للدفاع إلى اكتشاف ضعف أو رداءة، او عدم نضج ما تُنتج هذه الأمور لابد - كما أراها- أن تحدث بوجه مكشوف، وليس من وراء حجاب او ستار او قناع. 

وتابع  وليد علاء الدين، الأقنعة جزء من لعبة الانتاج الإبداعي ولكنها ليست سوى تعبير عن  ضعف أو خوف أو ارتياب، بسبب المجتمع او لاسباب نفسية او لاسباب فهم غير ناضج للإبداع وخلطه بأفعال مثل الدعوة والوعظ والرسالة وغير ذلك من أعمال مما يحصل صاحبها او يظن أنه يحصل على أجره بكتمان وجوده، كالصدقة وفعل الخير والنصح. 

 أما الابداع فهو فعل شديد الانانية من جهة وفعل  مواجهة إيجابي من جهة أخرى، ينتظر صاحبه اهتماما بما ينتج وأثرا له، أما التخفي فأظنه اختيارا خارجا عن عملية الإبداع تقوده دوافع نفسية أو مجتمعية او سياسية، ولعل من يتخفى لسبب من هذه الأسباب أو غيرها يتحرق شوقا للكشف عن نفسه واستقبال الدنيا بوجه.