رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مواجهة مشروع الإخوان بين الجد والهزل

 

أقول وأمري إلى الله وحده أننا إلى الآن لم نواجه جماعة الإخوان، ولم نقف ضد مشروعهم الذي سيسوا فيه الدين وجعلوه مشروعا، نعم نحن واجهنا التنظيم وقياداته وأفراده، ولكننا لم نواجه مشروعهم، بل إن بعضنا لا زال إلى الآن يروج لهذا المشروع وهو يظنه دينا، لا تؤاخذوني أيها الأصدقاء فكل ما نفعله هو قشور وشكليات، وهذه القشور ستساعد على إعادة بناء الإخوان لتنظيمهم مرة أخرى، أقول أيها الأصدقاء وفي فمي ماء أنني فكرت كثيرا في اعتزال الكتابة للأبد، فكرت في أن أكتب لنفسي على أن يتم نشر ما أكتبه بعد وفاتي، فالذي رأيته في العقد الماضي هو أن بعض المؤسسات التي يجب عليها أن تقوم بدورها في مواجهة المشروع الإخواني إنما تفعل ذلك من باب أن عملهم وظيفة، وليس رسالة، والعمل الوظيفي له شكلياته، فهم قاموا بواجبهم الوظيفي من الناحية الشكلية، وهم واجهوا المشروع شكليا، وهم قدموا تقاريرهم التي تمجد ما قاموا به ليحصلوا على المكافآت والأنواط، ولكنهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا ولم يحركوا ساكنا.

والسؤال الذي أطرحه هو هل نحن بالفعل نرغب في مواجهة مشروع الإخوان؟! نعم أنا موقن ومؤمن أننا واجهنا ونواجه التنظيم، ليس في هذا شك، ونحن نُضَيِّق على مصادر المال التي تذهب للتنظيم، ولكننا نستقبل في أحضاننا بكل الود والترحيب مشروع الإخوان الفكري.

يضيق صدري ولا ينطلق لساني، ولكن تفلت رغما عني بعض الكلمات أطلقتها تباريح الألم، ولكنني في النهاية أقول إنه لا يمكن تصحيح الانحراف الفكري إلا بالفكر، ولا يمكن تصحيح الانحراف العقلي إلا بالعقل، ومواجهة مشروع الإخوان لا يمكن أن تتم بشكل عشوائي، أو بالمشاعر والشعارات والصوت المرتفع، المواجهة تقتضي في البداية معرفة كيف يفكر الخصم الذي نواجهه، ومعرفة كيفية تأسيسه لتيار عام يتبنى أفكاره، ومعرفة منطلقاته الفكرية التي نرغب في مواجهتها، وقد وضع الإخوان في فترة السبعينيات خطة للتحكم في عقلية الجماهير وإدارة نفسياتهم تمهيدا لخلق تيار يؤمن بأفكارهم، أو بشكل أكثر دقة خلق تيار عام يؤمن أن أفكار الإخوان هي الإسلام نفسه، ومن خلال هذا التيار يستطيع الإخوان تجنيد الآلاف من الشباب ليكونوا من أعضاء التنظيم، ومن خلال هذا التيار أيضا يستطيع الإخوان نشر أفكارهم العقائدية بين عموم الجماهير.
والتيار العام ليس هو التنظيم، ولكن التيار العام هو ما أطلقوا عليه التيار الإسلامي، ومن خلال هذا التيار يتم تجنيد الأفراد وإدخالهم للجماعة، فالإخوان وجماعات هذا التيار لا تدخل إلى البارات وأماكن اللهو وأماكن المعصية ، أو الأماكن التي يُمارس فيها الفساد ليقوموا بتجنيد أفرادهم، فليس من ضمن مشروعهم هداية الضالين، ولكنهم يذهبون إلى المساجد في المقام الأول لاصطياد من انتمى لهذا التيار وتكونت لديه بعض القشور الدينية والمشاعر الإيمانية، فهذا هو من يصلح لدخول الجماعة، وهو أيضا من يصلح لتكوين شخصيته من جديد على النسق الإخواني التنظيمي.
كانت فكرة خلق التيار هي الفكرة التي كتبها محمود عبد الحليم مؤرخ الإخوان وعرضها على عمر التلمساني وقد أورد محمود عبد الحليم قصة هذه الفكرة في حوار له بجريدة القاهرة التابعة لوزارة الثقافة عام 2000 في حوار له مع الباحث حسام تمام عليه رحمة الله.
وكانت فكرة خلق التيار العام هي أهم ما يشغل الإخوان في هذا الوقت، ذلك أن عمر التلمساني وهو يبحث عن طريق آمن يسير فيه الإخوان وجد أن الجماهير لم تتعاطف معهم عند القبض عليهم في حكومة النقراشي قبل اغتياله، ولم تتعاطف معهم  عند مقتل حسن البنا، ولم تتعاطف معهم عندما اعتقلهم جمال عبد الناصر، وظلت حركة الإخوان محصورة داخل التنظيم فقط ، ففكروا : ما هو الحل؟ وكيف نصنع تيارا يؤمن بنا ولا ينتمي لتنظيمنا، ولكن يمكن أن نحركه وقت أن نشاء؟ كانت الفكرة هي الخروج بالدين من داخل التنظيم إلى خارجه، ليس المطلوب أن تأخون الأعضاء التنظيميين فقط، ولكن هناك وسائل تجعلهم يأخونون المسلم العادي عن طريق نشر أفكارهم وعقيدتهم المنحرفة والترويج لها عن طريق دعاتهم وعلمائهم، والزعم أنها هي الدين، ولأن صناعة التيار تختلف عن صناعة التنظيم لذلك لم يهتم الإخوان وهم يصنعون تيارهم إلا بنشر بعض القشور التي لا علاقة لها بالعقيدة الصحيحة، ولكن كان لها أهمية كبيرة وخاصة من ناحية استغلال المشاعر الدينية.
لذلك اعتمدت فكرة خلق التيار على الآتي: صنع مظلوميات وإظهار الجماعة بمظهر الجماعة المضطهدة لأنها تريد تطبيق الإسلام، والادعاء أن العالم يحارب الإسلام وأن كل مسلم ينبغي أن يكون جنديا في جيش الإسلام، أو ما أطلقوا عليه جيش محمد، ونشر بعض المظاهر الدينية الشكلية والترويج لها على أن إيمان المسلم لا يقوم إلا بها، صنع زعامات دينية مثل الشيخ كشك والغزالي وصلاح أبو اسماعيل وغيرهم، ثم تشويه الزعامات الوطنية الحقيقية، والنيل منها، واغتيال من مات منهم ليقتلوه مرة أخرى، مثلما ادعى الراحل محمد عمارة عضو كبار علماء الأزهر أن طه حسين تنصر وانه كان لسانا للشيطان، وتشويه تاريخ سعد زغلول ومن قبله أحمد عرابي، ثم صنع زعامات تاريخية لهم يعطون لها قداسة مثل حسن البنا وسيد قطب، ولأنهم عجزوا عن اغتيال جمال عبد الناصر لذلك قاموا باغتياله وهو ميت، فنشروا الخرافات عن تعذيبهم في السجون وألفوا الكتب على لسان قديستهم زينب الغزالي كاذبة القرن العشرين، وأشياء أخرى كثيرة يحتاج الحديث فيها إلى دراسة مطولة.
وكانت فكرة الإخوان التي اتبعتها معهم جماعات الإرهاب الديني هو خلق واقع بديل لواقع مجتمعنا، وفتح أبواب هذا الواقع البديل لتدخل فيه الجماهير العادية، والواقع البديل يجب أن يكون واقعا مجتمعيا يرتبط بحركة الجماهير وحياتها، وإذا كان الناس قد تعودوا على أن ينعقد عقد الزواج في بيوتهم ويأتي المأذون إليهم  فليعقد الإخوان وجماعات الإرهاب الديني عقود زواجهم في المساجد وإذا كانت أفراح الناس تنعقد على أسطح البيوت أو في الفنادق فلتنعقد في المساجد، وبعد سنوات قليلة تم إنشاء قاعات في المساجد تنعقد فيها الأفراح.
ولم يكن من المعتاد أن يعقد الناس مآتمهم في المساجد إذ كانت في سرادقات أمام البيوت والآن وبعد سنوات قليلة تعود الناس على عقدها في قاعات المساجد، واصبح أمرا مجتمعيا عاديا.
وأصبح بعد سنوات قليلة الحجاب عادة اجتماعية، ولفترة من الفترات حاول الإخوان خلق مجتمعا فنيا خاصا بهم، وكان من أثر ذلك مسرحية بكالوريوس في حكم الشعوب التي غيروا اسمها إلى "شقلبة" وهي تتهم حكام العالم الإسلامي بأنهم عملاء لأمريكا وإسرائيل، ودخل هذه المسرحية في مسرح نقابة المهندسين الآلاف، لكن مسرحية "إحكي يا درة" كانت أكثر نجاحا وانعقدت في أحد مسارح الدولة ودخلها الآلاف، واستغل الإخوان النقابات المهنية لإنشاء مسرح بديل يضع فيه الإخوان أفكارهم ويدعون الجماهير لمشاهدة مسرحياتهم.
ومن خلق الواقع البديل إنشاء مدارس يشار لها بأنها مدارس إسلامية، وكانت هذه المدارس تناسب كل الطبقات الاجتماعية، حتى أن بعض كبار المسئولين في جهات مختلفة كانوا يدخلون أولادهم في تلك المدارس.
وكذلك المستشفيات والمستوصفات الإسلامية ومنها الجمعية الطبية الإسلامية، واستغل الإخوان أيضا مستشفيات الجمعية الشرعية.
أما الأهم فهو تأسيس شركات سياحة الحج والعمرة، واستخدام تلك الرحلات من خلال علماء دين تابعين لتلك التيارات في استقطاب أعداد كبيرة للإيمان بمنطلقات هذا التيار وأفكاره
وكان مما سعى الإخوان له صنع شركات توظيف الأموال الدينية، مما جعل معظم البنوك تنشأ فروع إسلامية وأصبحت الفروع الإسلامية أمرا واقعا.
وبذلك يكون في المجتمع مؤسسات موصوفة بالإسلامية تقدم خدمات جيدة ورخيصة وفي متناول المواطن العادي، ومؤسسات ليس لها وصف الإسلامية وغالية الثمن ولا تقدم خدمة جيدة.
ثم بدأ الإخوان، وجماعات الإرهاب الدينية بعد ذلك في التلاعب بعقول الجماهير التي تأثرت بالتيار العام لها، والتلاعب بالعقول هنا يستهدف تطويع الجماهير لتحقيق أهداف تلك الجماعات، خاصة وأن تلك الجماعات مارست وستظل تمارس خدعة تضليل عقول الجماهير لتظل مرتبطة بها، فتضليل العقول هنا هو الأداة الرئيسية لتظل الجماعة مسيطرة على تيارها، والتيار كما قلنا ليس هو التنظيم، فالتنظيم هو أداة الجماعة لتوسيع دائرة التيار ولإدارة التيار في عمومه، وهي تكون دائما إدارة نفسية ومعنوية، ودينية. وهذا ما يطلق عليه علماء الاجتماع إدارة العقلية الجمعية للجماهير.
هذا الموضوع بتفاصيله يستحق كتابا كاملا، ودراسة تفصيلية، ولكن الله وحده هم علام الغيوب، ولأن صدري ضاق ولم يستطيع الصدر الضيق أن يكتب أفكارا، لذلك انتظروا مني بعد ذلك كل أسبوع قصصا ساخرة وعبثية.