رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاتب الأمريكي بول أوستر: المعاناة هي التي تُنتج الفن

الكاتب الأمريكي بول
الكاتب الأمريكي بول أوستر

اشتهر الكاتب الأمريكي بول أوستر، برواياته القيّمة والرائعة، حيث صدرت له "ثلاثية نيويورك" و"قصر القمر" منذ أكثر من 30 عامًا، واتخذت مسيرة أوستر المهنية اللاحقة شكلًا أكثر تطورًا.

جاءت روايته "4321"، التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر، فيما يقرب من 1000 صفحة من الخيال التأملي، وفيها بحث حول مختلف المسارات الممكنة في الحياة. الآن في واحدة من مغامراته في الكتابة غير الخيالية كتب في 800 صفحة كتابًا آخر متكامل حول حياة الروائي والشاعر ستيفن كرين الذي عاش حياة قصيرة ومات في عمر الثامنة والعشرين. 

يمكن أن تُقرأ أعمال كرين الكاملة في عطلة نهاية الأسبوع، ومع ذلك، فإن كتاب أوستر ضخم ومميز أيضّا، جزء منه سيرة ذاتية والآخر نقد أدبي. يأخذك أوستر إلى أعماق هوسه الخاص بكتابات كرين غير العادية والراديكالية، ويكاد يكون من المستحيل ألا يصيبك حماسه بالعدوى.

ويأتي هذا الحوار لبول أوستر مع صحيفة "الجارديان" البريطانية على خلفية صدور كتابه الجديد "الفتى المُتقد: حياة وأعمال ستيفن كرين".

  • لماذا اخترت الكتابة عن ستيفن كرين؟

-قرأته مبكرًا، حينما كنت طالبًا في المدرسة الثانوية، كما فعل الكثير منا في ذلك الوقت. كانت "شارة الشجاعة الحمراء" مقررة للقراءة لدى غالبية طلاب المدارس الثانوية. ولكن بعد ذلك ابتعدت عن قراءة كرين.  بعد أن أنهيت روايتي "4321"، كنت منهكا حقًا وأدركت أنني لن أتمكن من الكتابة لبعض الوقت، لذلك أخذت عطلة عدة  أشهر لإعادة شحذ طاقتي. خلال ذلك الوقت، قرأت الكثير من الأشياء التي كنت أود قراءتها طوال حياتي، بدأت في قراءة كرين مرة أخرى.  

أول شيء قرأته كان رواية "الوحش"، التي لم أكن سمعت بها من قبل. لقد استحوذت عليّ وشعرت بالصدمة من روعتها وعمقها. دفعتني هذه الرواية لقراءة كل شيء آخر كتبه، وظل إعجابي يزداد. بحلول الوقت الذي أتممت فيه قراءة عمله، بدأت في البحث حول حياته وأدركت كم كانت مدهشة بعمق. أخيرًا، قررت أن أكتب تقديرًا قصيرًا لكرين.

  • قصير؟

-كانت تلك خطتي: 150 أو 200 صفحة. ثم أدى شيء إلى آخر.  أعلم إنه كتاب ضخم لحياة كانت قصيرة إلى هذا الحد ومن الغريب جدًا أنني كتبت عنه كثيرّا لكنها ليست مجرد سيرة ذاتية، هو أيضًا قراءة لعمله: إنه يتراوح بالتساوي بين الاثنين.

  • إنه كتاب يعلمنا كيف نحب كرين.. هل تعرف نفسك كمعلم؟

-لقد درّست لمدة خمس سنوات في جامعة برينستون، كانت هذه ورش عمل للكتابة. أصبت بالرعب من ذلك؛ خمس سنوات من التدريس ولا يزال لدي رعب من الكتابة الإبداعية. إما أن يكون لديك خيال أو ليس لديك؛ إما أن يكون لديك إحساس باللغة أو لا. كان لدي شعور بأنني رجل عجوز أتحدث إلى الشباب في هذا الكتاب. ليس في فصل دراسي، ولكن حول مائدة العشاء وأشارك بصيرتي وحماسي لهذا الكاتب وعمله.

  • ما سبب إعجابك بكرين جزئيًا؟

-إنها الطريقة الوحيدة التي أفهم بها الكتابة. من المؤكد أن هذه هي الطريقة التي عشت بها طوال حياتي، وهذا هو حال كل كاتب آخر أحترمه؛ الهوس بالكتابة. لست متأكدًا من كيفية إبداع أي فن إذا لم تتعامل معه بجدية شديدة، إذا لم تكن مهووسًا بفعله بشكل أفضل في كل مرة.

  • كان كرين فقيرا جدًا.. هل نحتاج إلى المعاناة من أجل فننا؟

-من أجل إطلاق العنان للعمل الجيد، يجب أن يكون هناك شيء فيك يشعر بعدم التوازن. ليس بالضرورة ضائقة مالية، فقد تكون وجدانية أو عاطفية. أيا كان المصدر، الشيء الذي خلخل من توازن الحياة بالنسبة لك، فالمعاناة هي التي تولد الفن.

  • كيف أمضيت فترة الحجر الصحي؟

-على عكس معظم الناس، ليس لدي وظيفة، لذلك لم أفقد وظيفتي. أنا وسيري كاتبان وواصلنا ما نقوم به. أعتبر أننا محظوظين جدًا جدًا. هنا في الربيع الماضي بنيويورك، كنا في بؤرة الأزمة. كان الأمر مرعبا، فالأصوات الوحيدة في الشارع كانت لسيارات الإسعاف، ولم يكن هناك صوت في أي مكان، فقط الطيور التي عادت تتدفق مرة أخرى في مكان مغلق. الطيور التي لم نشاهدها منذ عقود. لكن بخلاف ذلك، مجرد مساحة ميتة، صمت وسيارات إسعاف.

  • كيف تُنظّم كتبك؟

-بطريقة غريبة وهو نظام طوّرته على مدى سنوات عديدة. الكتب موزعة في جميع أنحاء المنزل. لذا في غرفة الضيوف بالطابق السفلي لديّ كل كتبي عن الرياضة وكل روايات الجريمة وكتب الأفلام الخاصة بي. اعتقدت أن كل هذه الكتب ستكون ممتعة حقًا لأي شخص يقضي الليلة هنا. في الطابق العلوي في الغرفة الكبيرة التي نسميها المكتبة، لدينا الأدب فقط؛ كتب الفن على طول جدار واحد، لكني قمت بعمل الأدبيات بترتيب زمني يبدأ بجلجامش ثم من خلال الإغريق والرومان والعصور الوسطى ثم أقسم كل منهم حسب البلد.  أما في الطابق العلوي لدينا مكتبة أخرى وهي غرفة سيري وكلها كتب الفلسفة وعلم النفس. 

  • ما هي الرواية الكلاسيكية التي قرأتها مؤخرًا لأول مرة؟ 

-"إلى الفنار" بقلم فيرجينيا وولف. من أجمل الروايات التي قرأتها في حياتي وأكثرها إثارة.

  • أي كتاب ستعطيه لطفل يبلغ من العمر 12 عامًا؟

-أعتقد أنني سأقدم له "مغامرات أليس" البالغة من العمر 12 عامًا في بلاد العجائب. سيكون هذا الشخص كبيرًا بما يكفي لقراءته بدون مساعدة أحد الوالدين وفهم كم هو رائع وخيالي ومجنون تمامًا. الشيء الرئيسي في إعطاء الكتب للصغار هو أنك تحتاج حقًا إلى أن تُظهر لهم متعة القراءة المطلقة، والمتعة التي يمكن أن تجلبها له وهذا ما يخلق حب القراءة. إذا كنت سأعطي كتابًا لمن يبلغ من العمر 15 عامًا، فسأعطيه "كانديد"، كان هذا عمري عندما قرأته وغير حياتي، لقد صدمت واستلهمت من ذلك. هذا ما يمكن أن يفعله كتاب رائع عندما تكون صغيرًا.