باحثة: الانتخابات الألمانية «تاريخية» لمشاركة 60 مليون مواطن
كشفت النتائج الأولية المُعلنة للانتخابات الألمانية التي أجريت يوم أمس الأحد، وشارك فيها ما يقرب من 60.4 مليون مواطن لهم حق التصويت، وتنافس فيها إجمالي 47 حزبًا، عن فوز حزب الديمقراطيين الاشتراكيين من يسار الوسط بقيادة "أولاف شولتز" -وزير المالية الاتحادي ونائب المستشار منذ مارس 2018- بـ 25.7% من الأصوات، بفرق ضئيل على كتلة المحافظين التي تتضمن حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي وشقيقة الحزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي بزعامة "أرمين لاشيت" بنسبة 24.1% فيما احتل حزب الخضر المرتبة الثالثة بنسبة 14.8%، والديمقراطيون الأحرار فحصل على 11.5%.
في هذا السياق أجرت آية عبدالعزيز، الباحثة في المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، دراسة تحليلية لعملية الانتخابات الألمانية، مؤكدة أن عملية التصويت قد جمعت بين السماح للمواطنين بالتوجه لمراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، أو من خلال التصويت البريدي الذي تم استخدامه لأول مرة في عام 1957، تسهيلاً على الناخبين في إطار الجائحة، وقد بلغ عددهم ما يقرب من 40% ممن لهم حق التصويت وفقًا لتوقعات الإدارة الاتحادية للانتخابات التي اعتمدت على استطلاع للرأي قدمته القناة الأولى، وهي نسبة مرتفعة مقارنتها بانتخابات عام 2017 التي بلغت فيها نحو 28.6%.
ولفتت الباحثة أن ذلك يعني خسارة كبير للحزب الحاكم الذي كان قد تصدر في الانتخابات السابقة عام 2017 بنسبة 32.9%، مقابل تقدم كل من الاشتراكيين الديمقراطيين لكونهم قد حصلوا سابقًا على نسبة 20.5%، أما الخضر فكانت بنسبتهم 8.9%، وهو ما يعد نجاحًا لهم رغم إنه لم يرتقي إلى مستوى طموحهم.
وأكدت أنه تعد هذه الانتخابات تاريخية لما سيترتب عليها من اختيار أعضاء البرلمان الألماني الذي بدوره سيقوم باختيار المستشار في أول جلسة سيتم عقدها خلال فترة لا تتجاوز الثلاثين يومًا، بعد أن يحصل على أغلبية الأصوات، وبعدها سيقوم المستشار بعقد المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة التي من المُحتمل أن تكون ائتلافية، وهو ما سيتطلب شهورًا لتكوينها تبعًا للتوافقات التي ستتم بين القوى السياسية، وهو ما حدث على سبيل المثال إبان انتخابات عام 2017، إذ تشكلت الحكومة وأُعيد انتخاب المستشارة في مارس 2018، فيما كانت الانتخابات في 24 سبتمبر 2017.
وأضافت الباحثة في دراستها، أنه تعد هذه العملية نتاجًا لنظام انتخابي مُعقد يتم من خلال تصويتين؛ الأول لاختيار المرشح في كل دائرة من إجمالي 299 دائرة انتخابية في البلاد لتمثيل كافة المناطق في البرلمان، أما الثاني لاختيار الحزب الذي يساهم في توضيح شكل الأغلبية الحزبية التي يسفر عنها منصب المستشار، وقد أسفرت هذه الانتخابات عن صعود اليسار مرة ثانية بعد ما يقرب من 16 عاما من سيطرة المحافظين على البلاد، الأمر الذي اعتبره "شولتز" نصرًا عظيمًا، قائلًا إن "العديد من الناخبين أوضحوا أنهم يرغبون في إحداث "تغيير في الحكومة" وأن يكون اسم المستشار المُقبل هو أولاف شولتز".
وتابعت أنه جاء الصعود المفاجئ لليسار بشكل تدريجي على خلفية عدم وجود منافس قوي له يستطيع خوض هذه الانتخابات بكفاءة وفعالية، ويستطيع حشد أكبر عدد من المؤيدين من خلال السياسات الذي سيتبناها في سياق تنامي جائحة كورونا التي ألقت بظلالها على السياق الانتخابي، وأثرت على شعبية الناخبين في استطلاعات الرأي، وفي المناظرات التي عقدت قبل هذه الانتخابات، وساهمت في الكشف عن التحديات التي يواجهها المتنافسون الثلاثة وقصور رؤيتهم.
وأشارت إلى رغبة الرأي العام الألماني في تحسين الأوضاع الداخلية، واستحداث أنظمة جديدة لدافعي الضرائب تكون متوافقة مع المواطنين، بجانب الالتزام بالتحول الأخضر خاصة بعد موجة الفيضانات التي تعرضت لها البلاد، وأسفر عنها العديد من الخسائر المادية والمالية، مع ضرورة إيجاد مصادر نظيفة للطاقة بدلًا عن الطاقة النووية والفحم التي سيتم التخلي عنهم بحلول العام المقبل في سياق الجائحة التي كشفت عن بعض الثغرات التي تعاني منها برلين مثل البيروقراطية التي نتج عنها بطء عملية التلقيح، بالرغم من إنها من أقل الدول في عدد الوفيات والأضرار الاقتصادية التي لحقت بها.
وأكدت أنه في المقابل عمل "شولتز" على الاستفادة من هذه الأخطاء بالرغم من وقوعه في بعضها، لكن بمقارنتها بمنافسيه كانت أقل، كما إنه مع انطلاق حملته الانتخابية لحزبه تعهد بإدخال إصلاحات اقتصادية، وتوفير ظروف أفضل للعمال، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وتقوية النظام الصحي والتعليم والمواصلات العامة، وبناءً على ذلك، هناك احتمال كبير أن يحظى حزب يسار الوسط بتشكيل الحكومة التي من المتوقع أن تكون ائتلافية بالتعاون مع شريكين صغيرين بعد الانفصال عن المحافظين، مما قد يطرح حكومة ائتلافية تتكون من ثلاث أحزاب ليمثل نقلة جديدة في التشكيل الحكومي عن سابقتها.
وشددت «عبدالعزيز» أن هذا لا ينفي استثناء المحافظين من المشهد نظرًا لتأكيدهم على أنهم يرغبوا في تشكيل الحكومة، الأمر الذي يطرح خيارات مُحتملة للحكومة المُقبلة فهناك افتراض يتضمن التحالف الأول بقيادة الديمقراطيين الاشتراكيين مع الخضر، والديمقراطيون الأحرار بسبب تقاربهم في السياسات والتوجهات رغم اختلاف آليات تنفيذها ومعارضتهم للمحافظين أيضًا، أما التحالف الأخر فهو بين حزبي الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاجتماعي المسيحي، والخضر والديمقراطيون الأحرار.
واختتمت دراستها أن ذلك سيكون نتاج لتفاهمات وحسابات سياسة، وتحمل بعض التنازلات من قبل المحافظين للقوى المشتركة معهم لإقناعهم بالتحالف معهم ضد الاشتراكيين، وهو ما سيعد أمرًا مفاجئًا قد يحدث لكن وفقًا لعدد من الاحتمالات، أما الافتراض الأخير فقد يتم التحالف بين المحافظين والاشتراكيين دون أحزاب صغيرة، وهو ما يعد احتمال ضعيف حتى الآن نظرًا لانتقاد الاشتراكيين لهم سابقًا في سياق الحكومة السابقة.