«مجتمع ما بعد المعلومات» يبشر بظهور «الموجة التكنولوجية الخامسة»: الإنسان خارج اللعبة
بعد مرور نحو عقد من الزمان على ظهور وسائل التواصل الاجتماعى، التى كانت لاعبًا رئيسيًا فى عمليات التحول الإنسانى فى عصر مجتمع المعلومات، واعتُبرت رابع الموجات الحضارية التى عرفتها البشرية، يترقب العالم ظهور موجة تكنولوجية جديدة، تتقلص معها أدوار الإنسان داخل الحياة.
وجاء كتاب «مجتمع ما بعد المعلومات.. تأثير الثورة الصناعية الرابعة على الأمن القومى»، للكاتب إيهاب خليفة، الصادر عن دار العربى للنشر، ومركز المستقبل للدراسات والأبحاث المتقدمة بأبوظبى، ليوضح ملامح الموجة الخامسة من التطور القادمة علينا، والتى يبدو أنها ستكون لها العديد من التحولات التى لم تكن فى الحسبان.
ويقول الكاتب إنه فى الموجة الخامسة يقف العالم على أعتاب ثورة نوعيَّة جديدة، يقودها الذكاء الاصطناعى Artificial Intelligence، وإنترنت الأشياء Internet Of Things، والطابعات ثلاثية الأبعاد، والعملات الافتراضية Virtual Currencie، والشرائح الذكية المزروعة فى جسم البشر Microchip Implant، وغيرها من التقنيات الذكية.
وتكشف مقدمة الكتاب عن أن من شأن هذه الثورة أن تغير ليس فقط من هياكل الإنتاج، وخصائص المجتمعات وموازين القوة، بل تغير أيضًا من المنظور المعرفى للبشر تجاه الأشياء بصورة عامة؛ فالبشرية أصبحت على وشك التحول نحو جيل جديد من المجتمعات، حيث ينذر هذا التحول بظهور مجتمع فائق الذكاء تكون فيه اليد العليا للآلة على الإنسان، وتتحقق فيه نبوءات أفلام الخيال العلمى بتآكل المجتمع من داخله، عبر إزالة الخطوط الفاصلة بين ما هو إنسانى وما هو مادى، ويتعدى ما تمت تسميته مجتمع المعلومات؛ ليظهر «مجتمع ما بعد المعلومات».
ويأتى المجتمع الخامس، الذى يمكن أن نطلق عليه من الآن «مجتمع ما بعد المعلومات»، بعد ٤ أجيال رئيسية مرت بها الإنسانية، وهى مجتمعات الصيد، والزراعة، والصناعة، والمعلومات، وأخيرًا المجتمع الخامس Fifth Society أو مجتمع ما بعد المعلومات، وهو ذلك المجتمع الذى تندمج فيه المعلومة والآلة مع عقل الإنسان.
وهذا التحول ليس الأول الذى تحدثه التطورات التكنولوجية، إلا أنه قد يكون التحول الأقوى، وهو ما يجعل من الخطورة تجاهل نتائجه على المديين البعيد والمتوسط، فالموجة الخامسة ستغير طرق التواصل بين الأفراد، مثلما حدث عبر التاريخ منذ اختراع الطباعة وصولًا إلى اختراع الهاتف وحتى زمن شبكات التواصل الاجتماعى.
ويحكى لنا الكتاب عن التحولات التى ستحدث فى حياة الإنسان الذى بدلًا من أن يستخدم خرائط جوجل للوصول إلى مقصده ستقوم السيارة ذاتية القيادة بنقله فى مجتمع ما بعد المعلومات، كما يستعرض إيهاب خليفة تأثير التكنولوجيا على الهويات والثقافات، وذلك بفعل تأثير العولمة، التى جعلت العالم قرية صغيرة، فسهولة الاتصالات ورخص تكلفتها سهلا عملية التواصل بين الحضارات والثقافات، ولكنهما جعلا من الثقافة الغربية المنتجة للتكنولوجيا هى المهيمنة، بعد أن قدمتها التطورات المتواصلة على أنها ثقافة عالمية للجميع، وهو ما جعل خصوصية المجتمعات، موضع تهديد حقيقى.
ويضم الكتاب ٤ فصول يتناول الأول إرهاصات التحول من مجتمع المعلومات إلى «مجتمع ما بعد المعلومات»، والخصائص الأولية لهذا المجتمع الخامس؛ ثم يقدم الثانى التطورات التكنولوجية والتقنيات الذكية التى سوف تقود الثورة الصناعية الرابعة، بما تشمله من عملية تحديث سريع على جميع المستويات، ويناقش الثالث التهديدات الأمنية الجديدة للأمن الوطنى للدول فى «مجتمع ما بعد المعلومات»، بينما يختتم الفصل الأخير بحث تأثير هذه التقنيات الذكية الجديدة على إعادة صياغة مفاهيم القوة والحرب والدفاع والردع فى العلاقات الدولية.
ويعد أبرز ما تناقشه الدراسة، تأثير تلك التطورات التكنولوجية على صياغة التفاعلات الإنسانية سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وبنظرة أولى لما يحدث حاليًا نجد أن هذا التأثير يقود العالم لعدة متغيرات، فهو يعطى فرصًا أكبر للدول سريعة التطور حتى لو كانت صغيرة، فالاستثمار فى التكنولوجيا يزيد من قدرة الدول الصغيرة على التأثير فى العلاقات الدولية التى ظلت لعقود حكرًا على الدول الكبرى التى تعتمد على مساحتها وعدد سكانها ومواردها الطبيعية، كما سيشكل العصر الجديد أنماطًا مستحدثة من الصراع على المعلومات الشخصية للأفراد، وفهمًا أدق لتوجهات المجتمعات وخصائص أفرادها.
ويطرح الكتاب سؤالًا مهمًا حول تأثير الثورة الصناعية الرابعة على تصحيح مسار البشرية التى أنهكتها الصراعات بين الأقوياء والأثرياء وأرهقتها العصبية والعنصرية، ولذلك فالتكنولوجيا فى مجتمع ما بعد المعلومات تطرح تساؤلات أخلاقية وواقعية وسلوكية باتت تحتاج لإجابات تتناسب مع تداعيات الواقع الجديد.
ويقول الكاتب إن العدالة الاجتماعية فى الموجة الخامسة على المحك أيضًا، فالأغنياء أكثر قدرة على الحصول على التقنيات فائقة الذكاء، والتطورات التى تختصر الزمان والمكان قد تكون لدى الأغنياء فقط، متسائلًا: هل سنحصل على تكنولوجيا للأغنياء وأخرى للفقراء قبل أن تنخفض تكلفة المنتجات الجديدة وتصبح فى متناول الجميع؟
ويضيف أن المجتمع الجديد سيغير هيكل وشكل الوظائف، وسيشهد اختفاء بعض المهن، فالاعتماد المتزايد على الذكاء الاصطناعى من شأنه أن يؤدى لخسارة الكثير من الوظائف، متسائلًا: «هل تكون التكنولوجيا الجديدة تهديدًا لسوق العمل؟».