رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

التفاتة رئاسية لقوتنا الناعمة

 

لمتابعة منظومة دعم وحماية العاملين بالمجالات الفنية، وتطوير الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، اجتمع الرئيس عبدالفتاح السيسى، أمس الأحد، مع الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، والدكتور محمد معيط، وزير المالية، وهشام توفيق، وزير قطاع الأعمال العام، ونيفين القباج، وزيرة التضامن الاجتماعى، ومحمد أمين، مستشار رئيس الجمهورية للشئون المالية، وجمال عوض، رئيس مجلس إدارة الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى.

البيان الصادر عن السفير بسام راضى، المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، قال إن الرئيس اطلع، خلال الاجتماع، على جهود تطوير تلك المنظومة وعلى المحاور الخاصة بشأن تحسين معاشات أعضاء النقابات الفنية والتشكيلية، التى تضم كل الفئات الإبداعية والفنية، وحصر موقفهم التأمينى، سواء الاجتماعى أو الصحى، بالإضافة إلى مقترحات إصلاح الإطار التشريعى لتحسين الضمان الاجتماعى ورعاية أعضاء تلك النقابات، مع توفير مصادر تمويل للمنظومة الجديدة، والاستفادة من التجارب الدولية المماثلة.

الرئيس وجّه، أيضًا، بتدقيق قاعدة البيانات الخاصة بحصر وتسجيل الفنانين بمختلف فئاتهم بالتنسيق والتعاون مع النقابات الفنية المختلفة، حتى تشملهم برامج الحماية التأمينية والرعاية الاجتماعية ضد المخاطر المتنوعة، مثل الشيخوخة والعجز وغيرهما، والتى قد تعوقهم عن أداء عملهم، خاصة ما يتعلق بالعاملين بالقطاع الفنى، الذين لا يتمتعون بوظائف منتظمة ولا يمتلكون مصادر بديلة للدخل، وذلك بهدف توفير سبل المعيشة الكريمة لهم ولأسرهم. 

نحن أمام التفاتة رئاسية لقوتنا الناعمة، أو خطوة من بين خطوات عديدة تؤكد أن مصر لديها الإرادة السياسية لاستعادة دورها ومكانتها وتعزيز وحماية قوتها الناعمة على الأصعدة الفنية والإبداعية والثقافية، التى طالما مثلت إرثًا متميزًا لمصر فى المنطقة والعالم كمنارة للفن والإبداع. وتأكيد جديد على إيمان الدولة بدور الإبداع، وبأن عناصر القوة المصرية ليست عسكرية أو «صلبة» فقط، بل ناعمة أيضًا، تستند إلى ثقافتها وآدابها وفنونها، التى لا ينقصها غير بعض التشجع والمزيد من الدعم والاستثمارات فى المجالات المرتبطة بها، مع وضع استراتيجية تتناسب مع مصالحنا الوطنية، وتتكامل مع المسار التنموى القومى.

الواقع يقول إن مصر استطاعت أن تكون لها بصمات واضحة فى غالبية القضايا العربية، واستعادت دورها الإقليمى التقليدى، الذى ثبت أنه لا غنى عنه، وعجز بعض القوى العربية والإقليمية عن انتزاعه. غير أن الأرقام تقول إنها تحتل المركز رقم ٤٣ فى مؤشر صادرات الخدمات الإبداعية والثقافية. ولو اتخذنا التقارير الدولية معيارًا للتقييم، يمكننا استنتاج أن صعود القوة الناعمة المصرية ارتبط بصعودها فى محيطها العربى والإقليمى، والعكس.

الثابت هو أن الثقافة والسينما والدراما التليفزيونية، لعبت دورًا مهمًا فى تعزيز مكانة مصر فى محيطها العربى والإقليمى، منذ ثلاثينيات القرن الماضى، وبرز هذا الدور بدرجة أكبر خلال الخمسينيات والستينيات، قبل أن يتم اختراق منظومة القيم والثقافة الوطنية المصرية، وتتراجع قوة مصر الناعمة، نتيجة تراجع عناصرها الأساسية، وصعود قوى عربية وإقليمية، استطاعت أن تسحب البساط، إلا قليلًا، ما أدى إلى تراجع التفاعل الإيجابى، عربيًا ودوليًا، مع القضايا المصرية، وصولًا إلى حالة التعتيم غير المنطقية على حجم التحولات والإنجازات التى حققتها مصر، خلال السنوات السبع الماضية.

منذ أن كان مرشحًا للرئاسة، أكد الرئيس السيسى أنه يعى أهمية دور القوة الناعمة فى بناء الإنسان والمجتمع، وإعادة تشكيل الوعى ومواجهة التعصب، وما تمثله من قوة دفع مباشرة لجهود تثبيت الدولة وتطويرها. وعليه، كان متوقعًا أن تسعى مصر، فور توليه الرئاسة، وبعد أن استعادت توازنها الداخلى، إلى استعادة تأثيرها الثقافى القوى، ودورها الفكرى الرائد فى محيطها العربى والإقليمى، بعد سنوات طويلة من التراجع. كما كان منتظرًا أن تشهد الحركة الإبداعية تطورًا ملحوظًا، يليق بوزنها فى المنطقة، تسترشد فيه بتجارب العديد من الدول.

إلى جانب تفوقها العسكرى والاقتصادى، تملك الولايات المتحدة أقوى منظومة متكاملة للسيطرة على الرأى العام، المحلى والدولى، والتلاعب بالعقول. وفى مواجهة ذلك، قام المؤتمر الـ١٧ للحزب الشيوعى الصينى، بوضع استراتيجية من ٣ عناصر للنهوض بالآداب والفنون، والاهتمام بالسينما وتطوير أدوات العمل التليفزيونى. وعلى النهج نفسه طالب الرئيس فلاديمير بوتين بضرورة توسيع الحضور الثقافى الروسى فى العالم، مؤكدًا أن تصدير الثقافة يساعد فى الترويج للسلع والخدمات، بينما تصدير البنادق وفرض الأنظمة السياسية بالقوة لن يحقق ذلك.

استخدام القوة الناعمة فى بناء الإنسان وكأداة فاعلة لإظهار الوجه الحضارى للثقافة والفنون المصرية، أكدته أيضًا خطوات ومبادرات رئاسية عديدة، تهدف إلى تعزيز قوة وحضور الفن والإعلام فى معركة الوعى. ولا يبقى، كما أوضحنا منذ سطور، غير بعض التشجع وزيادة الاستثمارات، ووضع استراتيجية تتناسب مع مصالحنا الوطنية، وتتكامل مع المسار التنموى القومى، وترسخ مبادئ تأسيس الجمهورية الجديدة: الجمهورية الثانية.