«سلخانات التعذيب».. مصحات غير مرخصة تقتل المدمن قبل التعافي
رغم صعوبة رحلة التخلص من المخدرات وأثرها السام، إلا أن آلالاف الأسر ممن سقط ذويهم في غيبات المواد المخدرة التي تُذهب عقولهم وتفتك أجهزتهم الحيوية، فضلًا عن تدمير حياة المدمن الاجتماعية والأسرية، حتى أنه يأذي من حوله ويوصمهم في دوائر معارفهم.
من هنا تؤثر العائلات إيداع المدمن مصحة أو مشفى لعلاجه، وتتحول بعض المصحات إلى مصانع موت، فبدلًا من يخرج مُعافى قادرًا على استئناف حياته من جديد تتسلم أسرته جثة، بعد أن أودى الإهمال به للموت، وهو ما حدث مع كريم صبري شقيق الفنان رامي صبري يوليه الماضي، الذي أثبتت التحريات عقب وفاته غرقًا في بحيرة المريوطية، وأنه كان هاربًا من مصحة يحاول التعافي داخل جدرانها لكن للمعاملة غير الإنسانية والتعذيب المستمر الذي ثبُت في تحريات النيابة والمباحث، أدى لهروبه.
أحد الناجين: كنت أتعرض للصعق بالكهرباء حتى أنام جبرًا
ما حدث ليس واقعة فردية، فالعديد من مراكز معالجة الإدمان أنشئت دون ترخيص وتوصف بكونها «بير سلم» فيروي «س.ع» 29 عاما، أحد المتعافين من المخدرات أنه مر بتجربة سيئة للغاية كادت أن تنهي حياته أو تُنكسه مرة أخرى ليعود للتعاطي.
فيذكر أنه كان يسمع عن المصحات بأنها «سلخانات التعذيب» لما تمارسه على النزلاء وهو ما كانه يجعله مترددًا عن اللجوء إليها، وحاول الإقلاع عن التعاطي معتمدًا على ذاته وفي النهاية دخل مصحة بالمقطم، في الأسبوع الأول كانت المعاملة حسنة، لكن بعد انتهاء أعراض الانسحاب وخروجه من غرفته للاحتكاك بالباقية علم مساوئ المكان.
فالمصحة تتعمد أن يصل المدمن لمرحلة التعافي التام، كي لا تتوقف عن استنزافه ماديًا، وهنا تُعرض المرضى للتعذيب والمعاملة غير الآدمية، فيذكر أن هناك مرحلة من العلاج تعتمد على إعطاء المدمن جرعات من المخدر تقل تدريجيًا حتى يستطيع التخلي عنها، لكن هناك كان يُذل حتى الحصول عليها سواء بالإهانة أو الضرب، وبعضهم حاول الهرب أو إضرام النيران بتلك المراكز أو القفز من الطابق الثالث في محاولات هروب جماعي مع زملائه، وفي الغالب ينتحر المتضر بسبب الضغط النفسي، لكن نجى «س.ع» بعد أن لجأ لشقيقته التي صدقت رؤيته وبلغت عن المركز ومن ثم نقله لأخر تابع للوزارة.
مدير صندوق مكافحة الإدمان: نغلق مصحات بير السلم ونوفر أماكن للعلاج بالمجان في كل المحافظات
من جانبه، لم يكذب عمرو عثمان مساعد وزيرة التضامن، مدير صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي، ما يحدث داخل تلك المصحات، حيث يذكر لـ«الدستور» أن الصندوق يرده العديد من شكاوى سواء المدمنين أو ذويهم أو جيران المراكز عن وجود أماكن معالجة مدمنين بغير ترخيص، وفي هذه الحالة يتم التواصل مع المركز القومي للصحة النفسية التابع لوزارة الصحة والإدراة العامة لمكافحة المخدرات بوزارة الداخلية للفحص المركز وتفتيشه وفي حالة المخالفة يُغلق فورًا.
وأضح أن المشكلات غالبًا ما تتلخص في معاملة سيئة للمرضى وممارسات غير سليمة منها التعذيب بالضرب وانتهاكات صارخة مختلفة منها الجنسي والابتزاز المادي، وحال ثبوت صحة الشكوى يقوم المركز القومي للصحة النفسية بصفته المعني بإصدار تصاريح لإنشاء مصحات الإدمان، بتوجيه عدة تهم للمخالف، وإدارة منشأة طبية لعلاج الإدمان دون ترخيص، ومزاولة مهنة الصيدلة دون ترخيص وصرف أدوية وعقاقير مهدئة للحالة النفسية والعصبية دون استشارة طبية وعدم وجود تجهيزات طبية وتوافر وسائل السلامة الصحية مما يتسبب في سجن المالك والعاملين فيها.
ويتدخل صندوق علاج الإدمان بغلق الأماكن غير المرخصة بحماية المرضى فلهم الاختيار بين العلاج المجاني وحاليًا يتوافر لدى الصندوق 27 مركز منتشرة في محافظات الجمهورية، أو ترشيح مصحات مدفوعة وتحمل تصريحًا عاملة تحت إشراف وزارة الصحة.
- الأرقام :
وفقا للبيانات الرسمية الصادرة عن صندوق مكافحة الإدمان، تزايدت أعداد مدمنى المخدرات خلال الخمس سنوات الماضية، وتسجل نسبة الإدمان في مصر ٢.٩ ٪، ونسبة التعاطى بلغت ١١٪، وهى تتعدى نسبة التعاطى العالمية التى تسجل ٥، وخلال العاملن الماضيين تحاول مصر خفض تلك الارقام من خلال فحص المخدرات موظفي القطاع العام والسائقين وغيرهم من الفئات الأكثر تعاطي، ومعالجتهم بالمجان، وإلا سيتعرضوا للتشريد من وظائفهم .
وبحسب الأرقام المعلنة من وزارة الصحة، ممثلة في إدارة علاج الإدمان بالأمانة العامة للصحة النفسية؛ فإن نسب عدد مراكز علاج الإدمان في مصر في تزايد، فيما وصل عدد المدمنين إلى ما يقرب من ٤ ملايين، بلغ متوسط تكلفة العلاج في أى مركز تصل إلى ٥٠٠ جنيه في اليوم الواحد وتتفاوت التكلفة من مركز لآخر.