رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المقص

فى زاوية الغرفة تجلس بملامح حزينة ونظرة كسيرة تدفعك بلا تردد لتضع يدك على كتفيها مربتًا أو تأخذها بين حضنك مواسيًا، جلسة العلاج الكيميائى اللعينة، ذكّرتها طبيبتها المعالجة بضرورة قص شعرها منذ بدء الجلسات، وأعلنت رفضها وبشدة: «لا أريد أن أبدو أمام مرآتى بشعة»، هدَّأت الطبيبة من خوفها: «لا تخافى ستنمو خصلاته من جديد أكثر قوة وجمالًا»، أنهت جلسة العلاج وتحاملت للوقوف فى حالة إعياء شديدة لمغادرة المركز الطبى، رافقتها الممرضة للباب، واستفسرت عمن ينتظرها بالخارج، فأجابت فى وهن: «لا.. اعتدت على مواجهة أوجاعى بمفردى»، رق قلب الممرضة لحالها ولم تتركها إلا بعد أن أشارت إلى سائق تاكسى ليقلّها إلى منزلها، ودّت لو تلقفتها يد حانية تصعد بها درجات السلم، وصولًا لغرفة نومها لتلقى جسدها المُنهك فوق الفراش، وجدته هناك بانتظار عودتها مطالبًا بحقوقه الزوجية دون مراعاة لحالتها الصحية والنفسية، رفضت وتوسلت بإغماءة ورغبة فى التقيؤ، فلم يعر لتوسلاتها اهتمامًا، بكت من وجع الروح المتعبة، دموعها الحارقة شاركت السائل الحارق داخل شرايينها، فزاد ألمها اشتعالًا، سحب وسادته وغطاءه فوق رأسه، بعد أن مارس قانون مُتعته المريضة، لملمت ما تبقى من جسد هزيل، سكنت عينيها الأشباح، وصوت نحيبها مكتوم: أين أنتِ أيتها الملائكة، هناك امرأة فى ساحة حرب عزلاء، لا تحمل ما تدافع بها عن وجعها، هزيمتها يسيرة، وانتصاره مؤكد، هل تجرؤين على لعنها يوم القيامة؟ 

تحاملت على هزيمتها غادرت الغرفة إلى الحمام مترنحة، لم تقو على الصمود طويلًا، فسقطت على الأرض، فى تلك اللحظة اكتشفت أن عُريها النفسى أشد قسوة من عُريها الجسدى، ورغم ذلك حاولت بكل ما تبقى لديها من أمل الوقوف، أبعدت الستارة المُنسدلة على شباك الحمام، فدخل شعاع الشمس متساقطًا على وجهها الحزين معانقًا دموعها، فى المرآة وجه شاحب، ونظرات ممزقة، ودوائر سوداء حول عينيها، فتحت الصنبور، قطرات الماء بين كفيها، زهور من الأمل منحتها الحياة من جديد، التقطت مقصًا من فوق رف المرآة وبدأت رحلتها فى قص خصلات شعرها، تساقطت جميعها، فدهسته قدماها، دهست وجعها وضعفها لتنمو خصلات جديدة أكثر قوة، حملت الخصلات لغرفة النوم، وفى مشهد جنونى عابث ومنظم نثرتها فوق جثة زوجها، ألقت بجسدها بجواره، حضنت نفسها، أغمضت عينيها، وأرسلت من أعماق قلبها رسالة إلى السماء «قوينى يا رب».