خارج نطاق الحياة
تزحزح كُرسيًّا هنا وتبعد منضدة صغيرة هناك، تضع باقة من الزهور الحمراء وشموعًا عطرية برائحة اللافندر فى منتصف المنضدة، الإضاءة جميعها خافتة بالمكان تضفى أجواء شاعرية رومانسية رائعة، خُصلة عنيدة تفلت لتداعب خدها، سحبتها وأعادتها خلف أذنها، اعتنت بكل تفصيلة بالمكان لتلك المناسبة الدافئة فى عيد زواجهما الرابع، تنهدت تنهيدة طويلة ساخنة، ودّت حضوره قبل الموعد، ودّت احتضانه لتمطره بالقبلات، غادرت باتجاه غرفتها، وأطالت الوقوف أمام مرآتها، ارتدت له ثوبًا زهريًا رقيقًا يظهر كل ما يعشق من ثنايا جسدها وانحناءاته، وضعت العطر خلف أذنيها والكُحل فى عينيها، وأطلت شفتاها بالأحمر الفاقع وشعرها الأسود متمردًا غجريًا ينتصف ظهرها، شعرت بأنوثتها وهى تتراقص وتتمايل أمام المرآة، ضغطت بأصبعها على شاشة الهاتف ترغب فى عودته مبكرًا، «الهاتف الذى طلبته خارج نطاق الخدمة»، تسارعت نبضات قلبها قلقًا، هو فقط من يمتلك مفتاح سعادتها ومسموح له بالدخول دون استئذان، عاودت الاتصال مرة أخرى، «الهاتف الذى طلبته خارج نطاق الخدمة»، ساورها القلق من جديد وتاهت فى فوضى الاستنتاجات، نفد الشاحن، داخل الأسانسير، لتعود إلى السؤال: أين هو؟ انتظار مُضنٍ وترقب، عادت لغرفتها وحلّقت روحها فى سماء الأحلام، فتشت عنه فلم تجده، فتحت أبواب الدولاب فلم تجده، هناك.. نعم وجدته هناك صورة معلقة على الحائط على جانب البرواز، علقت شريطة سوداء، ظلت تنظر إليه نظرة عتاب لتأخره عن موعدهما، تساقطت الدموع على خديها، تنهيدة حزينة هربت من بين شفتيها، صرخة وجع وحسرة لانتظار حبيب غائب لا أمل فى حضوره للاحتفال، أمام مرآتها رقصت فى سيمفونية حزينة مجنونة وأجهشت بالبكاء.