المغاربة أيضًا كنسوا الإخوان
تجربة الإخوان فى الحكم أثبتت فشلها الذريع، فى مصر وتونس والسودان و.... و... ومع ذلك لم يستفد «إخوان المغرب» من تجربة تنظيمهم المريرة والكارثية، وانطلقوا بالمملكة الشقيقة من فشل إلى فشل. وعليه، كان طبيعيًا ومنطقيًا أن يكنسهم المغاربة فى ثالث انتخابات منذ إقرار دستور ٢٠١١ والخامسة فى عهد الملك محمد السادس، بعد أن قادوا الحكومة لولايتين متتاليتين.
لجماعة «الإخوان» فى المغرب تنظيمان أساسيان، أحدهما معترف به، هو حركة «التوحيد والإصلاح» وذراعها السياسية «حزب العدالة والتنمية». أما التنظيم الآخر، غير المعترف به، فهو جماعة «العدل والإحسان». وكعادة الأحزاب الإخوانية، أو الأذرع السياسية للتنظيم، وصل «العدالة والتنمية» إلى الحكم، مستغلًا ضعف الأحزاب المنافسة، وحالة الارتباك التى دخلت فيها دول المنطقة التى اجتاحها ما صار معروفًا باسم «الربيع العربى». وبعد أن أخذت الجماعة الفرصة كاملة، كان الفشل حليفها وظل الرفض الشعبى يتسع أكثر وأكثر.
جرت الانتخابات أمس الأول الأربعاء. وصباح أمس الخميس، أعلن عبدالوافى لفتيت، وزير الداخلية المغربى، عن تصدر حزب «التجمع الوطنى للأحرار» النتائج بحصوله على ٩٧ مقعدًا، من أصل ٣٩٥، تلاه حزب «الأصالة والمعاصرة» بـ٨٢ مقعدًا، ثم حزب الاستقلال بـ٧٨ مقعدًا، و... و... فى المركز الثامن حل حزب «العدالة والتنمية» بحصوله على ١٢ مقعدًا، فقط لا غير.
اللافت، أن ٨ ملايين و٧٨٩ ألفًا و٦٧٦ ناخبًا، قاموا بالتصويت فى الانتخابات الأخيرة، أى بزيادة مليونين و١٥٢ ألفًا و٢٥٢ ناخبًا، عن انتخابات ٢٠١٦، التى حصل فيها ذلك الحزب الإخوانى على ١٢٥ مقعدًا. ما يعنى أنه خسر ٩٠٪ من مقاعده، كان من بينها مقعد سعدالدين العثمانى، أمين عام الحزب، رئيس الحكومة المغربية المنتهية ولايته.
النسبة نفسها تقريبًا، خسرها «إخوان تونس»، إذ أيّد ٨٧٪ من التونسيين القرارات الاستثنائية، أو التصحيحية، التى اتخذها الرئيس التونسى قيس سعيد، ولم يعترض غير ٣٪ فقط، حسب استطلاع للرأى أجرته مؤسسة «إمرود كونسلتينج»، شمل كل ولايات تونس كافة.
منذ مشاركته فى أول انتخابات برلمانية سنة ١٩٩٧، ظل حزب «العدالة والتنمية» المغربى يحقق نتائج هزيلة، أقصاها ٤٦ مقعدًا فى انتخابات ٢٠٠٧، ثم حقق قفزة مفاجئة، وحصل على ١٠٧ مقاعد، أوصلته إلى رئاسة الحكومة فى ٢٩ نوفمبر ٢٠١١. وقبل أن يستوقفك التاريخ، نشير إلى أن محمد لويزى، القيادى السابق فى فرع الجماعة المغربى، أوضح أن الإخوان يتبعون أسلوب نسيج العنكبوت، وأن القضاء على هذا العنكبوت يستلزم قطع رأسه فى القاهرة.
بالفعل، بعد أن كنسهم المصريون فى ٣٠ يونيو ٢٠١٣، لفظهم السودانيون فى ١١ أبريل ٢٠١٨، بعد ٣٠ سنة، تركت إرثًا ثقيلًا من الدمار السياسى والاقتصادى. ثم جاءت قرارات الرئيس التونسى، فى ٢٥ يوليو الماضى، لتنهى ١٠ سنوات من سيطرتهم على البرلمان والحكومة ومجمل المشهد السياسى، ووقتها قلنا إن «طائر النهضة لا يلد ولا يبيض ولن يعيش»، وأكدنا أنه لم يعد له مأوى داخل المنطقة العربية، إلا فى جحور مؤقتة، قد يغادرها قريبًا إلى حتفه.
دخل حزب «التجمع الوطنى للأحرار» الانتخابات، بشعار «تستاهل ما أحسن»، وهى عبارة بالعامية المغربية تعنى «تستحق الأفضل»، فى إشارة إلى الأداء السيئ لحزب «العدالة والتنمية». وبسلاسة، وشراسة، استطاعت «الحمامة الزرقاء»، رمز الحزب الليبرالى، قصقصة ريش «طائر النهضة» الإخوانى. ومن المنتظر أن يستقبل العاهل المغربى، الملك محمد السادس، وفقًا لصلاحياته الدستورية، عضوًا من هذا الحزب، وتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.
التاريخ يسجّل للعاهل المغربى، أنه كان من أوائل الزعماء الذين أعلنوا تأييدهم لثورة ٣٠ يونيو. وأنه قدم تهانيه المخلصة إلى المستشار عدلى منصور، بمناسبة تقلده مسئولية الرئاسة المؤقتة، متمنيًا له «التوفيق والسداد فى الاضطلاع بهذه المهمة السامية والجسيمة لتحقيق تطلعات وطموحات الشعب المصرى العريق». كما أكد أنه على يقين بأن «الشعب المصرى الأبى سيتمكن من عبور هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه نحو إرساء أسس عهد جديد، يتجسد فى تعزيز دولة القانون والمؤسسات، وتحقيق تطلعاته إلى مزيد من التنمية والتقدم».
بالمثل، نتمنى للحكومة المغربية الجديدة التوفيق والسداد فى الاضطلاع بمهمتها السامية والجسيمة، لتحقيق تطلعات وطموحات الشعب المغربى العريق. ونؤكد، أيضًا، ثقتنا فى أن هذا الشعب الأبى سيتمكن من عبور هذه المرحلة الحاسمة من تاريخه نحو إرساء أسس عهد جديد، يتجسد فى تعزيز دولة القانون والمؤسسات، وتحقيق تطلعاته إلى مزيد من التنمية والتقدم. فقط، سنضيف أن معركة استرداد المملكة من براثن الإخوان قد تطول، لو لم يتم استئصال تلك الجماعة الضالة من جذورها، لأنها لن تتوقف، بعد كنسها، عن التخريب، وتأزيم الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية، أملًا فى العودة إلى الحكم.