الأغنية الأخيرة.. سماعات «إيربودز» تصيب ضحاياها بفقدان السمع
في فبراير الماضي، عُثر على شاب ثلاثيني، ميتًا داخل منزله بوسط تايلاندا، وكشف التقرير الأمني أن الشاب كان مستلقيًا على فراشه واضعًا سماعة بأذنيه، ما عرضه لصعقة كهربائية عبر سماعات الأذن، التي كانت متصلة بهاتفه الذكي الذي يجرى شحنه، بحسب صحيفة "ذا صن".
هل تعرض سماعات الأذن حياة المواطنين للخطر؟.. الإجابة دائمًا كانت نعم، لكن ماذا يحدث في حال استخدام سماعات أذن مضروبة؟، و ما مدى الضرر الذي تسببه الشحنات الكهربية الناتجة عن استخدامها؟، هذا ما بحثت «الدستور» عن إجابته في السطور التالية.
تقدر منظمة الصحة العالمية، أن حوالي 50% من الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 35 عامًا معرضون لخطر فقدان السمع بسبب التعرض الطويل والمفرط للأصوات العالية، مثل الموسيقى التي يتم سماعها من خلال أجهزة الصوت الشخصية.
موسيقى مؤلمة
أسبوع واحد كان فاصلًا في حياة الشاب العشريني، أيمن معاوية، أحد قاطني محافظة الجيزة، بعد أن ابتاع سماعات «الإيربودز» التي كان يرغب في امتلاكها والاستمتاع بمزاياها المختلفة عن السماعات الأخرى، وفور تجميعه لثمنها الذي بلغ 700 جنيهًا، توجه إلى أحد محال الإلكترونيات وحصل عليها بالفعل.
لم يكن يعلم الشاب أن ما اقتناه سيعرض حياته للخطر، ويغير مجرى الأمور لديه، فبمجرد أن استخدم "معاوية" تلك السماعات المزيفة لمدة أسبوع واحد، سرعان ما شعر بخلل شديد في أذنيه، وضعف سمعه بشكل كبير، ما جعله غير منصتًا لما يقوله الأخرين من حوله.
ظن الشاب في البداية أن تلك الأعراض كانت بسبب الاستماع إلى الموسيقي بصوتِ عالي، لكن الحقيقة كانت غير ذلك تمامًا، فالفحص الطبي الذي أجراه على أذنيه بعد الضرر الذي أصابه، كشف تعرض أذنيه لطنين شديد، وتلف في خلايا الأذن الداخلية.
اضطر بعد ذلك للاستغناء عن سماعات «الإيربودز» التي ابتاعها ولم يستطع الاستمتاع بها كما تمنى، وتبدلت بالقوقعة الصناعية التي زُرعت في أذنيه، لتعمل كبديل للأجزاء التالفة، وتتحكم في حجم الموجات الصوتية.
يعيش "معاوية" حاليًا حياة مشوشة إذ نزع القوقعة الصناعية من أذنيه، وابتعد نهائيًا عن الاستمتاع للأغاني رغم حبه الشديد لها، وتتطلب حالته تدخلًا جراحيًا لكنه يرهب من مخاطرها، واكتفى بالحل الذي خضع له دون إرادته.
أوضحت تقارير المعاهد الوطنية للصحة (NIH)، أن الأطفال والمراهقون والشباب معرضون للخطر بشكل خاص إذا كانوا يستمعون غالبًا إلى ساعات طويلة من الموسيقى يوميًا بأحجام تتجاوز حد الصحة العامة البالغ 70 ديسيبل من متوسط التعرض للضوضاء الترفيهية.
وأوضحت أن الصوت يُقاس بوحدات تسمى ديسيبل، فالأصوات عند 70 ديسيبل أو أقل من ديسيبل، حتى بعد التعرض الطويل، من غير المرجح أن تسبب فقدان السمع، ومع ذلك فإن التعرض الطويل أو المتكرر للأصوات عند 85 ديسيبل أو أعلى يمكن أن يسبب فقدان السمع.
السماعات «المضروبة» تجتاح الأسواق
بحثت «الدستور» عن منافذ بيع سماعات «الإيربودز» المضروبة، ومدى انتشارها في أسواق الإلكترونيات، ومراحل تصنيعها لتشبه المقلد منها، هذا ما أوضحه لنا خبير الإلكترونيات، عصام العربي، الذي تعرض كثيرًا في بداية عمله ببيع واستيراد الأجهزة الإلكترونية إلى هذا النوع من الغش التجاري.
«هناك مصانع خفية مخصصة في تقليد السماعات الأصلية، ووضع علامات تجارية مزيفة عليها»، أشار «العربي» إلى تجارة المنتجات المزيفة التي اجتاحت الأسواق المصرية خلال الآونة الأخيرة، واستغل بعض التجار عدم دراية المواطنين بكيفية التفرقة بين المنتج الأصلي والمغشوش، ليروجوا أجهزة إلكترونية مضروبة بهدف الكسب غير المشروع.
شرح الخبير الإلكتروني، مراحل تصنيع السماعات المقلدة، قائلًا: «المصنع يبدأ بتجميع قطع غيار السماعات الأصلية لينفذ ما يشبهها بشكل كبير، وينتجها بنفس الشكل الخارجي، ثم يضع في النهاية علامة تجارية مطابقة للأصلية منها، وهنا يكون دور المطابع التي تساعده على تصميم تلك العلامات الوهمية».
قوانين تحظر تزييف العلامات التجارية
صدر قانون الغش التجاري رقم 48 لسنة 1941 الذي تنص به المادة رقم 10 منه على السجن لمدة لا تقل عن سنة، ولا تتجاوز خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تقل عن 10 آلاف ولا تتجاوز 30 ألف جنيه، لكل من شرع في غش المنتجات أو طرح أغذية مغشوشة بالأسواق.
أما قانون حماية الملكية الفكرية رقم 82 لسنة 2002، فتنص المادة رقم 113 منه على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن شهرين وبغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيهًا ولا تجاوز عشرين ألف جنيه أو بإحدى العقوبتين، كل من زور علامة تجارية تم تسجيلها أو قلدها بطريقة تدعو إلى تضليل الجمهور.
وتنص أيضًا على: "كل من استعمل بسوء قصد علامة تجارية مزورة أو مقلدة، وكل من وضع بسوء قصد على منتجاته علامة تجارية مملوكة لغيره، وكل من باع أو عرض للبيع أو التداول منتجات عليها علامة تجارية مزورة أو مقلدة".
مستورد يقع ضحية نصب الشركات العالمية
لم تقف تجارة سماعات الأذن المضروبة عند تقليد المنتج الأصلي فقط، بل وصل الأمر لاستيراد شحنات مقلدة من الخارج، هذا ما حدث مع محمد جمال، أحد مستوردي الأجهزة الإلكترونية من الدول الأجنبية، إيمانًا منه بجودتها العالية، وصلاحيتها الكبيرة.
تعرض التاجر إلى واقعة مؤسفة منذ ثلاث سنوات لم ينساها حتى وقتنا هذا، حين استورد شحنة كبيرة من الأجهزة الإلكترونية الخاصة باكسسورات الهواتف المحمولة، بلغت قيمتها أكثر من 200 ألف جنيه، واكتشف أن معظم المنتجات التي ابتاعها علامتها التجارية الشهيرة مقلدة.
«فوجئت بشكاوي عدة مقدمة من قبل المشترين حول سوء جودة المنتجات الخاصة بشركتي»، كانت هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها «جمال» لانتقادات حول منتجاته، ما جعل الأمر غريبًا للغاية، وقرر حينها عرض تلك الأجهزة على مختصين الصيانة بالشركة، ليدرك حقيقة الغش التجاري الذي وقع ضحيته.
«أغلب سماعات الإيربودز كانت شبه الأصلية في الشكل فقط»، ذلك ما أوضحه التاجر حول شحنة سماعات الأذن المضروبة التي ابتاعها، واكتشف حقيقة تصنيعها بأسلاك سيئة الجودة، تؤثر على الموجات الصوتية بداخلها، وتسبب ضررًا كبيرًا للمستخدمين.
الأزمة التي عاشها التاجر جعلته حريصًا طوال الوقت قبل التعاقد مع أي شركة أجنبية على استيراد أي أجهزة إلكترونية، وفحص المنتجات جيدًا قبل ترويجها في الأسواق، حتى لا يقع تحت طائلة القانون، ويتعرض للعقاب بسبب ترويجه منتجات مغشوشة.
الصين أبرز موردي المنتجات «المضروبة»
ذكر تقرير مشترك لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والمكتب الأوروبي للملكية الفكرية، بعنوان « سوء استخدام حاويات النقل البحري في تجارة التقليد العالمية»، أن أكثر من نصف القيمة الإجمالية للسلع المقلدة المضبوطة في جميع أنحاء العالم يتم شحنها عن طريق البحر، والصين هي المورد الرئيس للسلع المقلدة بنسبة 79% من القيمة الإجمالية للحاويات البحرية، التي تحتوي على مواد مزيفة وصودرت في جميع أنحاء العالم.
وأوضح التقرير، أن النقل البحري يمثل أكثر من 80% من حجم البضائع المتداولة بين الدول، وأكثر من 70 في المائة من القيمة الإجمالية للتجارة، وأشار أيضًا إلى سفن الحاويات حملت 56% من إجمالي قيمة المواد المقلدة المضبوطة خلال عام 2020، تأتي في المرتبة الثانية الطرود البريدية.
سماعات الأذن خطر يهدد حياة الشباب
ومن الجانب الطبي، تواصلنا مع الدكتور خالد البارودي، أخصائي أمراض السمع، والذي قال إن الأشخاص الذين يستخدمون أنظمة الصوت الشخصية أو ما يعرف عنها بإسم «مشغلات الموسيقى» المرتبطة بسماعات الرأس أو سماعات الأذن، يضرون بسمعهم ضررًا كبيرًا دون دراية منهم بخطورة الأمر.
شرح ذلك: «لشباب هم الأكثر عرضة للخطر، فحين منتصف العمر ، ربما في أوائل الأربعينيات من العمر، سيعانون من صعوبة في السمع مثل الأشخاص الذين تبلغ أعمارهم 80 عامًا، بالإضافة إلى فقدان بعض القدرة على التواصل، لأن ضعف السمع مرتبط بالتدهور المعرفي».
ربط الطبيب فكرة الاستماع إلى الموسيقى المرتفعة بالتعرض للإصابة بطنين الآذن، الذي يكون في بعض الأحيان مؤقتًا، وفي أحيان أخرى مرض دائم، وتتمثل أعراضه في سماع أصوات مختلفة مثل الرنين والأزيز والهسهسة، ما يجعل المريض مصابًا بنوبات من القلق والاكتئاب الحاد طوال فترة مرضه.
أما عن استخدام سماعات الأذن المضروبة، أشار «البارودي» إلى الخطورة الداهمة التي تنتج عنها، بسبب استخدام مُصنعيها لأدوات غير مطابقة للمواصفات، ما يجعل الموجات الصوتية بداخلها تتعرض مباشرة لطبلة الأذنين، وتصيبهما على الفور.