مصطفي البلكي: النهاية تختار وقتها وطريقتها وأنا أخضع لسلطة الكتابة
نهاية العمل الأدبي أو ما يمكن أن نسميه إذا جاز التعبير "القفلة"، سواء في القصة القصيرة أو الرواية، أمر شديد الأهمية للكاتب والمبدع، وهو ما يطرح السؤال، هل نهاية العمل الأدبي تكون مسبقة في ذهن الكاتب، أم أنها تتغير من حين لأخر، أم أن سير السرد وحبكته، ومصائر شخصيات العمل الأدبي وموضوعه هي التي تفرض هذه النهاية؟ وغيرها مما يخص هذه الجزئية شديدة الأهمية في العمل الإبداعي الكتابي.
وفي هذا الصدد قال الكاتب الروائي "مصطفي البلكي": الكتابة متعة الكاتب الأولى، وكتابة القصة، يعيش المبدع تلك المتعة وكأن اللحظة التالية لن يكون فيها، هي الفعل الذي ينتج عن حركة تلقائية لتصنع فعلا مستداما من سرور لا ينقطع و من طمأنينة لا يعكر صفاءها قلق، وسكينة تغمر النفوس؛ لذا هي حلم صيف ووميض برق وصمت منشد، والمبدع المتعلق بالكتابة كدرويش يرقص في حلقة ذكر، تكون معه الوجوه في نفس الدائرة، ترافقه زمنا طويلا، وفي لحظة تظهر له، فيذكرها بشغف، وتظل معه، تتكون بهدوء، لا توجد نية مبيته لدى بالتوجيه أو رسم الطريق.
تابع صاحب رواية "البهيجي": هي تتحرك وأنا أتبعها، أحيانا أشك في قدرتها على بناء حياة، أتركها حيث وقفت، معها الكثير من الاحتمالات التي يمكن لها أن تطور من حياتها، قد يطول الأمر وقد يقصر، في النهاية تختار وقتها وطريقتها، وأنا أخضع لسلطة الكتابة، وبعد الكتابة الأولى، أعيد القراءة مرات ومرات، وهنا يأتي تدخلي، فقط لأضبط المسارات، لذلك فالكتابة الأولى المكتملة المعالم للقصة هي التي أعول عليها، كتابة الجلسة الواحدة بعد زمن من المعايشة الطويلة، أما ما يولد ناقصا، يظل دائما كنا هو، والقصة التي تطرح سؤالا، يطول عمرها معي، وتصح قابلة للحياة في صورة أخرى، صورة تتسع لمفردات كثيرة، مفردات تتمدد وتكبر لتصبح حياة قابلة لأن تسرد، وهذا حدث معي في قصة "دوامات الصمت والتراب"، كانت قصة تعالج ما حدث زمن تسليم السلاح غير المرخص في الصعيد عقب اغتيال السادات، وانتهت القصة نهاية مفتوحة، تجعل القارئ يقف طويلا أمامها وهو يرسم نهاية تتوافق مع ذائقته، شعرت بتعاطف كبير مع بطلها بعد سنوات من كتابتها، وأردت أن أنصفه، فكتبت سيرة له، بناء على تاريخه معي، تاريخ أوجده هو، ومنحني جزءا منه في البداية، وترك الباقي لوقت يكتمل فيه كل شيء، وهذا الوقت كان مناسبا عقب ثورة 25 يناير، أعدت كتابة ما وجد بروح ممتلئة بالحياة، مددت يد المساعدة للشخصيات التي رافقته في مولده الأول, ساهمت في بناء الحياة الخاصة بشخوص الرواية، دون أن أغض الطرف عن الشخصية التي رافقتني في القصة، كان دائما في حضوره كأنه هو من يرتب حركة كل من يدور في فلكه! لتولد في النهاية روايتي ( سيرة الناطوري).