عبدالرحمن الخضر: أبدأ بنهاية الرواية والتي تتدخل في صياغة بقية الفصول
نهاية العمل الأدبي أو ما يمكن أن نسميه إذا جاز التعبير "القفلة"، سواء في القصة القصيرة أو الرواية، أمر شديد الأهمية للكاتب والمبدع، وهو ما يطرح السؤال، هل نهاية العمل الأدبي تكون مسبقة في ذهن الكاتب، أم أنها تتغير من حين لأخر، أم أن سير السرد وحبكته، ومصائر شخصيات العمل الأدبي وموضوعه هي التي تفرض هذه النهاية؟ وغيرها مما يخص هذه الجزئية شديدة الأهمية في العمل الإبداعي الكتابي.
الــ"الدستور" استطلعت رأي الكاتب والروائي اليمني "الغربي عمران" الذي قال: بداية بالفكرة وتقليبها حتى تكتمل بما فيها النهاية ، القصة القصيرة بتظبط . لكن الرواية نادر ما تأتي الرواية كما خيل لها في البداية. إذا يحدث مالم يكن الكاتب قد تخيله. فالرواية إيقاعها ولشخصيتها لكل منطقة وتطوره نتيجة لأحداث استجدت وشخصيات تنامت وأخرى تعثرت ، ولذلك تأتي النهاية بما وما يتناسب مع المجريات الجديدة، فالرواية مهمة أن جاءت جيدة تغفر هنأت داخلية وان جاءت عادية تترك لدى المتلقي إحساس بالخيبة.
ومن جانبه قال الكاتب اليمني "عبد الرحمن الخضر": في الرواية غالبا مايتم التفكير في النهاية قبل الابتداء فيها، وهي نهاية ستتدخل دائما ومنذ البداية بصورة أو بأخرى في صياغة الفصول القادمة، ونسج الروابط فيما بينها وهي دائما نهاية "عمومية" – وليست بذاتها - خلال مجريات العمل الأدبي ولن تتجلى بذاتها إلا في تلك المرحلة من الرواية التي وحدها هي من تستوعبها، وتكون قادرة على تبريرها.
تابع الـ"الخضر" موضحا: والنهاية بهذا المعنى ليس بالضرورة أن تكون في الأسطر الأخيرة من الرواية، إذ أن هذه الأسطر الأخيرة قد تكون مناسبة لكرنفال احتفالي للرواية، وليست نهاية بذاتها، وسنكون بصدد مقاربات مختلفة لهذه النهاية، تطور فيها، أو تضيف إليها، وقد تستبدلها وفقا للتطورات والتفاصيل في العمل نفسه، إذ عادة ما تتخلق مسارات جديدة لم تكن في الحسبان عند التفكير في كتابة الرواية.
وأضاف "الخضر": في رواية "شرخ الماء" هناك نهاية منذ السطر الأول من الرواية، لكنها ليست محددة وهي النتيجة التي ستتحقق من الفكرة التي انبنت عليها الرواية وهي عملية غسيل المخ الذي تمارسة السلطة بحق المجتمع، خصوصا فئة المثقفين المنضوين في تنظيمات حزبية غير مرخص أو معترف بها، وكيف ستتحول الشخصية الرئيسة في الرواية نتيجة لهذا الغسيل من مناضل ضد السلطة الشمولية إلى موال لهذه السلطة وأحد أدواتها. هذه الفكرة – وخلال مجرى الأحداث وتطور الشخصيات تطلبت الاشتغال على تقنية المونتاج، وصياغة الأفكار في زمن ورودها – أفقيا – وليس في زمنها الرأسي المرسوم ابتداء، وهنا فعند اقترابي من الفصول الأخيرة عدت لأكتب الفصل الأول كتجلّ ابتدائي لــ النهاية وتكاد ترد فيه إشارات عن كل الفصول اللاحقة وكأننا نقرأ مقدمة موسيقية للحن الذي سيبدأ الآن، وهنا أكاد أنني قد أمسكت بالنهاية، كما يقبض المصور على تلك اللحظة من الزمن ذاتها.
واختتم الخضر مؤكدا: لأجل ذلك فلقد كان المستقبل هو نهاية الرواية، هو لا نهاية الرواية، هو الغد هذا الذي يأتي ممثلا في شخصية عبد الستار ليطلب منه كاتب الرواية الدخول لكنه يصر على البقاء عند الباب ليواجه كاتب الرواية بكل تلك الاخفاقات للمشاريع اليسارية العربية، وليضع في جيبه قصاصة صغيرة ويغلق عليه الباب من الخارج، ويتركه ويغيب .. كانت النهاية بذاتها هنا فيما كتبه المستقبل في تلك القصاصة الصغيرة : مزق ماكتبت ياعبد الرحمن .. أشفق عليك في مجتمع لا يقرأ اليوم, وأشك أنه سيكتب غدا .
في القصة القصيرة نكاد نستعير قلم الشاعر ولذلك لا نفكر بالضرورة بالنهاية التي سنصل إليها، لأننا لا نخشى أن نتشتت كما يمكن أن يحدث لنا في الرواية، وأن النص القصير سيوفر لنا فرصا عدة لوضع النهايات، فأنت هنا من تتحكم بزمن النص, وبغير نهاية بذاتها. لقد صنعت الحكاية نهايتها على مهل ولكن لتتجلى حاسمة في حينها ذاك، النهاية صنعة النص في القصة القصيرة وليست صنعة المؤلف، هذا ما اشتغلت عليه في أغلب نصوص مجموعتي القصصيتين، الأولى: سنكتب غدا، والثانية: نصف الإنسان السائل.