رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سلامٌ للعذراء رغم أنف الإخوان

سلامٌ للعذراء أم النور، سلامٌ للعذراء مريم التى أنزل الله فى القرآن سورة باسمها، سلامٌ لحبيبة المسلمين التى قال الله عنها فى كتابه الكريم: «وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين»، سلامٌ على ستنا مريم التى بشّرها الله بسيدنا عيسى، عليه السلام، فقال: «إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم وجيهًا فى الدنيا والآخرة ومن المقربين»، سلام لكِ يا أم النور فى عيدك رغم أنف الإرهابيين والمتطرفين، سلامٌ لكِ رغم أنف من يقوم بتكفير المسيحيين، سلامٌ لك رغم أنف من يُحرِّم علينا تهنئة بعضنا بعيدك يا أم المحبة كلها، سلامٌ لكِ رغم أنف حسن البنا وسيد قطب والحوينى وحسان ويعقوب وبرهامى ومن على شاكلتهم.

والآن لنا أن نقرّ بحقيقة تاريخية هى أن حسن البنا، مؤسس الإخوان، هو الذى وضع حجر البدء فى منظومة تكفير المسيحيين، ووجوب إقصائهم وتهميشهم ومحاربتهم إذا لزم الأمر، وقد استند فى هذا إلى آيات قرآنية أبعدها عن سياقها ووضع لها تفسيرًا يخالف حقيقتها، ولم يفكر ولو للحظة فى تفسير القرآن بالقرآن نفسه، ذلك القرآن الذى يقول فيه الله سبحانه وتعالى: «لتجدنّ أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون».. وقد كانت رسالة التعاليم التى كتبها حسن البنا هى أهم الرسائل التى كتبها ووجهها للإخوان الذين تم ضمهم للتنظيم السرى المسلح، وقال فى بدايتها إن هذه الرسالة موجهة للإخوان المجاهدين، ثم فى ركن من أركان الرسالة، أطلق عليه «العمل»، قال نصًا فى البند الخامس: «وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية بحق، وبذلك تؤدى مهمتها كخادم للأمة وأجير عندها وعامل على مصلحتها، والحكومة إسلامية ما كان أعضاؤها مسلمين مؤدين لفرائض الإسلام غير متجاهرين بعصيان، وكانت منفذة لأحكام الإسلام وتعاليمه، ولا بأس أن نستعين بغير المسلمين عند الضرورة فى غير مناصب الولاية العامة ولا عبرة بالشكل الذى تتخذه ولا بالنوع، ما دام موافقًا للقواعد العامة فى نظام الحكم الإسلامى».

وبذلك قصر حسن البنا، مؤسس الإخوان، الوظائف التى يمكن أن يشغلها غير المسلمين فى مصر بأن تكون وظائف تابعة لا وظائف رئيسية.

وذات يوم قريب أصبحت كل جماعة الإخوان مؤمنة بأفكار التنظيم السرى وعاملة على تنفيذ أفكاره، فضلًا عن أفكار سيد قطب، فجاءت أحداث الزاوية الحمراء فى شهر يونيو من عام ١٩٨١ ليشهد هذا الحى الشعبى والأحياء التى تجاوره فتنة طاغية بين المسلمين والمسيحيين، وفى هذه الفتنة تم قتل أكثر من ثمانين مسيحيًا منهم أحد كبار القساوسة، أما البداية فكانت معروفة، بدأ المسيحيون فى بناء كنيسة على أرض متبرع بها من أحد المواطنين المسيحيين، فتحركت على الفور جماعة الإخوان ومعها جنودها من الجماعة الإسلامية، كانت الفتوى التى صدرت لهم من الشيخ محمد عبدالله الخطيب، مفتى جماعة الإخوان الرسمى، بأن بناء الكنائس لا يجوز فى بلاد المسلمين، وقد تم نشر هذه الفتوى فى مجلة «الدعوة» لسان حال الإخوان، وادّعت الفتوى على غير الحقيقة أن المسلمين عندما فتحوا مصر لم يسمحوا ببناء كنيسة ولكنهم فى ذات الوقت لم يهدموا كنيسة، وقالت الفتوى إن مسألة عدم التصريح ببناء كنائس هو أمر نهائى حتى ولو كانت بدلًا من كنائس تصدعت، وزعموا أن هذا الأمر من فرائض العقيدة الإسلامية، وقالوا إن سبب ذلك هو أن هذه الكنائس يُتعبد فيها لغير الله! وهو أمر لا يجوز أن توافق عليه دولة مسلمة، وكانت هذه الفتوى كما قلنا قد نُشرت فى مجلة الإخوان «الدعوة»، ومن بعد صدور الفتوى أصدر مصطفى مشهور أوامره لكل شباب الإخوان بالدفاع عن عقيدتهم وقتال المسيحيين وإراقة دمائهم، وتحرك صوب الجهاد الإسلامى ضد المسيحيين فى الدرب الأحمر شباب الإخوان من المطرية وعين شمس والزيتون والأميرية وهم يحملون الأسلحة، وكانت المذبحة.

وتستمر مجلة «الدعوة» الإخوانية لينشر فيها الشيخ الخطيب مفتى الإخوان فتاويه التى يحرم فيها إلقاء السلام على المسيحى ولو كان جارًا طيبًا أو صديقًا وفيًا، ثم إذا به يُحرِّم الترحم على أموات المسيحيين ولو كانوا أساتذة لنا أو أصدقاء، ويستمر المسلسل المتطرف ليفتى الشيخ الخطيب بضرورة أن يُسرع المرء فى مشيته إذا مر على مدافن للمسيحيين لأنهم يُعذّبون! وأنه يجب عند إسراعه أن يستغفر الله ويستعيذه، وتصدر أعداد مجلة «الدعوة» تباعًا وهى تحرض على المسيحيين بشكل سافر، حتى عمر التلمسانى، مرشد الإخوان وقتها، إذا به يتماهى مع خطاب الفتنة المتطرف ويكتب مقالًا يهاجم فيه البابا شنودة ويحرض على المسيحيين!

وتستمر الفتنة لأن هناك من يغذى جذوتها، فبعد سنوات يصدر مصطفى مشهور تصريحات فى جريدة عربية، هى جريدة «الشرق الأوسط» التى تصدر من لندن، وكان ذلك عام ١٩٩٧، ونشر هذا الحوار أيضًا فى جريدة «الأهرام ويكلى» ١٣ أبريل ١٩٩٧، قال فيها إن المسيحيين المصريين يجب أن يدفعوا الجزية وإنه لا يحق لهم الالتحاق بالجيش المصرى! واضطر بعض المسيحيين إقامة قضية ضد مصطفى مشهور لأنه بتصريحاته هذه أهان المسيحيين كلهم واتهمهم بعدم الولاء للوطن.

وفى صحيفة «الزمان»، ١٧ مايو ٢٠٠٥، نشر محمد حبيب، الذى كان نائبًا للمرشد العام للإخوان وقتها، تصريحًا قال فيه: «نحن جماعة الإخوان نرفض أى دستور يقوم على القوانين المدنية العلمانية، وعليه لا يمكن للأقباط أن يشكلوا كيانًا سياسيًا فى هذه البلاد.. وحين تتسلم الجماعة مقاليد السلطة والحكم فى مصر فإنها سوف تبدل الدستور الحالى بدستور إسلامى، يَحرم بموجبه كل غير المسلمين من تقلد أى مناصب عليا، سواء فى الدولة أو القوات المسلحة، لأن هذه الحقوق ستكون مقصورة على المسلمين دون سواهم، وإذا قرر المصريون انتخاب قبطى للمنصب الرئاسى، فإننا سوف نسجل اعتراضًا على خطوة كهذه باعتبار أن ذلك خيارنا نحن».

وقال أيضًا، فى تصريح آخر لجريدة «الشرق الأوسط» عدد ١٨ أغسطس عام ٢٠٠٥: «إن الأقباط سيكونون خاضعين للشريعة الإسلامية مع بقية المصريين».

وأثناء هذا كله يستمر الخطاب الإخوانى فى مساجد مصر كلها، وبالأخص فى مساجد صعيد مصر، ليتلقى المسلم المصرى العادى دروسه الدينية فى خطبة الجمعة، وفيها يقوم السلفيون- الساعد الأيمن للإخوان- بتغذية خطاب الكراهية، وأخذنا نسمع كل الخطباء وهم يدعون من فوق المنابر على «اليهود والنصارى ومَن والاهم»، والمصلون يؤمّنون على الدعاء، وينغرز فى ضميرهم كراهية جيرانهم من المسيحيين، وذات يوم يصبح الخطاب السائد فى نفوس بسطاء المسلمين: «أن تخلصوا من هؤلاء النصارى ومَن والاهم».

وفى زمن حكم الإخوان كانت هناك هيئة الأخ خيرت الشاطر، التى هيأوها وأطلقوا عليها «الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح»، وشكّلوها من كل متطرف وإرهابى فى زمن حكم الإخوان- وجدتها تصدر فتوى بالتحريم القاطع لتهنئة المسيحيين بأعيادهم، لماذا يا هيئة؟ قالت: «الأصل فى الأعياد الدينية أنها من خصوصيات كل ملّةٍ ونحلةٍ، وقد قال، صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيدًا» متفق عليه، ولذلك فلا يحل لنا مشاركتهم ولا تهنئتهم فى هذه المناسبات الدينية.. يا سلام على الفتاوى! يا بحر العلم، وترعة المفهومية، التهنئة حرام، لماذا؟ قياسًا على «أن لكل قوم عيدًا» ! هل هذا نص يُحرم يا هيئة؟ أين النص؟! هذا فقه من لا يملك عقلًا، ولا يعرف فهمًا.

تقول الهيئة لى ولك: خذ هذه، هات: تهنئة غير المسلمين بأعيادهم الدينية حرام قطعًا ويقينًا، لماذا؟ لأن فيها إقرارًا بشعائرهم التى لا نؤمن بها، هذا شىء عظيم، وبذلك يكون كل المسيحيين الذين هنأونا بأعيادنا قد أسلموا، ويصبح كل من هنّأ المسيحيين قد خرج من ملة الإسلام ودخل إلى المسيحية قفزًا ونطًا، هذا الفهم هو فهم أصحاب العقول المغلقة، أو هو «الحرام والحرام»، ورغم أنف التكفيريين نقول كلنا بأعلى أصواتنا: سلامٌ للعذراء فى عيدها، وكل عام وكلنا مسيحيين ومسلمين بخير.