«الُمنقذ المسمم».. الأكواب الورقية خطر يُهدد صحة المواطنين
مع انتشار فيروس كورونا المستجد، وغلق المقاهي والكافيهات ثم إعادة فتحها مرة أخرى مع تقنين ساعات عملها، انتشرت وراجت بشكل موسع صناعة جديدة لم تكن قد لاقت هذا الرواج من قبل، وهي الأكواب الورقية التي حلت محل نظيرتها الزجاجية في تقديم المشروبات الساخنة، ظنًا من الكثيرين أنها الأقل احتمالًا لنقل العدوى بالمرض نظرًا لكونها تستخدم مرة واحدة فقط.
ولكن تأتي الدراسات والأبحاث العلمية العالمية لتحطم هذا المعتقد، وتثبت أن استخدام الأكواب الورقية في تناول المشروبات الساخنة قادرًا على التسبب في الإصابة بالعديد من أنواع السرطانات، خلافًا على تسببه في الإصابة بأمراض أخرى خطيرة، والتي دفعت بهؤلاء العلماء إلى التحذير من استخدام تلك الأكواب بل وتحريمها.
في السطور التالية نكشف آراء العديد من خبراء الدواء، والعلوم البيولوجية لتوضيح الأسباب التي جعلت أكواب الاستخدام الواحد خطرًا يتم التحذير منه بهذا الشكل.
تصنع من المخلفات
أكد الدكتور شريف إبراهيم، الخبير الدوائي، أن الكارثة هي أن تلك الأكواب الورقية يتم صنعها بصورة غير صحية، وهو الأمر الذي يفسر تغيير طعم ورائحة الغذاء داخلها، مشيرًا إلى أنه سبق لمنظمة الصحة والدواء الأمريكية التحذير منها حيث يتم صناعة تلك الأكواب بواسطة مادة "البولي إثيلين" الضارة.
ومادة "البولي إيثيلين" حسب وصفه تسبب حدوث تسرب لمعدن يسمى "الأنتيمون" عند تعرضها لدرجات الحرارة العالية، كما تسبب إطلاق مواد كيميائية ترفع مستويات هرمون الاستروجين.
ونوه بأن هناك مشكلة خطيرة كذلك تتمثل في أن الورق الذي يستخدم لصنع تلك الأكواب يصنع من خلال المخلفات الورقية التي يعاد تدويرها مرة أخرى، لافتًا إلى أنه يتم استيراد تلك المادة غالبًا من دولة الصين وهي تؤدي إلى الوقوع في مشاكل صحية خطيرة مثل أمراض السرطان والكلى والكبد والأمراض المناعية، خاصة أنه يتم إدخال ألوان صناعية أيضًا في تلك الأكواب والمنتجات.
تحتوي على مواد كيميائية
واتفق معه الدكتور أحمد زيدان الاستشاري والباحث في العلوم البيولوجية، والذي أكد أن الأكواب الورقية تتكون من طبقة غير اعتيادية يمكن أن تلاحظ بالعين المرئية المجردة أو غير المجردة، وعن هذه الطبقة يقول أن بها أنواع مختلفة تحتوي على مواد كيميائية لا يصلح استخدامها في المشروبات الساخنة بل يمكن استخدامها فقط في المشروبات الباردة، لافتًا إلى أن أخطر تلك المواد هي مادة الواكسكوتيد.
جرى منذ أشهر قليلة تم ضبط 18 ألف عبوة كرتون و1500 كوب ورقي غير مطابقة للمواصفات الصحية للاستخدام الآدمي بالإسكندرية، وذلك لكون الألوان داخلها لم تكن ثابتة وفق ما أعلن عنه قطاع الصحة بالإسكندرية.
ابتلاع الآلاف من الجزيئات البلاستيكية
كما حذر العلماء من أن شرب القهوة أو الشاي في أكواب ورقية لا يعد فقط إهدارًا للمال، بل أنه يعرض من يتناول بها تلك المشروبات لخطر ابتلاع الآلاف من المواد البلاستيكية الدقيقة.
وكشفت دراسة جديدة أن مشروبًا ساخناً في الأكواب الورقية يمكن أن يتلوث بجزيئات البلاستيك الصغيرة في دقائق معدودة، موضحة أن هذا التلوث يأتي من البطانة الداخلية للكوب التي تجعلها مقاومة للماء، كما تجعل من الصعب إعادة تدويرها، وهذه المادة تظهر في صورة طبقة شمعية تبطن الأكواب من الداخل وتتفاعل مع المواد الساخنة، وينتج عنها مركبات كيميائية مسرطنة، وهو الأمر الذي يجعل ملمس الكوب ناعمًا من الداخل.
25 ألف جزئي بلاستيكي في كل كوب
وتمت التوصل إلى هذه النتائج بعد إتمام تجربة عملية قام بها الباحثون باستخدام الأكواب الورقية بحجم 100 مل وتركها لمدة 15 دقيقة، وهذا هو الوقت-وفقا للاستطلاعات-الذي يفضله معظم الناس لإنهاء مشروبهم، وبفحصهم المشروبات تحت مجهر قوي، وجدوا في المتوسط 25 ألف قطعة بلاستيكية دقيقة لكل كوب، كما تم العثور على معادن مثل الزنك والرصاص والكروم في الماء. واقترح الباحثون أن هذه المواد جاءت من نفس البطانة البلاستيكية.
وقال الدكتور سودها جويل، المؤلف الرئيسي للدراسة من المعهد الهندي للتكنولوجيا في خراغبور، إن الشخص العادي الذي يشرب ثلاثة أكواب عادية من الشاي أو القهوة يومياً، في كوب ورقي، سينتهي به الأمر بتناول 75 ألف جزيء صغير من البلاستيك الصغير غير المرئي للعين المجردة.
ومن جانبه، قال أحمد جابر رئيس غرفة الطباعة والتغليف باتحاد الصناعات، إن الطاقات الإنتاجية بمصانع إنتاج الورقيات مثل الأكواب الورقية وغيرها، لم تكن مؤهلة لتضاعف حجم الطلب عليها بصورة غير مسبوقة بسبب فيروس كورونا مثلما هو حادث الآن.
وأشار إلى أن عودة الأنشطة فى المقاهى والكافيهات والمولات وغيرها جعل هناك تهافتًا في الطلب على هذه المنتجات، بما لا تتحمله طاقات الإنتاج فى المصانع، وهو الأمر الذى دفع لارتفاع أسعارها بصورة ملحوظة مؤخرا.
وأضاف أن خامات انتاج هذه الأكواب قليلة ويتم استيرادها من دول مثل الصين وإسبانيا والسويد وإيطاليا وألمانيا ودول أخرى، وذلك حسب نوعية وجودة الورق، منوهًا بأن هناك عددًا من هذه المصانع توقف عن الإنتاج الفترة الأخيرة مع بداية جائحة كورونا، وتراجعت حركة استيراد الخامات نتيجة الإغلاق الجزئى فى الدول الموردة لنا، لذلك كافة هذه المصانع لم تكن لديها قدرات على التعامل وتلبية الطلب.
أما عن إمكانية توسع المصانع وزيادة طاقتها الإنتاجية لتلبية الطلب الزائد على الأكواب الورقية استمرار الإجراءات الاحترازية لمواجهة فيروس كورونا، أوضح "جابر"، أن أسعار ماكينات الإنتاج الخاصة بالورقيات مرتفعة جدا، موضحًا أن هناك ماكينات بأسعار ربما تكون أقل بـ 15 ألف يورو، لكن إنتاجها ذات جودة ضعيف، ولا تصلح مع المولات والسلاسل الكبيرة.