منير القادري يتحدث عن دور التربية والأخلاق في الارتقاء بمشاعر الفرح
تناول الدكتور منير القادري بودشيش، رئيس مؤسسة الملتقى خلال مداخلته في الليلة الرقمية الثانية والستين، عدة محاور أهمها، "معنى الفرح؟ وما هو حكمه في الشريعة الاسلامية؟ وكيف كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب؟ وكيف يمكن للتربية الأخلاقية ان ترتقي بمشاعر الفرح إلى مصاف الأعمال القلبية الإيمانية؟
يأتي ذلك ضمن فعاليات ليالي الوصال الرقمية التي نظمتها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال، والتي تزامنت مع الأجواء الروحية للعشر الأوائل من شهر ذي الحجة المحرم.
وقال في بدايتها إن الفرح عبادة قلبية عظيمة، و لذةٌ تقع في القلوب بإدراك كل محبوب ونيل كل مرغوب، وأضاف أنها عبودية لله خسِرَتها قلوبٌ كثيرة وضيَّعتها نفوسٌ عديدة بسبب انشغالها بالجري وراء الدنيا الفانية ومتعتها الزائلة وبُعْدِهاَ عَنْ مَقَاماَتِ التربية الأخلاقية الإحسانية.
وأوضح أن الفرح أعلى أنواع نعيم القلوب، وأنه تجلي من تجليات القدرة الإلهية على عباده ، وأنه عزوجل خلق في النفس البشرية هذه الانفعالات القلبية مصداقا لقوله تعإلى: ﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾[النجم:43] .
وأضاف أن الفرح والسرور نعيم من نعم الله ، وبالمقابل فإن الهم و الحزن ابتلاء منه سبحانه و تعإلى، وبين أن الفرح ليس له حكم بذاته، وأن حكمه يتحدد بما يرتبط به من أسباب وما يترتب عليه من نتائج.
وواصل شارحا "إذا أكرمك الله بذكره وحسن عبادته ، والقيام بواجبات دينه ، وأداء حقوقه وحقوق خلقه، وصحبة الصالحين من عباده والابتعاد عن محارمه فلتفرح بذلك ولتطلب من الله أَن يَرْزُقَكَ الثبات على طريق الحق" ، وبالمقابل حذر "من الفرح بمتاع الحياة الدنيا، لقوله تعإلى: “وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً فَرِحُوا بِهَا وَإِذ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ”(الروم:36)، وقوله تعالى: “اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ” (الرعد:26)".
ونبه رئيس مؤسسة الملتقى إلى أن الفرح بالمعصية والنفور من الطاعة من علامات النفاق، مذكرا بأن المنافقين في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يتثاقلون عن الطاعة وينفرون منها ويتخلفون عنها بالأعذار الكاذبة ، مستشهدا بقوله تعالى: ﴿ فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) سورة التوبة.
ونوه إلى أن أهل البصيرة ينظرون للأحداث كلها باعتبارها مُقَدَّرَةَ في علم الله سبحانه ، وأن ذلك يُوّرِّثُ في قلوبهم الرضا بالنتائج، فتصير نفوسهم ثابتة متوازنة مهما تغيرت أحوال الزمان مصداقا لقوله تعالى: "مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" ( التغابن 11).
ولفت إلى أن المتأمل في غايات ومقاصد التربية النبوية يجد أن توجيه المشاعر القلبية توجيهًا صحيحًا، وتنظيمها على أساس من التوازن والفاعلية المثمرة هو واحد من المقاصد الجليلة والغايات الكبيرة التي يتوخاها ديننا الحنيف ، وأضاف في ذات السياق أن المتأمل في الشريعة يرى أنها ربطت الفرح بالطاعات، فكان عيد الفطر فرح بعد الفراغ من صيام رمضان وقيامه، وكان عيد الأضحى فرح يعقب أداء مناسك الحج.
ونوه مدير المركز الاورومتوسطي لدراسة الإسلام اليوم إلى أن الفرحُ لا ينحصِرُ في أيامٍ معدودة، أو فترةٍ محدودة؛ بل إن المُسلمَ يعيشُ الفرحَ على مدارِ العام والعُمر في الدنيا والآخرة.
وأشار إلى أن من أعظم أسباب الفرح عند الصالحين حين يوفقون في أمر من أمور الآخرة ويزدادون قربا من الله تعالى بزيادة في علم أو عمل صالح، مستشهدا بقوله عز وجل :” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ” سورة يونس الايات (57-58. )
وأضاف القادري أن الفرحُ لازم من لوازم الطبيعة الإنسانية، وأن الكل يسعَى إلى فرحِ قلبِه، وزوالِ همِّه وغمِّه، وتفرُّق أحزانِه وآلامِه، غير أن الفرح عند السالكين أولي الألباب هو سلوكٌ راقٍ، وفِكرٌ رصينٌ، ومطلبٌ وهدفٌ منشود إلى شهود الله المعبود.
وأجمل مداخلته بأن الفرحُ موطنه القلب، وظاهرُه اللِّباسُ والزِّينةُ والكلمةُ الطيِّبَة والسعادة، وتجليه الشعورُ الحسنُ، والوِجدانُ الفيَّاض، وباطنُه السُّلوك و التربية الأخلاقية ونتائجه سعادةٌ الدارين.