منير القادري يوضح آثار التربية على الأخلاق وعلاقتها بالتنمية المستدامة
تناول الدكتور منير القادري خلال مداخلته في الليلة الرقمية الـ61 من فعاليات “ليالي الوصال” الرقمية الصوفية، التي تنظمها مشيخة الطريقة القادرية البودشيشية، ومؤسسة الملتقى بتعاون مع مؤسسة الجمال بالمملكة المغربية، قضية التربية على الأخلاق وأهميتها، وكيف نظر الإسلام اليها؟ وما مدى تأثيرها على الفرد والوطن ككل؟ وما مدى علاقتها بالتنمية المستدامة؟.
وقال القادري، إن المعاملات بين الخلق بمكارم الأخلاق تمثل خلاصة ما جاء به الشرع الإسلامي، مضيفا أن الدين الإسلامي جاء لإصلاح الدنيا وسياستها وكل نواحي حياة الإنسان فيها، مذكرا بالحديث النبوي الشريف "الدين المعاملة".
وأكد رئيس مؤسسة الملتقى، أن حاجة العبدِ المؤمنِ ومن خلاله المجتمع الصالح إلى حُسْنِ الخُلُقِ كحاجتِهِ إلى الهواءِ، معللا ذلك بأن فقْدَ الخُلُقِ الحَسَنِ يعني موتَ القلبِ، وفي موتِ القلبِ فَقْدُ الدينِ وهلاكُ الدنيا.
وأضاف أن كل إصلاح لا يجعل من الأخلاق منصة الانطلاق، ومحطة الوصول والانعتاق، هو في الحقيقة إصلاح مزيف، لأن المعول عليه في كل بناء وإصلاح هو الإنسان لا التراب والزخارف والبنيان.
وتابع أن أعظم الأمراضِ التي تتعرضُ لها أُمَّةٌ و تَفْتِكُ ببُنيانِهَا الحيِّ حتى يصيرَ ضعيفًا مهدومًا هو الإنهيارُ الخُلُقِيُّ، مؤكدا على أنه أكبر الأخطارِ على الإطلاق في عصرنا الحالي.
ولفت الى أن القرآن الكريم حكى لنا مصائر أمم أُبِيدَتْ وأُهْلِكَتْ وأصبحت أحاديث، وأنه بالتمعن في الأسباب التي وصلت بتلك الأمم إلى تلك العاقبة نجدها في الغالب أسباب أخلاقية، ضاربا المثل بقصة قوم عاد الذين أهلكهم كِبْرُهُمْ وعِنادُهُمْ.
واستعرض القادري مجموعة من الأحاديث النبوية التي تتناول قضية الأخلاق وأهميتها، وفي ذات السياق أورد مقتطفا مما جاء في كتاب "حضارة العرب"، لصاحبه الطبيب الفرنسي جوستاف لوبون، المتخصص في الانتروبولوجيا وعلم النفس الاجتماعي وعلم الاجتماع، "لم يقتصر فضل العرب والمسلمين في ميدان الحضارة على أنفسهم فقد كان لهم الأثر البالغ في الشرق والغرب فهما مدينان لهم في تمدنهم، وإن هذا التأثير خاص بهم وحدهم فهم الذين هذبوا بتأثيرهم الخلقي البرابرة وفتحوا لأوروبا ما كانت تجهله من عالَم المعارف العلمية والأدبية والفلسفية".
ونوه إلى أن الرسول الله صلى الله عليه وسلم اهتم ببناء الإنسان دينياً وبدنياً وعلمياً وخلقياً، وأنه هدف إلى بناء أمة لا تعرف الوهن والكسل بل تحرص على الخير والعمل، وأن عنايته صلى الله عليه وسلم كانت تتسم بالواقعية والشمولية، فهي لا تُغفل أي جانب من جوانب الحياة، بل تهتم بجميع الجوانب.
واستطرد أن التربية الأخلاقية هي التي تمكن الناس من التعامل مع شتى ظروف ومتغيرات حياتنا المعاصرة من جائحة وانتشار اوبئة وصراعات ومجاعات من دون أن يتحللوا أو أن ينحرفوا أو يصيبهم الوهن والضعف، موردا مقولة للكاتب والروائي الفرنسي أندريه موروا "تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة".
وأكد أن الأخلاق هي الغاية من كل تدين، وهي الوسيلة لكل ارتقاء، وأنها غاية ووسيلة في نفس الآن، وأضاف أن أي أمة ترغب في التقدم والنمو يجب ان تصب جهودها وخططها المستقبلية على تربية الإنسان، وان كل الجهود التنموية والاستثمارية التي ستبذل بعيدا عن الإنسان سيصيبها الفشل، وسيكون مردودها الأكبر الخسران والتخلف.
وأوضح أن التربية على مكارم الأخلاق تستلزم مصاحبة الأخيار، وأهل الأخلاق الفاضلة، واستطرد شارحا أن صاحب البصيرة النافذة، والهمة العالية ينتفع به كل من خالطه وصاحبه، ويؤثر فيه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمصاحبة الطيبين ومعاشرة الصالحين فقال: "لا تُصاحبْ إلا مؤمنا، ولا يأكلْ طعامكَ إلا تَقِيّ".
وأضاف أن التصوف تربية روحية أخلاقية، كفيلة بتوجيه الإنسان نحو طريق الهداية، والسمو الأخلاقي، والرقي في مدارج السالكين، وأن هذه التربية الأخلاقية تسهم في بناء قيم المواطنة الصادقة والتضحية من أجل الوطن والإخلاص في النية و العمل، وزاد أنها تسهم إلى حد كبير في تخليق الحياة الخاصة، فضلا عن الحياة العامة.
وأكد أن المغاربة استطاعوا على مر العصور مستندين إلى كتاب الله وسنة نبيه الكريم في تمثلهم لأحكام الدين التشريعية من ترسيخ أحكام العقيدة الأشعرية، والفقه المالكي، والسلوك الجنيدي و تشكيل وبلورة أصالة عريقة لهويتهم الدينية والثقافية والروحية، وفق نموذج فريد ومتميز، إتخد من إمارة المؤمنين الحصن الحصين الضامن لثوابت هذه الهوية و ملاذ المستضعفين، فصارت منظومة متكاملة مبنية على اختيارات مذهبية تتوافق والتوجه السني المعتدل، منسجمة وطبيعة المجتمع المغربي الميالة إلى طلب الاستقرار و الأمن والأمان الروحي.