حمدي أبو جليل: «يوتيوب» وسيلة لمقاومة الأفكار الإرهابية والورش الأدبية «مفتعلة» (حوار)
«القاهرة شوارع وحكايات» كان استجابة لنصيحة خيري شلبي
لكل إنسان حكايته التي لا يكف عن روايتها
«يوتيوب» وسيلة لمقاومة الأفكار والجماعات الإرهابية
الورش الأدبية تقليد غربي مفتعل ولا أعترف بموضات القراءة
يشارك الكاتب الكبير حمدي أبو جليل في فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب والمقام حالياً بأرض المعارض في التجمع الخامس بعدد كبير من مؤلفاته الإبداعية وعلى رأسها أحدث كتاباته الروائية «يدي الحجرية» والصادرة حديثاً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، والطبعة الثانية من روايته «قيام وانهيار الصاد شين» والصادرة عن دار «روافد للنشر» وطبعة جديدة من كتابه «القاهرة شوارع وحكايات» والصادرة أيضاً عن هيئة الكتاب.
«الدستور» حاورت حمدي أبو جليل حول عدد من القضايا الإبداعية والهموم الثقافية التي تشغل الوسط الثقافي.
قلت إن كتابك «القاهرة شوارع وحكايات» جاء بالصدفة، هل ندمت أو استمتعت أو هو كان مجرد عمل وانتهى؟
كتاب «القاهرة شوارع وحكايات» من الصدف الموفقة في حياتي، يعتبر الأقل جهداً كتابياً أو أسلوبياً بين أعمالي وأكثرها قراءة، هو أكتر كتبي توزيعاً، وعلى مدى عشر سنوات من توزيعه لم يتأثر بل يزيد رغم إنه «مضروب» مجاناً على الإنترنت.
وأهميته في المعلومات، أنا مليش في الإنشا، فكان الحل في الإمعان في المعلومات عشان تملا صفحة جرنال كاملة عن كل شارع، ورغم إنه صدفة إلا أنه أيضاً استجابة لنصيحة أستاذي العظيم خيري شلبي «لا تكتب في الصحافة إلا ما يصلح للنشر في كتاب».
وأنا عملت بعده وعلى نهجه «القاهرة جوامع وحكايات»، وأتمنى أن أعمل «القاهرة كنائس وحكايات» حتى تكتمل ثلاثية القاهرة.
قلت إن الأجانب يكتبون عن القاهرة أفضل من المصرين، لماذ؟ وهل معنى هذا أن هناك مَن كان سيكتب عن الحارة المصرية أفضل من نجيب محفوظ؟
أقصد أن الغريب عن المكان يندهش به أكثر من المقيم، ثم هناك ميزة للأجانب في النظر للقاهرة وهي أنهم يرون تاريخها مصفّى من الأساطير، ثم أن هذا موّال تاني خالص غير حارة نجيب محفوظ، نجيب محفوظ كتب حارته في القاهرة وليس القاهرة تاريخاً وجغرافيا ومركز الكون في مصر.
ما الفرق بين ما كتبه أبو جليل عن القاهرة وما كتبه جمال الغيطاني في التجليات؟
أعتقد في المنحى أو الأسلوب الأدبي، الأستاذ الغيطاني من العنوان يكتب تأملاته أو فلسفته للقاهرة كأديب روائي، أما أنا فمهتم أكثر والأدق أساساً بجمع أكبر قدر من المعلومات.
ما الذي لن تنساه في رحلتك في «القاهرة شوارع وحواديت»؟
ريبة الناس، كل شارع كتبت عنه اجتزته من أوله لآخره وسجلت أبرز ما فيه، كنت أسير أنا والمصور الراحل الكبير شوقي مصطفى، كبير مصوري «الهلال»، أنا أسجِّل في دفتر صغير وهو يصوِّر، وكان الناس يستريبون فينا وأحياناً يمنعوننا، ومرة كنا في شارع «العروبة» قريب من بيت الرئيس حسني مبارك وفجأة لقينا نفسنا اتشلنا واتحجزنا في مكان تحت الأرض وفين وفين لما اقتنعو إننا بتكتب موضوعات في وصف البلد العظيم.
هل كانت روايتك «الصاد شين» بمنطق أن الروائي عادة يكتب عما يعرف؟
نعم، وأعتبرها مغامرة في نزع الستارة الواهمة بين الكاتب وبين ما يكتب والأدق بين الكاتب ونفسه، أكتب نفسك بلغتك وسيسمع العالم.
هل يرى أبو جليل أن التعصب الذي ورثه المصريون من سكان الصعيد، بالأساس سببه تركّز القبائل العربية التي استوطنت وتكاثرت في هذه المنطقة أكثر من غيرها، منذ أن جاءوا مع عمرو ابن العاص بعاداتهم وأفكارهم ومعتقداتهم؟ ولماذا أثرو أكثر مما تأثرو في هذا الصدد؟
الحقيقة العرب عملوا مشكلة في مصر كلها مش في الصعيد بس، وإن كان في الصعيد مشكلتهم مضاعفة أو متلتلة زي ما بنقول، مصر التي كانت المرأة فيها ملكة تحكم صارت عورة، لأن العرب الفاتحين أو قل النازحين بيعتبروها عورة وقس على ذلك.
ألم تخش من كتابة «الصاد شين» باللهجة البدوية أم أنها مغامرة تجريبية وقررت خوضها؟
طبعاً فكّرت في هذا الموضوع وأنا أكتبها، وكدت أكتبها بالفصحى لأحصد الجوائز، ولكن في النهاية مقدرتش أكتبها إلا كده، حسيت إنها هتكون رواية أخرى وناس آخرين، واللي شجعني الرواية المصرية، إحساسي إنها تكاد تضيع تحت جحافل الرواية العربية حتى في مصر نفسها.
في بداية القرن العشرين الرواية المصرية انتقلت نقلة جديدة على مستوى اللغة والشكل والمضمون، وغيّرت فعلياً منجز الستينات الروائي، وكان من أهم سمات هذه النقلة فضلاً عن اللغة والبناء والتخفف من الحبكة الرواج، ارتفاع توزيع الرواية وظهور ما يسمى «البيست سيلر»، وبناء على رواج الرواية المصرية في بداية القرن العشرين ظهرت الجوائز العربية الكبرى ولكنها للأسف وبسبب من القيود المعروفة وسيادة الذائقة الروائية المستقرة ردت الرواية المصرية إلى قبل مرحلة الستينات.
لماذا قلت إن روايتك الأحدث «يدي الحجرية»، تعد بمثابة الرواية الأم، فكل ما كتب قبلها كان محاولات فاشلة لكتابتها. هل يعني هذا أنها محاولة الكتابة الأخيرة؟
هي روايتي الأم فعلاً، روايتي الأولى التي كلما أشرع فيها أتوقف وأنتج كتاباً آخر، هذه المرة رضيت بما جبته منها، مجبتهاش كلها، ولكن راضي عن اللي جبته منها، قصتنا كبدو شمال الصعيد أساسنا والتحامنا بالدولة المصرية الحديثة بداية من المؤسس محمد علي، وذروتها أو قل حكايتها الأساسية في ثورة 1919 الخاصة بنا وفي حدود إقليمنا.
شهد العقدان الأخيران من الألفية الثانية انتشاراً ورواجاً ملحوظاً لفن الرواية. هل ترى أن الرواية صارت ديوان العرب المعاصر؟
ميزة الرواية أنها يمكن أن تستوعب الأنواع الأخرى، ثم إن لكل إنسان حكايته أو روايته التي لا يكف عن روايتها، هذا فضلاً عن الرواج والجوائز.
هل تعاني الساحة الثقافية المصرية من أزمة نقد ولماذا؟ وكيف ترى دور الناقد في العملية الإبداعية؟
طبعاً فيه نقاد فرادى، لكن مفيش حركة نقدية توازي حركة الكتابة أو تعبّر عنها، وده مش مهم ولا يعيق الكتابة سلباً أو إيجاباً.
ما رأيك في «موضات» القراءة والكتابة، بمعنى في فترة ما سادت وانتشرت روايات الرعب، وفي فترة لاحقة ظهرت الروايات التاريخية بكثافة، هل توقفت عند هذه الظاهرة وكيف تراها؟
لا أصدقها.
لمَن يقرأ حمدي أبو جليل ولا يفوت عمل له؟
كتاب كتير في مصر والعالم أحاول ألا يفوتني لهم عمل.
أسست قناة علي «يوتيوب» معنية بتجديد الخطاب الديني ونقد الموروث، هل يأست من الكتابة فاتجهت لوسيلة تواصل أسرع انتشاراً؟
لا طبعاً الكتابة خالدة بلا شك، بس أنا شايف «يوتيوب» وسيلة لمقاومة الأفكار والجماعات الإرهابية.. «يوتيوب» كان له الفضل في نسف شيوخهم لما كشف كذبهم وهو الوسيلة الأمثل لمحاربتهم بنفس أسلوبهم وخطبهم، وأنا أنصح كل دعاة التنوير بـ«يوتيوب».
ما رأيك في الورش الأدبية وهل تصنع مبدعاً بالفعل أم أنها كغيرها من الظواهر التي سرعان ما تأخذ وقتها وتمضي؟
هي تقليد للكتابة في الغرب لأنها رائجة وصنعة ذائعة لها زبون عريض، ولكن بالنسبة لنا أراها مفتعلة.
نصيحة توجهها للكتاب الشباب
اكتب وخلّي الكتابة أهم حاجة في حياتك وليكن ما يكون، ولن تأتي الكتابة وتتطور إلا بالقراءة، وأستاذي كان بيشبّه الحكاية دي بطرومبة الميّة الأرضي اللي مش هتجيب ميّة إلا لما تاخد ميّة وهكذا القراءة والكتابة.