علي جمعة: الأئمة عبر العصور تمسكوا بالسنة النبوية
وضح الدكتور على جمعة مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، أنواع السنة حيث قال إن النوع الثاني من السنة هو ما كان بيانا لما جاء في الكتاب، مصداقاً لقوله تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل:٤٤]، ويأتي هذا البيان على عدة أوجه منها: تفصيل مجمل الكتاب، فعلى سبيل المثال أمر الله تعالى في كتابه بالصلاة من غير بيان لمواقيتها وأركانها وعدد ركعاتها، ففصلت السنة العملية ذلك، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّى) (أخرجه البخاري)، كما أمر الله تعالى في كتابه الكريم بالحج من غير بيان مناسكه، ففصلت السنة ذلك، وقال صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ) (أخرجه البيهقي في السنن الكبرى)، ومن أوجه البيان تقييد مطلق الكتاب، ومثال ذلك قوله تعالى: (وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ) [الحج:٢٩]، فالكتاب يوجب الطواف مطلقا، ولكن السنة العملية قيدته بالطهارة.
وتابع "جمعة" عبر صفحته الرسمية أن النوع الثالث من السنة هو ما كان مشتملا على حكم جديد، ومثاله الحديث الذي أخرجه أبو داود في سننه، الذي يحرم أكل كل ذي ناب من السبع، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يأتي في هذا الباب -وحاشاه- بما يناقض القرآن، لأنه أعرف الخلق بما يبلغ عن ربه، وأخبرهم بمقاصد الشريعة، وكذلك لعناية الله تعالى به، وعصمته من الزيغ، وتوفيقه إلى الحق، وتسديده إلى الصواب، ومن أراد أن ينكر السنة ويكتفي بالشق الأول من النص ليكون محور الحضارة، فإن تفكيره يكون شاذا خارجا عن تفكير كل المجتهدين عبر كل العصور وحتى عصرنا الحاضر، وسوف يلاقي من المشكلات الفقهية والعقدية ما لا يستطيع حله على الإطلاق، وقد يضطر صاحبه إلى تغيير هوية الإسلام، وهو يخادع نفسه والآخرين بأنه مازال ينتمي إلى هذا الدين.
وأضاف : لقد أنكر السنة شُذَّاذٌ من الناس، وهم من غير المتخصصين دائما، فلا يصدق عليهم أبدا أنهم من الجماعة العلمية، بل هي مجموعة من الأهواء التي تتلاطم في أفكار مضطربة في أذهان هؤلاء المُدَّعين. ولذلك نراهم دائما يستدلون بالمتخصصين الذين نقدوا بعض الأحاديث، فيأتي هؤلاء المنكرون -وبغير منهج عقلي أو نقلي- فينزلون هذا النقد منزلة إنكار السنة.
والعجب فيمن ينكر السُّنَّة النبوية أنه رغم جهله بحقيقة السُّنة يكون صادقا مع نفسه، ومع منهجه في الترتيب المنطقي لإنكار السنة النبوية، لأنه يلتزم كل لوازم ذلك الإنكار حتى إنه قد يجد نفسه خارجا عن الإسلام، وهذا هو الذي جعل المخلصين من الأئمة والمجتهدين عبر العصور يتمسكون بالسنة النبوية ويُجْمِعون على حجيتها ويجعلونها الشق الثاني من النص ملازمة للقرآن الكريم ومكونة معه محور حضارة المسلمين.