«احموا عبدالحليم حافظ من عبدالحليم حافظ!»
"احموا عبد الحليم حافظ من عبد الحليم حافظ" تحت هذا العنوان اللافت للنظر كتبت مجلة "آخر ساعة" عام 1963 عن الظروف الصحية الصعبة التي يضطر العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ أن يتحملها حتى يخرج على جمهوره في كل حفلة، فالفنان الذي كان يطرب مستمعيه ويزرع الفرح في نفوسهم كان يعاني منذ طفولته آلام المرض الذي بقي ملازماً له حتى وفاته المبكرة عام 1977 عن 48 عاماً فقط.
جاء في المقال "فجأة وبلا مقدمات شعر بدوار في رأسه وآلام في أمعائه، وكانت هذه الأعراض هي الإنذار الذي يسبق النزيف كل مرة، ولم يكن باقياً على رفع الستار سوى خمس دقائق، وأسرع عبد الحليم إلى غرفة جانبية وراء الكواليس وأخرج من جيبه الانبوبة الصغيرة التي يحتفظ بها للطوارئ وأخرج منها حبتين وابتلعهما بسرعة".
وأضاف محرر “آخر ساعة” الذي لم تذكر المجلة غسمه على غرار ما كانت تفعله المجلات في ذلك العصر: "خرج عبد الحليم إلى المسرح ووقف أمام الرئيس وآلاف الضباط، وأطلق صوته بثلاث أغان وطنية واشتعل الحماس في نادي الضباط، وظل عبد الحليم يغني في ليلة العيد ساعة وربع والألم يحاصره من جميع الاتجاهات، ومع ذلك لم يحاول اختصار الوقت وإنما بذل مجهوداً مضاعفاً لكي يعبر عن فرحته ويشارك الملايين في نشوتها، ولم يكد ينزل الستار حتى أسرع عبد الحليم إلى بيته ولم يستطع الدواء أن يصنع شيئاً أمام المجهود غير المعقول والارهاق الشديد، وبدأ الدم ينزف من عبد الحليم وعاش عشر ساعات أليمة بين أيدي ثلاث أطباء نقلوا له الدم أربع مرات حتى خرج من دائرة الخطر".
وتابع كاتب المقال: "الحقيقة أن عبد الحليم حافظ قام بعملية انتحارية خلال شهر يوليو حيث لم يكن ينام إلا ساعتين أو ثلاثة في اليوم، ثم طار إلى الجزائر كي يشارك في أعياد استقلالها، وظل يتنقل من الجزائر العاصمة إلى وهران وقسطنطينية وبقية المدن الجزائرية وينشر أغانيه الوطنية ويشعل الحماس في كل مكان، وفاجأته آلام الروماتيزم في طريق عودته إلا أنه لم يسترح ولم يهدأ وظل ساهراً طوال أسبوع العيد حتى ينتهي من أغانيه الوطنية الثلاث الجديدة، ولم يحتمل جسده الرقيق بالطبع كل هذا المجهود وحدث النزيف المفاجئ".
وختم محرر المجلة أخيراً بالقول "إننا نطلب حماية عبد الحليم حافظ من عبد الحليم حافظ، لأنه ثروة قومية ليست ملك أي واحد ولا حتى عبد الحليم نفسه".
يذكر أن عبد الحليم حافظ ولد في21 يونيو 1929 بقرية الحلوات التابعة لمركز الإبراهيمية محافظة الشرقية، وهو الابن الأصغر بين أربعة إخوة هم إسماعيل ومحمد وعليا. توفيت والدته بعد ولادته بأيام وقبل أن يتم عبد الحليم عامه الأول توفي والده ليعيش اليتم من جهة الأب كما عاشه من جهة الأم من قبل ليعيش بعدها في بيت خاله الحاج متولي عماشة. كان يلعب مع أولاد عمه في ترعة القرية، ومنها انتقل إليه مرض البلهارسيا الذي دمّر حياته. ولقد قال مرة أنا ابن القدر، حيث أجرى خلال حياته واحد وستين عملية جراحية. كان حليم الابن الرابع وأكبر إخوته هو إسماعيل شبانة الذي كان مطرباً ومدرساً للموسيقى في وزارة التربية. التحق حليم، بعدما نضج قليلا في كتاب الشيخ أحمد؛ ومنذ دخول العندليب الأسمر للمدرسة تجلّى حبه العظيم للموسيقى حتى أصبح رئيسا لفرقة الأناشيد في مدرسته. ومن حينها وهو يحاول الدخول لمجال الغناء لشدة ولعه به.
التحق بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين عام 1943. حين التقى بالفنان كمال الطويل, كان عبد الحليم طالبا في قسم تلحين، وكمال في قسم الغناء والأصوات، وقد درسا معا في المعهد حتى تخرجهما عام 1948 ورشح للسفر في بعثة حكومية إلى الخارج لكنه ألغى سفره وعمل 4 سنوات مدرساً للموسيقى بطنطا ثم الزقازيق وأخيرا بالقاهرة. ثم قدّم استقالته من التدريس والتحق بعدها بفرقة الإذاعة الموسيقية عازفا على آلة الأوبوا عام 1950.
تقابل مع مجدي العمروسي في 1951 في بيت مدير الإذاعة في ذلك الوقت الإذاعي فهمي عمر. اكتشف عبد الحليم شبانة الإذاعي حافظ عبد الوهاب الذي سمح له باستخدام اسمه "حافظ" بدلا من شبانة.
وفقاً لبعض المصادر فإن عبد الحليم أُجيز في الإذاعة بعد أن قدم قصيدة "لقاء" كلمات صلاح عبد الصبور، ولحن كمال الطويل عام 1951، في حين ترى مصادر أخرى أن إجازته كانت في عام 1952 بعد أن قدم أغنية "يا حلو يا أسمر" كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي، وعموماً فإن هناك اتفاقاً أنه غنّى (صافيني مرة) كلمات سمير محجوب، وألحان محمد الموجي في أغسطس عام 1952 ورفضتها الجماهير من أول وهلة حيث لم يكن الناس على استعداد لتلقّي هذا النوع من الغناء الجديد.
ولكنه أعاد غناء "صافيني مرة" في يونيو عام 1953، يوم إعلان الجمهورية، وحققت نجاحاً كبيراً، ثم قدّم أغنية "على قد الشوق" كلمات محمد علي أحمد، وألحان كمال الطويل في يوليو عام 1954، وحققت نجاحاً ساحقاً، ثم أعاد تقديمها في فيلم "لحن الوفاء" عام 1955، ومع تعاظم نجاحه لُقّب بالعندليب الأسمر.