دينا نبيل: أغلب الدراسات النقدية تتناول القضايا الاجتماعية التقليدية
الكاتبة والباحثة دينا نبيل للقاهرة : (يجب على القائمين على الجوائز أن يكونوا عونًا للقارئ في تقديم الأكثر من جيد وليس الجيد فحسب للمشهد الثقافي
الكاتبة" دينا نبيل" ، باحثة وتكتب القصة ولها دراسات نقدية عديدة فيما يخص أجيال مختلفة من أجيال الرواية منهم إبراهيم أصلان ووحيد الطويلة وعشرات من الكتاب وهذا من خلال عملها بمختبر سرديات مكتبة الأسكندرية، - ودينا نبيل حاصلة على ليسانس آداب وتربية قسم لغة إنجليزية جامعة الأسكندرية 2005 وماجستير في الأدب الإنجليزي، كلية الآداب جامعة الإسكندرية 2019
وهي مدرس أدب إنجليزي ولغة إنجليزية بالشهادة الدولية الإنجليزية بكلية النصر للبنات – القسم البريطاني، ومدارس الفرسان الدولية.
وولدت دينا بمدينة الأسكندرية ومن إبداعاتها، المشاركة في مجموعة قصصية "خمائل الواحة" الصادرة عن دار الجندي/ القدس، مع عدد من الكتاب العرب.
وكتاب "بلورات سردية: مقالات ودراسات تطبيقية في نقد الرواية والقصة القصيرة" ، عن المجلس الأعلى للثقافة، 2016.
وكتاب وجهك الأرابيسك" – مجموعة قصصية، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، 2017.
و Quill and Parchment ، في نقد الأدب العالمي، عن دار لامبرت بألمانيا، 2018.
كما شاركت في كتاب (السرد وآفاق التلقي) الصادر عن مكتبة الإسكندرية بدراستين نقديتين عن المجموعة القصصية (ممرات سرية للفرح) للكاتبة حنان سعيد بعنوان (الجنوسة في ممرات سرية للفرح) ورواية "جبل الطير للكاتب د. عمار علي حسن. 2019.
وحصلت دينا على العديد من الجوائز منها: درع المثقف للثقافة والأدب والفن 2013 من قِبل مؤسسة المثقف العربي كرمز " للمرأة الناقدة ". جائزة مسابقة المؤتمر العام لأدباء مصر عن البحث الموسوم "التراث القبطي في الرواية المصرية المعاصرة" 2018
“الدستور” التقت " دينا نبيل.. وكان هذا الحوار
- عن النتاج الأدبي المشترك، وتجربتك مع بعض الكتاب في قصص" خمائل الواحة" كيف تقيمين تلك التجارب الإبداعية بشكل عام وهل هناك ثمة اضافة للكاتب تعود بها تلك التجارب؟
(تجربتي في النتاج المشترك كانت من أوائل تجاربي في النشر بشكل عام، ولم يكن يعنيني النشر حينها فقد كان مجهودًا تطوعيًا من أحد رواد ملتقى رابطة الواحة الثقافية، وهي رابطة إلكترونية كنت أقدّم بعضًا من نصوصي القصصية وبعض (خربشاتي) النقدية حينها على صفحاتها. وتم اختيار بعضًا من نصوصي لإدراجها جنبًا إلى جنب مع بعض الكتّاب العرب بعضهم كان في بداية الطريق مثلي والآخر متمرّس. هذه التجربة فريدة من نوعها بسبب سياسة الملتقى المحسوبة؛ فبعد أن يتم نشر النص إلكترونيًا يتناوله الكتّاب المتمرسون بالقراءة وتوجيه النصح للمبتدئين وهو ما أعانني إلى حد كبير في تقييم كتاباتي وكتابات الآخرين. في رأيي أن تجربة النشر الجماعي إضافة كبيرة للكاتب حتى وإن غاب اسمه عن الغلاف، ولكن انفتاح الكاتب على رؤى مختلفة ولاسيما وأن الكتّاب المشاركين ينتمون إلى خلفيات ثقافية مختلفة بحكم تنوع البلدان فإن هذا يُسهم في صقل التجربة الإبداعية والعين الناقدة للكاتب.
- انطلاقا من كتابك النقدي "بلورات سردية" والذي تعرضتِ فيه بالنقد لنصوص عدة، كيف ترى الكاتبة والناقدة دينا نبيل، خارطة النقد المصري والعربي في السنوات العشر الأخيرة؟
( تناولت في كتابي عددًا من الأعمال المختلفة سواء مصرية أو عربية، حاولت خلالها رصد تغيرات الأدب في السنوات الأخيرة، والوقوف على حالات الشتات النفسي والحسّي الذي أفقد الإنسان كثيرًا من ملامحه الإنسانية. كنت في بحثي من أجل تقديم هذا الكتاب أنظر في الأبحاث والدراسات النقدية السابقة عن الأعمال ذاتها؛ إلّا أنني وجدت أن أغلب الدراسات النقدية تتناول القضايا الاجتماعية التقليدية والخلفية الثقافية للعمل أكثر من تناول العمل نفسه وبنيته السردية، وآليات التجريب فيه؛ وهذا في نظري من الأهمية بمكان إذ يستفيد منه الكاتب في التعرف على آليات التجريب وشحذ أدواته في الكتابة التي عليه دائمًا الاشتغال عليها.
هناك تميّز واضح في المشهد المغربي والجزائري لأنه يُزاوج بين التنظير والتطبيق وينفتح على الفلسفة الغربية بشكل واضح؛ إلا أنّ المشهد النقدي المصري بدأ يعود لقوته المعهودة مؤخرًا وخاصة مع أجيال النقّاد في العشر سنوات الأخيرة نتيجة الانفتاح على نظريات النقد الأدبي الحديث بشكل واسع ومطالعة تغيراتها، وهو ما أعانهم على تقديم قراءات تجمع بين النظرية والتطبيقية مع الاجتهاد في مواكبة سيل الأعمال المنشورة وحتى المخطوطة. هناك الكثير من المسارات والمناهج النقدية التي تحتاج الاشتغال عليها، بل على الناقد أن يجرّب هو الآخر طرق أبواب جديدة للنصوص ويلج إليها من نوافذ لم يعهدها أحدٌ من قبله، فالنقد إبداع في حد ذاته وليس مجرد تقييم سلبي أو إيجابي للنص.
-ماذا عن رؤاك أو دراساتك الأدبية، عن الراحل ابراهيم أصلان هل هناك تعمد لاختيارك نصوصه وما هو موقفك من كتابات مجايليه من جيل الستينيات؟
( بدأت قراءة الراحل الكبير إبراهيم إصلان من باب صقل قراءاتي القصصية وكانت تسبقها قراءات لكتاب القصة القصيرة من الكبار وعلى رأسهم يوسف إدريس بالطبع؛ إلا أنني وجدت نفسي منجذبة لقراءة جيل الستينات بالتحديد رغم أنني يفصلني عنه وعن ظروفه أكثر من عشرين عامًا إلا أنني أجد صدى عصرهم في كل شيء حولنا. فحالة الانكسار التي أعقبت النكسة وتهدّم الكثير من المسلمات وانتفاء النظرة الرومانسية كانت هي المحركات التي دفعت بهم نحو شقّ طريق جديد للتعبير عن أنفسهم، ومن ثمّ أثارت فضولي في التعرف إلى تجربتهم في التعبير عن هكذا ظروف، شيء لم يكن بإمكان جيل الكبار الذي يسبقهم أو الأجيال اللاحقة التي تلتهم أن تنافسهم فيها. ولا يمكن في هذا الصدد إغفال أعمال محمد جبريل ومحمد حافظ رجب – التجريبي العظيم - في إبراز تغير الواقع المصري آنذاك.
أما عن إبراهيم أصلان على وجه التحديد، فلقد أعجبتني لغته البسيطة المشهدية التي تشبه الطلقات المختزلة، لذا أفردت له بحثًا خاصًا يتناول فيه جمله السردية المتميزة ولاسيما في مجموعته "يوسف والرداء". كما قمت بتسليط الضوء على سمات أدب الغضب الذي ينتمي إليه، وإمكاناته في الخوض في الخيال اللامتناهي بعيدًا عن الغرائبية المصطنعة. وأشد ما استمتعت به كانت دراستي لمجموعة "بحيرة المساء" وتناولي نظرته عن المرأة؛ وهو موضوع لا أعتقد أنّه تم تناوله بالدراسة من قبل في أدب إبراهيم أصلان، فكتبت بحثًا عنه تم نشره في أخبار الأدب ووضعه في كتابي فيما بعد إلى جانب دراسات أخرى عن أصلان أيضًا.
- تمارسين السرد القصصي والدراسات النقدية الأدبية، فكيف تقيمين المشهد الإبداعي المصري آنياً؟
( المشهد الإبداعي المصري في رؤيتي يمر حاليًا بمفارقات كبيرة؛ فبعضه في حالة فريدة من النضج والإبداع سواء لكتّاب يستكملون تجربتهم الإبداعية فتصير أكثر رسوخًا أو آخرين ينشرون أعمالهم للمرة الأولى. يمكن تلمّس كثير من تيارات التجريب حاليًا فتظهر أوجه وملامح إعادة الكتابة أو الميتافكشن مثل "طعم النوم" للكاتب طارق إمام و"رجال غسّان كنفاني" للكاتب حسام العادلي، وهناك تيارات الواقعية السحرية والصوفية - كأحد مساربها - مثال ذلك "ليلة يلدا" للكاتبة غادة العبسي، وهناك حضور قوي للرواية التاريخية التي تناطح أحيانًا كتب التاريخ في مصداقية معلوماتها المضفرّة في السياق الإبداعي مثل "أولاد الناس" للدكتورة ريم بسيوني، وأعمال أخرى تطرق أبواب التجريب وهدم المسلمات كما في رواية الرائع وحيد الطويلة "جنازة جديدة لعماد حمدي"، إلى جانب الاحتفاء بالبيئة المصرية واستنطاق التراث الشعبي. المشهد زاخر بكل ما تعنيه الكلمة.
إلّا أنّه مع الأسف تتسع القائمة الآن لتضم إلى جانب الثمين الكثير من الغثّ، فصارت الكتب الأكثر مبيعًا تختلط مع الأعمال الإبداعية الأمر الذي زاد صعوبة الاختيار بالنسبة للقارئ المصري؛ فإما أن يُسيء الاختيار أو يختار الأسماء التي يسمع عنها فقط أو قرأ لها قبلًا، وهذا مما لا شك فيه يؤثر على الذوق العام للقارئ. وهذه ليست معضلة القراءة ودور النشر فقط ولكنها سمة في المجتمع حاليًا وهو تحوّل المحتوى الثقافي والفني إلى سلعة خاضعة للعرض والطلب، والمظلوم في النهاية هو المتلقّي. وهنا يأتي دور الناقد في مساعدة القارئ فيما يقرأ وكيف يقرأ، ولكن مع فيضان النشر حاليًا يصعب على النقّاد مواكبة هذا السيل من الأعمال.
_ وكيف إذن تريين جنوحك، ولأي المسارات تنتمين أو تتفاعلين، وماذا أضافت لك تلك المسارات المتعددة؟
( بحكم دراستي للأدب الإنجليزي والفلسفة الغربية، فقد انفتحت لدي العديد من المسارات وتناولت الكثير من الأعمال الكلاسيكية في الأدب الإنجليزي وفق المدارس النقدية المختلفة بحكم الدراسة، الأمر الذي دفعني إلى تجريب المناهج المختلفة على الأعمال الإبداعية العربية في بداية تجربتي النقدية؛ إلا أنني أكاد أجزم أن تلك المسارات لا توجّه الناقد في تناوله للأعمال بالدراسة بقدر توسيع مداركه وخبراته في الحياة بصورة أكثر شمولية. أما إن كان الأمر عن تحديد مسارٍ بشكل خاص، فتيار ما بعد الحداثة هو محل شغفي كقارئة قبل كوني باحثة في المجال النقدي، فآليات التجريب التي ينتهجها هذا التيار وفلسفة التفكيك أتاحت إلي الفرصة لتناول أي خبرة سواء إبداعية أو حياتية وأخذها بعين الشك وإخضاعها إلى طاولة البحث قبل البتّ فيها.
أما بخصوص الكتابة القصصية، فلا زالت تجربتي في بدايتها ولم تكتمل بعد، إلا أنني أستشعر حالي حين الكتابة – وهنا أتحدث عن نفسي كباحثة في النقد الأدبي – فأنا أميل إلى التراث الشعبي واستخراج مكنوناته وإعادة قراءتها بشكل جديد وأحيانًا بشكل أقرب إلى الفانتازيا والعبثية التي تعكس عبثية إداركنا لكثير من المفاهيم الحياتية التي تمرّ علينا مرور الكرام دون تأمل.
-عن علاقتك بمختبر سرديات الأسكندرية، كيف تقيمين حالات السرد عامة فيما يخص تلك الكتابات التي تعرضتي لها بالنقد والتنظير؟
( في الحقيقة إن مختبر السرديات يمثّل منارة ثقافية بالدرجة الأولى ولا يمكن نعته بمختبر "سكندري" بأي حالٍ من الأحوال، ذلك لأنه يقدّم الإبداع السردي بشكل عام بغض النظر عن ماهيته سواء سكندري، مصري أو عربي. وعلاقتي بهذا المكان علاقة شديدة الصلة لأنه وتحت إشراف الكاتب منير عتيبة أتاح لي الفرصة خوض التجربة النقدية للمرة الأولى. وقد كان لي نصيب في تناول كتابات تنتمي إلى الإبداع السكندري والمصري والعربي بشكل عام. ومن خلال الأعمال التي تعرضت لها بالقراءة أو النقد، فيمكن القول أن الكتابة العربية (الجادة) تأخذ مسارب جديدة نحو التجريب وتستحق الاحتفاء. ومن خلال قراءتي للأدب الغربي المعاصر يمكنني القول أن المشهد العربي ينافس الغربي بقوّة بل أراه أحيانًا يفوقها نظرًا لأنه محمّل لا بتراث أصيل ممتد لآلاف السنين فحسب ولكن لأن تجربة الحروب والتهجير والنكبات المتلاحقة منحت العقل العربي مخزونًا عميقًا وإن كان مؤلمًا.
وأشد ما يلفت انتباهي هو جنوح عدد لا يمكن إغفاله من الأعمال نحو تجسيد حالات الغربة والاستلاب ولاسيما عبر التيّار الصوفي والفنتازي الأمر الذي يجب أن يلتفت إليه الكتّاب بشكل عام؛ وهو أن تيار الصوفية إنما هو تيار وسيلة وتيار جمالي وليس غاية أو توجهًّا عصريًا للدخول في سباق الكتب الأكثر مبيعًا!
- كسكندرية المولد والإقامة والفعالية، حدثينا عن رؤيتك للمشهد الأدبي السكندري؟
( المشهد الأدبي السكندري يشهد منعطفات كثيرة، بدءً بتهميشه ولا أقصد هنا تهميش الأعمال وإنما أقصد الفعاليات باعتبار أن الإسكندرية مدينة ثقافية تنويرية من الدرجة الأولى ولها مخزونها الكوزموبوليتاني الذي لا يضاهيها فيه أية مدينة مصرية أخرى. مع الأسف أغلب الفعاليات من مؤتمرات وندوات ومبادرات وإصدار صحف تكون بالجهود الذاتية التطوعية من محبين حقيقيين للثقافة والفنون. هناك الكثير من الأقلام التي لا يُلتفت إليها سواء في الإبداع أو النقد وتلقى صعوبات في النشر والتواصل مع دور النشر بسبب مركزية القاهرة، الأمر الذي يضع الكثير من مبدعي الإسكندرية بين شقي رحى: إما الترحال إلى القاهرة أو البقاء في الإسكندرية والتعرض لخطر التغافل والنسيان. المشهد السكندري زاخر بالأقلام والبيئة السكندرية لا تنفك تظهر في كل طيّات أعمال أهل الإسكندرية؛ إلا أنّ الحاجة إلى الاحتفاء بهذا الأدب على وجه التحديد لا بد منه كون تلك المدينة الأسطورية إحدى مكوناته.
- عن الجوائز المصرية والعربية، كيف ترينها وخاصة في تلك الأسباب المرتبطة بماهيتي المنح والمنع؟
(موضوع الجوائز شائكٌ إلى حد كبير لكن لا يمكن إغفال دورها في تسليط الضوء على كثير من الأعمال التي تسقط عن دائرة الاهتمام بسبب كثرة المعروض والرائج. لا أعتقد أن الكاتب يجب أن يكتب وصوب عينيه جائزة ما؛ فيكيّف ما يجول بخاطره كي يتناسب معها، ومن ناحية أخرى يجب على القائمين على الجوائز أن يكونوا عونًا للقارئ في تقديم الأكثر من جيد وليس الجيد فحسب للمشهد الثقافي؛ فكلمتهم يأخذها القارئ والناقد ومن قبلهما الكاتب بعين الاعتبار.