محمد الباز يكتب: «سياسة الحافة».. الغرور الإثيوبى مجرد حمل كاذب
عندما تتابع تصريحات المسئولين الإثيوبيين حول الملء الثانى لسد النهضة، تعتقد أنك أمام دولة عظمى، تمتلك من الإمكانات ما يمكنها من تحدى العالم كله، وليس دولتى المصب- مصر والسودان- فقط.
فعندما يقول مسئول إثيوبى إنهم سوف يقومون بعملية الملء الثانى للسد سواء باتفاق أو بدونه، وإنه لا توجد قوة على الأرض تستطيع أن تمنعهم من ذلك، لا بد أن تبحث على الأرض عن القوة التى تقف وراء هذه التصريحات العنترية، التى يبدو منها أنها تستند إلى ما لا نعرفه من أسباب ودوافع ومبررات.
ضع هذه الصورة جانبًا، وتأمل فقط ما عليه إثيوبيا، فهى فعليًا تجلس على برميل من البارود الذى يمكن أن ينفجر فى أى لحظة، لتتحول بعده الدولة العنيدة أثرًا بعد عين.
فالدولة التى تقف متحدية الجميع، شرقًا وغربًا، تعانى من أزمات مركبة، يصعب عليها الخروج منها أو التعايش معها.
التقديرات السياسية الدولية تشير إلى أن إثيوبيا تقف على حافة الانهيار الكامل.
ملامح الانهيار تأتينا على خلفية ما يحدث هناك، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى إعلان موقفها بوضوح مما يحدث على أرض إثيوبيا.
أعلنت الولايات المتحدة أنه لا بد من:
أولًا: انسحاب قوات إريتريا العسكرية وقوات أمهرة من إقليم تيجراى.
ثانيًا: إجراء محاكمات علنية وشفافة بشأن الانتهاكات التى حدثت فى الإقليم، وهى الانتهاكات التى وصلت إلى درجة جرائم الحرب.
ثالثًا: السماح بدخول مساعدات إلى الإقليم المنكوب، تُعين مواطنى تيجراى على الحياة بحدها الأدنى.
قابلت إثيوبيا تهديدات أمريكا وقرارها بتعليق المساعدات لها بعنجهية مضحكة، وتخيل أنها أعلنت أنها ستعيد النظر مرة أخرى فى علاقتها بالولايات المتحدة، معتقدة بذلك أنها يمكن أن تجبر الأمريكان على مراجعة موقفهم من أديس أبابا.
تعنت إثيوبيا مع الأمريكان أفقدها حالة الحياد التى كانت تتعامل بها الولايات المتحدة مع سد النهضة، وهو ما يفسر إعلان وزير الخارجية الأمريكى فى القاهرة عن التزام واشنطن بالوصول إلى حل قانونى ملزم يحفظ للدول الثلاث، مصر والسودان وإثيوبيا، حقوقها المائية.
عندما نقترب أكثر من سد النهضة على الأرض، سنكتشف أنه فى ظل حالة الغرور التى تبديها إثيوبيا، إلا أنها غير قادرة على القيام بمسئوليتها تجاه السد نفسه.
ففى الوقت الذى تتحدث فيه إثيوبيا عن الملء الثانى للسد، وأنه لن يستطيع أحد أن يمنعها من ذلك، فإنها تعجز عن استكمال القطاع الأوسط من السد نفسه، وهو الوضع الذى لا بد أن يثير السخرية.
تقول التقارير الفنية عن السد الإثيوبى- وطبقًا لتصريحات صحفية سابقة لهانى رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية- إنه من المفترض أن يتم رفع القطاع الأوسط من السد إلى ٣٠ مترًا، حتى يتمكن من حجز كمية المياه المقررة وهى ١٣.٥ مليار متر مكعب، لكن إثيوبيا لم تتمكن حتى الآن إلا من رفع القطاع الأوسط بمقدار ٤ أمتار فقط، وبحسبة الزمن فلن تستطيع إثيوبيا أن تستكمل رفع القطاع الأوسط قبل الوصول إلى الموعد الذى حددته للملء الثانى، وهو ما يشير إلى أنها لو بدأت الملء فلن تتمكن من حجز نصف كمية المياه المفترضة للملء الثانى.
ما الذى يخبرنا به الواقع الإثيوبى إذن؟
أغلب الظن- الذى هو ليس إثمًا بالمناسبة- أن إثيوبيا تتعنت وتعاند وتعلن التحدى عند درجته القصوى، لأنها تتعامل مع الأمر بـ«سياسة الحافة»، فهى تقف على شفا الانهيار، لا تملك شيئًا فعليًا لتخسره، وهو تصرف يليق بمن يريد أن ينتحر دون أن يبقى على شىء.
سياسة الحافة التى تتعامل بها إثيوبيا ترشدنا إلى أن الغرور الذى تتعامل به ليس إلا حَمْلًا كاذبًا سرعان ما سينكشف أمره، والزمن وحده كفيل بذلك.
ولأن المفاوض المصرى، ومن خلفه صانع القرار، يعلم حقيقة وضع إثيوبيا، فهو يتعامل معها بسياسة الصبر المطلق، وهى سياسة كفيلة وحدها بأن تجهض الحَمْل الإثيوبى الكاذب، دون أن نتكلف عناء أو ثمن رصاصة واحدة فى اتجاه أديس أبابا.