أكد أن دروسه كثيرة و يجب أن يدركها المسلمون
علي جمعة : رمضان شهر الانتصارات وفيه وصلت جيوش المسلمين لفتح مكة
قال الدكتور على جمعة، مفتي الجمهورية السابق وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، إن شهر رمضان قد قارب على الانتهاء أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاللهم يا ربنا ارحمنا بما أدينا في أوله، واغفر لنا بما وفقتنا في أوسطه، واللهم اعتقنا من النار بما ستوفقنا فيه يا ربنا في آخره وهو شهر الانتصارات، وفي مثل هذا اليوم مَنَّ الله سبحانه وتعالى فيه على نبيه ورسوله ﷺ وأقر قلبه بالعودة إلى وطنه ففتح عليه مكة المكرمة صلحاً لا عنوة بالسلام لا بالحرب، وبالإيمان لا بعقلية الكفر والطغيان، بَشَّرَهُ ربه سبحانه وتعالى بها قبل أن يفتحها {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً}.
- رمضان شهد الفتح الأعظم لمكة
وتابع مفتي الجمهورية السابق عبر صفحته الرسمية، ففي اليوم العشرين من رمضان وصلت جيوش المسلمين إلى مكة للفتح الأعظم، والذي كان نقطةً فارقةً في حياة الإسلام والمسلمين، وفي حياة البشرية جمعا، تحركت الجيوش من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة في يوم العاشر من رمضان، ووصلت المدينة في يوم عشرين منه في السنة الثامنة من هجرة، وكان رسول الله ﷺ يشعر بالخطر الداهم من شمال المدينة وجنوبها و في الشمال بعض القبائل المشركة، وفي الشمال خيبر وفيها اليهود، وفي الجنوب مكة، وفيها عُتاة المشركين أصحاب المصالح لدوام الحال كما هو دون تغيير، ودون إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
واتفقت هذه القوى على رسول الله ﷺ ، وهو يعلم ذلك بحسن تحليله للأخبار، وبالوحي المؤيد من الرحمن سبحانه وتعالى، يرى الخريطة أمامه، ويُرشد كل مفاوضٍ مسلم أن يرى الخريطة أمامه حتى ينجح في سعيه، وفي مفاوضته، نزل رسول الله ﷺ يريد عمرة، منعه المشركون في منطقة الحديبية على بُعد كيلو مترات من مكة المكرمة، ويحدث بينهما الجدال، وعمر يقول: يا رسول الله لِمَ نقبل الدنية في ديننا؟ هيا بنا نغزوهم، والنبي ﷺ يُهدئ باله ويُسكته، رسول الله ﷺ يقبل بمعاهدة ظاهرها غريب فيه كما يقول عمر أننا نقبل الدنية في ديننا، ولكن رسول الله أراد أن يفك "الكماشة" العسكرية، وأن يُحيّد أهل مكة، فلما صعد إلى المدينة غزا خيبر، وانتصر عليها ففك "الكماشة" من طرفها الثاني الشمالي، ولما قريش نقضت العهد نزل، وفَتَح مكة في السنة الثامنة من الهجرة النبوية.
- دروس كثيرة لفتح مكة يجب أن يدركها المسلمون
و تابع "جمعة" في الفتح دروس كثيرة ينبغي أن يدركها المسلمون المفاوضون حتى تنالهم بركة رسول الله ﷺ؛ فقد قعد لهم من قواعد ،وأمرهم من أوامر، وهداهم بهدايته في كيفية التعامل السليم مع الخلق، في الفتح دروس نحتاج فيها إلى مدارسة عظيمة في معنى الجوار الذي يجير فيه العباس رضى الله تعالى عنه ،وكان مسلما وكان متهيئاً للذهاب إلى المدينة ليهاجر إليها ويترك أهل الشرك وبلد الشرك ؛يجير أهل وطنه المشركين ويقف معهم فيجير رسول الله ﷺ من أجاره العباس ، نريد أن نفهم معنى الوطنية ومعنى الانتماء من قصة الفتح ،ومعنى الحب الذي يكون في قلوب الناس لأوطانهم حتى لو طغت عليهم وحتى لو أخرجوه من دياره وماله ،وها هو سيدنا ﷺ يبحث عن بيت يبيت فيه ويقول (وهل ترك عقيل من رباع؟!) -عقيل ابن عمه قد باع دوره وهو غائب في هجرته ﷺ عن وطنه - أخرجوه من دياره ومن ماله ومن وطنه الذي نظر إليه وهو يهاجر فقال : (ألا إنك أحب أرض الله إلي ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت) وهو يبكي ﷺ بأبي هو وأمي.
وأوضح أن يوم الفتح يوم ينبغي أن نقرأه مرات، يقول ابن حزم في جامع سيرته: "ومنه يؤخذ أن أحدا من المسلمين إذا أجار أهل الشرك في بلدهم فإنه يؤخذ بجواره ويحرم على المسلمين كافة أن يقربوها إلا إذا خرجوا من جواره". ما هذه العظمة التي تركها لنا رسول الله ﷺ في بناء الشخص المسلم؟ إنه يجير العالمين عزة ما بعدها عزة، تكاتف وتآلف بين المسلمين ما بعده تآلف ولا تكاتف، بماذا؟ بالسكينة التي أنزلها الله في قلوب المؤمنين، فلم يخافوا أحدا من العالمين ،ولم يسارعوا إلى هواه ؛بل تعالوا في أنفسهم عن كل ما يحدث حولهم وأطاعوا الله ورسوله، لم يختل في أيديهم الميزان فيتحولون إلى قتله للمسلمين والآمنين، ولم يختل في أيديهم الميزان فيلقون بأيديهم إلى التهلكة في معارك ليست متكافئة ،ولم يختل في أيديهم الميزان ويجلسون في بيوتهم لا يجاهدون في سبيل الله.