مجدى صابر: كثيرًا ما دعوت الله فى المساء لأجده استجاب فى صباح اليوم التالى
«الله فى كل مكان، وكثيرة هى المرات التى مد فيها يده وانتشلنى من أزمة أو أنقذنى من خطر».. بهذه الكلمات يصف السيناريست مجدى صابر علاقته مع الله، الذى يناجيه ويرسل له الخطابات الشفهية طوال الوقت.
أول معرفة «صابر» بالله كانت فى حى شبرا بالقاهرة، الذى سكنه مع أسرته فى سن مبكرة قادمًا من الجنوب من مركز ساقلته فى محافظة سوهاج، ثم التحق بمدرسة التوفيقية، وبعدها انتقل لحى دار السلام، والتحق بكلية التجارة جامعة عين شمس.
بدأ «صابر» رحلته مع الكتابة فى مرحلة الجامعة بسلاسل روائية متنوعة للشباب، ووصل ما أنتجه من هذه الروايات إلى ٣٠٠ رواية، وكان له قراء كثيرون قد لا يعرفونه شخصيًا لكنهم يعرفون اسمه.
بعد تخرجه فى الجامعة عمل مراسلًا صحفيًا لعدد من الصحف والمجلات العربية لمدة، ثم تدخلت يد الله فى مساره، حين أهدى أحدهم لـ«إبراهيم سالم»، صاحب شركة فيديو ٢٠٠٠، عدة روايات كتبها.
بعد هذا الإهداء ستنال الروايات إعجاب «سالم» الذى سيلتقى «صابر» ويطلب منه تحويل بعض رواياته إلى سيناريوهات، ليخرج إلى النور أول أعماله الدرامية مسلسل «حارة المحروسة» الذى أخرجه مجدى أبوعميرة، وشارك فى بطولته أحمد عبدالعزيز وصابرين سنة ١٩٩٦.
وبعد عرض «حارة المحروسة» تهافت عليه المنتجون، وتوالت إبداعاته ولعل أشهرها «الرجل الآخر» و«أين قلبى» «وسلسال الدم».. عن الله فى حياته، ومحطات إيمانية كثيرة فى قلبه، كان لـ«الدستور» هذا الحوار مع مجدى صابر.
نشأت فى شبرا بجوار كنيسة العذراء.. وجدتى من علمتنى حب الخير
تأثر «صابر» بنشأته، وكان لأفراد أسرته دور كبير فى وضعه على أول الطريق إلى الله، خاصة جدته. يقول: «أنا فى الأساس من سكان شبرا، وكنت أسكن بجوار كنيسة العذراء، وهذا القرب من الكنيسة بهذا الشكل جعل هناك تواصلًا حقيقيًا بينى وبينها، خاصة أن نشأتى كانت فى بيت متدين يعرف الله حق المعرفة، والدتى ووالدى وجدتى كلهم، وكانت أمى حريصة على أن أؤدى كل التزاماتى الدينية».
ويضيف: «هناك الكثير من المشاهد العالقة بذهنى، ولكن هناك مشهد خاص يسيطر على كل المشاهد بطلته جدتى لوالدى واسمها قديسة، التى كانت تصلى بالليل والجميع نيام، كانت تفعل ذلك حتى يظهر صباح اليوم التالى».
ويتابع: «لأن جدتى صعيدية فكانت تحب اللحوم مثل أبناء الصعيد وكانت شرهة فى أكل اللحم أو هذا ما كنت أتخيله إلى أن عرفت الحقيقة. كانت جدتى تأخذ نصيبها من اللحوم وتقسمه وتضعه فى أرغفة وتوزعها فى اليوم التالى على الغلابة، كانت تفعل هذا بصفة دورية، وهذا الموقف كان له أثره الكبير علىّ فيما بعد، ومازلت أتذكر كيف كانت يدها ممدودة دائمًا للناس، وكيف كانت تجرى دموعها فى صلاتها».
وإذا كانت أسرة «صابر» أول من وضعه على بداية الطريق إلى الله فالكاهن صموئيل واحد من الذين أرشدوه أثناء سيره فى الطريق.
يقول: «هو كاهن من منيا القمح بالشرقية، قابلته وتعمقت علاقتى به وأصبحت صداقة وطيدة. كان الرجل يملك القدرة على التنبؤ، وكان يصيب فى معرفته، وكان مشهورًا بذلك، فمثلًا يأتى له شاب وفتاة ويقولان له إننا لم ننجب بعد، فينتظر الكاهن قليلًا ثم يقول لهما (ستأتيان لى فى العام المقبل ومعكما مريم)، ويحدث ما يقول وتأتى مريم، وكان يصف نبوءاته بطريقة مدهشة وكان سببًا فى شفاء الكثيرين ويعاونهم ويجلى أبصارهم. تنيّح منذ شهور. أنا أحترمه وأحترم قدسيته وعلاقته بالله، وأنا سعيد لأن علاقتى به امتدت لسنوات كثيرة».
حكمة ورؤية الله أوسع من قدرتنا على فهم ترتيباته
يقول مجدى صابر: «أناجى الله دائمًا فى صلاتى وفى كل وقت وأنا جالس مع الناس، المناجاة هى حوار داخلى يرد فيه ذكر الله وطلب المدد منه، الله عظيم، وهذه العلاقة الروحية بيننا وبين الله هى صمام الأمان، وذكرك لله فى كل وقت يباعد بينك وبين معصيته».
ويضيف: «فى حضرة الله يصيبك الوجد، ومناجاته مونولوج داخلى بلا صوت، ولا يهم متى تحدث أو أين ولا يهم إذا كنت وحيدًا وقتها أو برفقة الآخرين، فتذكره سبحانه وأنت مع أحدهم شىء جميل، كلها مناجاة روحية صوفية يغلفها الخشوع والمهابة والجلال».
ويواصل: «الله موجود فى كل مكان جلت عظمته، هو ليس أكبر من الأرض والسماء فقط، هو أكبر من كل هذا الكون الفسيح، وإن كانت الأرض تكاد تكون حبة رمل صغيرة فى صحراء شاسعة فالله أكبر من هذا الكون الذى نعرفه والذى لا نعرفه، والعلم الحديث يكتشف العديد من المجرات يفصل بيننا وبينها آلاف السنوات الضوئية، وكل هذه الحدود لله أكبر منها بكثير».
ويستكمل: «أرى عظمة الله وجلاله فى دقة خلقه وعظيم صنعه فى المخلوقات التى أشاهدها فى الأفلام التى تعرضها قنوات علمية متخصصة توضح لنا أن حدود معرفتنا لا تتخطى القليل، فهناك اكتشافات علمية كل يوم، وحتى فى البحار يكتشفون كل يوم أسماكًا جديدة بألوان زاهية وقدرات دفاعية عجيبة».
يكمل: «هناك أشياء كنت أتلمس فيها نيل البركة، مثل أن أذهب لأحد الأديرة وأتبارك بالقديسين، فعلاقة هؤلاء مع الله قوية وطيدة، ولست أؤمن بوجود وساطة بين العبد والرب، ولكننى أؤمن بوجود أناس أقرب إلى الله نتخذ منهم الوسيلة لمعرفة الله والتقرب منه، وشهدنا لهم بالكثير من الكرامات».
مناجاة الله عز وجل لها أكثر من شكل، لكنها لا يجب أن تتحول أبدًا إلى عتاب أو لوم، يقول: «لا أعتقد أن من حقى أن أعاتب الله ولكننى أترجاه وأطلب مدده وسنده ولكن لا أعاتبه، وقد تعاتب الله على شىء اليوم ثم تكتشف غدًا أنه كان فى مصلحتك، نحن نملك وعيًا لا يتعدى رؤيتنا، ورؤية الله وحكمته أوسع، ولن نفهم أبدًا حكمة الله ولا ترتيباته، لأنها أعمق من أى وعى بشرى».
ويطلب المغفرة أو فتح باب الرزق، قائلًا: «الله يرد على الجميع، وحين نمضى فى حياتنا فإننا نكمل مناجاتنا، لأن الله رد علينا بطريقة أو بأخرى. أنت تستطيع أن تتحدث مع الله فى كل شىء، هى علاقة رائعة وبديعة وروحانية».
ويضيف: «ليس المهم الاستجابة فلو تأخرت فربما لذلك حكمة، ولكن المؤكد هو أن الله يرى كل شىء وبالتأكيد له حكمة فى تأخير شىء أو تقديم شىء أو فى استجابة مباشرة، ولا يمكنك أن تحاسب الله، أنت فقط تطلب وتترجى وتلح فى الطلب، ولا بد أن تدرك ضآلتك أمام الله، فكيف تغضب، وهل من المعقول أن يغضب أحد من الله؟».
الله لن يغيب عن أى شخص يلجأ إليه
كتب «صابر» العديد من الخطابات ووجهها إلى الله. لم يمسك ورقة أو قلمًا، لكنه كتب العديد منها فى ذهنه وتوجه بها إلى الله.
يقول: «الخطاب لدىّ هو مونولج داخلى، أفكر فيه أو أكتبه فى ذهنى وليس فى شكل خطاب مادى، لأن الله تستطيع أن تكلمه فى أى وقت وبأى وسيلة».
ويضيف: «أتذكر أن هناك قصة عجيبة قرأتها فى إحدى الصحف، عن ولد صغير لا يتجاوز عمره عشر سنوات، كانت له أم مريضة، فكتب خطابًا إلى الله يطلب فيه شفاء أمه أو إرسال المال ليعالجها به، وطوى الولد الخطاب وذهب إلى مكتب البريد وسلمه إلى الموظف وانصرف».
ويواصل: «أمسك موظف البريد بالخطاب فوجد أنه مكتوب عليه إلى الله، فتعجب الرجل، وتصادف أن الرجل يعرف صحفيًا فأبلغه بالأمر، وكانت قصة عجيبة، ونشر الصحفى خبر كتابة الطفل الخطاب والتوجه به إلى الله، وانتشر الخبر وعرف الكثيرون فبادر مجموعة من الشباب بجمع المال اللازم وعرفوا مكان الصبى ودفعوا ثمن العملية الجراحية لأمه. إذًا فالخطاب وصل لله، والاستجابة التى حدثت كانت لأن الله أراد ذلك، والصحفى وموظف البريد والشباب وكل من شارك فى الأمر هم فى الأساس أسباب لاستجابة الله».
ويتابع: «الولد هنا كان عقله الصغير يفكر أن هذه هى الوسيلة التى يكلم الله بها، والله هو من ألهمه هذا الفعل، وبالتالى فإن كل شىء تعاون من أجل الولد، كلنا فى الآخر أسباب، كلنا نكتب الخطابات لله، وهناك من يكتب على ورقة وهناك من يناجى وهناك من يتحدث إليه فى الخلاء، وكلها طرق تصل إلى الله، لأن الله لن يغيب عن أى شخص يلجأ إليه».
وهناك مواقف بعينها يمر بها الإنسان فيوقن من وجود رب لهذا الكون يدبر أموره ويستجيب للدعاء، ولـ«مجدى صابر» نصيب كبير من هذه المواقف.
يقول: «أصبت بفيروس كورونا قبل ثلاثة أشهر، ووقتها عزلت نفسى ورحت أطلب من الله الشفاء، كان الفيروس وقتها شديدًا وفتاكًا وكانت له علامات واضحة تراها على المصاب، وكنت أعرف أنه يؤثر بقوة على جهاز التنفس وغيرها من الأمور، لكن الله أكرمنى بأن استثنانى من المعاناة والألم وأتم شفائى من دون أن أشعر بأى أعراض مرضية، هى يد الله القديرة التى تدخلت وأنقذتنى وأنا أثق فى هذا بشكل كبير، الله سبحانه وتعالى وقف بجانبى، ربما يرى آخرون غير ذلك لكننى أثق تمام الثقة أن لله يدًا فى هذا».
ويختتم: «أثق فى أن الله لم ولن يغيب عنى، كثيرًا ما دعوت الله فى المساء لأجده استجاب فى صباح اليوم التالى، البعض يقول مصادفة لكنى لا أؤمن بفعل المصادفة.. أنا أقول إن الله استجاب ولدىّ قناعة كاملة أن يد الله تتدخل وتحقق ما أصبو إليه، هو الله وليس أى شىء آخر».