السينما التونسية على سجادة الأوسكار
تترقب الأوساط الفنية العالمية عموما والتونسية خصوصا لحظة إعلان الفائز بجائزة الأوسكار لعام 2021 غدا الأحد.. واستطاعت المخرجة التونسية كوثر بن هنية أن تشق طريقها لتصل بفيلمها الروائي (الرجل الذي باع ظهره) للقائمة النهائية لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم دولي والتي تضم عدة أفلام هي (جولة أخرى) من الدنمارك، (أيام أفضل) من هونج كونج، (عمل جماعي) من رومانيا، و(إلى أين تذهبين يا عايدة؟) من البوسنة والهرسك.
تتجه الأنظار قاطبة إلى هوليوود بمدينة لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية حيث يقام حفل توزيع الجوائز في دورته 93.. ساعات قليلة تفصلنا عن إعلان الفائز بجائزة الأوسكار لأفضل مخرج والتي تمنحها أكاديمية الفنون والعلوم السينمائية للجدارة الفنية والتقنية في مجال صناعة السينما سنويًا.
يعتبر الحفل أقدم حفل توزيع جوائز ترفيهية يبث حيًا في جميع أنحاء العالم.. ويمنح الفائز نسخة من تمثال ذهبي يصور فارسًا ويسمى رسميًا "جائزة الأوسكار للتميز".
لم تخرج كوثر بن هنية ابنة محافظة سيدي بوزيد وسط تونس، عن دائرة التتويجات التي رافقتها في العديد من أفلامها مثل (على كف عفريت)، (زينب تكره الثلج)، و(بطيخ الشيخ)، فيما تطمح اليوم إلى تحقيق إنجاز تاريخي للسينما التونسية.
فمن جانبه، قال منتج الفيلم التونسي حبيب عطية - في تصريح خاص لوكالة أنباء الشرق الأوسط - "بعد عناء وجهد شاق استمر عامين استطاع فيلم "الرجل الذي باع ظهره" أن يشق طريقه إلى النور ومنه للعالمية بعد أن وصل الفيلم الروائي للمخرجة التونسية كوثر بن هنية للقائمة النهائية لجائزة الأوسكار كأفضل فيلم دولي".
وأضاف "تدور أحداث الفيلم حول مهاجر سوري يدعى "سام علي" دفعه جحيم الحرب في بلاده عام 2011 للفرار إلى لبنان ليلتقي بفتاة أحلامه والتي تحول الظروف دون الزواج منها وبعدها تتزوج هي وتسافر إلى بلجيكا وهنا يبدأ حلمه بالسفر إلى أوروبا وتحديدا بلجيكا، ولكنه لم يستطع حتى يصادفه فنان تشكيلي عالمي شهير ليعقد معه صفقة مجنونة يقرر إثرها أن يبيع ظهره ويحوله إلى لوحة فنية تكون بمثابة التأشيرة التي ستوصله مجددا إلى حبيبته في أوروبا واشترط أن تكون أولى وجهاته بلجيكا".
وفي أحد مشاهد الفيلم الأكثر رمزية يخاطب الفنان التشكيلي اللاجئ السوري بالقول "سنحول هذا الإنسان الذي لا يحق له السفر إلى سلعة، لأننا في العالم الذي نعيش فيه السلعة أكثر حرية من الإنسان".
وأعرب المنتج عن اعتزازه وفخره الشديد بهذا التحدي ووصول الفيلم للقائمة النهائية لجائزة الأوسكار، مبديًا تفاؤله الشديد وثقته الكبيرة في الفوز.
وفيما يتعلق بالتعاون بينه وبين كوثر بن هنية، قال "إن التعاون بينهما بدأ منذ عام 2009، والفيلم الذي نحن بصدده الآن هو التعاون الخامس بينهما، ونالت الأفلام السابقة جميعها نجاحات بعشرات الدول حول العالم"، معربًا عن اعتزازه الشديد وفخره بالتعاون مع بن هنية فهي من أحسن المخرجين في العصر الحالي ودائما ما تطرح موضوعات وتعالجها بشكل مختلف".
وأكد المنتج أنهما بصدد التحضير لفيلم جديد، لكن تحول ظروف انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) دون بدء التصوير، معربًا عن أمله في انتهاء هذا الوباء في أقرب وقت كي تسنح لهما الفرصة لنجاحات أكبر وأعظم.
بدوره، رأى محمد أمين هلال الملحق الصحفي للفيلم - في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط - أن تجربة الفيلم فريدة من عدة نواحٍ بداية من الفكرة المستلهمة من قصة حقيقية وعمل فني رأته بن هنية في أحد المتاحف وبذكاء تم تطويع ما شاهدته ليصبح فيلما بهذا النجاح.
وقال "الفيلم محاولة لتسليط الضوء على المعاناة السورية من خلال الفنون التشكيلية التي لا تلقى رواجًا كبيرًا في العالم العربي مقارنة بالموسيقى والسينما، وعلى أن الإنسان أصبح في منزلة دون الأشياء. فالسلع تنتقل من بلد إلى آخر بكل سهولة وكأن الوضع العالمي يريد أن يقول لنا كن سلعة تنعم بالحرية".
وأضاف "الوصول للقائمة النهائية شيء مبهر لنا، وستزيد الفرحة أكثر لو فاز الفيلم بالجائزة حيث سيسلط الضوء أكثر على تونس، كما سيساعد على تيسير صناعة الأفلام فيها حيث سيكون المنتجون وصناع السينما أكثر تعاونًا مع المشاريع السينمائية التونسية".
وعلى عكس أفلام عديدة عالجت قضايا اللجوء والهجرة، ابتعدت المخرجة التونسية عن مشاهد الحرب ومخيمات اللجوء وقوارب الموت لتطرح قضية تحويل الإنسان إلى بضاعة تباع وتشترى باقتحام عالم الفن التشكيلي المعاصر.
الفيلم بطولة الفنان السوري يحيي مهايني والفرنسية ديا ليان والبلجيكي كوين دي باو والإيطالية مونيكا بيلوتشي، وشارك خلال عام 2020 في مهرجانات سينمائية عديدة. فقد حصد جائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان الجونة السينمائي 2020 بمصر، وحاز أيضا على الجائزة الكبرى للجمهور وجائزة لجنة التحكيم الشابة في الدورة 38 لمهرجان السينما المتوسطية بمدينة باستيا الفرنسية (أكتوبر 2020)، وكان قد توج أيضا بجائزتين في الدورة 77 لمهرجان البندقية السينمائي بإيطاليا، إذ حصل بطل الفيلم يحيى مهايني على جائزة أفضل ممثل ونال الفيلم جائزة (أديبو كينج للاندماج) وهي جائزة مستوحاة من مبادئ التعاون الاجتماعي.
جدير بالذكر أن الفيلم مستوحى من لوحة فنية شاهدتها بن هنية في معرض للفن المعاصر بمتحف اللوفر الشهير في باريس للفنان البلجيكي ويم ديلفوي، وذلك حين فوجئت برؤية شاب جعل من ظهره جزءا من العمل الفني للرسام.
كانت مخرجة الفيلم قد كتبت على صفحتها الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) "يشرفني أن أقدم لتونس أول ترشيح للقائمة النهائية لأوسكار أفضل فيلم دولي..أمر لا يصدق لكنه حقيقي".