جنازة تشادية غير عادية
جنازة الرئيس التشادى إدريس ديبى، المقرر تشييعها، اليوم الجمعة، لن تكون عادية. ليس فقط لأن الرجل حكم البلاد لمدة ٣١ سنة، أو لأن ابنه هو الذى يتولى الحكم الآن بصيغة «رئيس المجلس العسكرى الانتقالى»، ولكن لأن المتمردين حذروا، رؤساء الدول والحكومات الذين يعتزمون حضور الجنازة من عواقب ذلك، فى بيان تداولته صحف دولية ووكالات أنباء!.
ترددت أنباء غير مؤكدة عن حضور مسئولين من السودان، كوت ديفوار، الكونغو، مالى، و... و... ولم يعلن عن اعتزامه الحضور، بشكل رسمى إلا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون. وكان قصر الإليزيه قد أصدر بيانًا، الثلاثاء، أعرب فيه عن «تأثر» فرنسا لخسارة «صديق شجاع» عمل طيلة ثلاثة عقود من أجل أمن تشاد واستقرار المنطقة. وتعليقًا على إنشاء المجلس العسكرى الانتقالى، دعت الرئاسة الفرنسية إلى أن تكون العملية الانتقالية لـ«فترة محدودة» وأن تتم بشكل «سلمى» وفى إطار الحوار وأن تسمح بـ«العودة السريعة لحكومة تستند إلى المؤسسات المدنية».
بحوالى ٨٠٪ من الأصوات، فاز الرئيس ديبى، ٦٨ سنة، بولاية سادسة فى الانتخابات التى جرت فى ١١ أبريل الجارى، وتم الإعلان عن نتائجها الإثنين الماضى، وغالبًا أصيب فى معاركه ضد المتمردين، قبل ذلك اليوم، وظل خبر إصابته طى الكتمان، حتى يتم الانتهاء من الترتيبات الخاصة بتشكيل المجلس العسكرى الانتقالى وتعطيل الدستور وحل مجلس النواب وإقالة الحكومة، وإغلاق الحدود البرية والجوية، وحظر التجول، ونشر وحدات من الحرس الرئاسى والقوات الأمنية فى شوارع العاصمة، التى بقيت هادئة ونتمنى أن تظل كذلك.
البيان الذى أصدره الجيش التشادى، الثلاثاء الماضى، أكد أن ديبى «لفظ أنفاسه فى ساحة القتال مدافعًا عن سلامة الأراضى التشادية»، وأشار إلى أن الفقيد كان يقود «العمليات العسكرية البطولية ضد جحافل المرتزقة القادمين من ليبيا»، وطبقًا لما ذكره البيان، فإن المجلس الانتقالى سيكون ضامنًا للاستقلال الوطنى وسلامة أراضى تشاد، وسيحترم المعاهدات والاتفاقات الدولية. وحسب تعبير ديبى الصغير، الجنرال محمد إدريس ديبى، فإن «المجلس العسكرى الانتقالى ضرورة تمليها الظروف»، لأن «الوضع القائم يتطلب أن يتحمل الجيش مسئولياته، وأن يؤدى واجبه فى الحفاظ على التراب الوطنى واستمرارية الدولة».
ديبى الصغير، ضابط فى الجيش التشادى، ويترأس المديرية العامة لأمن مؤسسات الدولة، المعروفة لدى التشاديين بالحرس الرئاسى. وعلى الموقع الإلكترونى للرئاسة التشادية، تم نشر ميثاق انتقالى، أو إعلان دستورى، جاء فيه أن رئيس المجلس العسكرى الانتقالى، سيتولى مهام رئيس الجمهورية. وهو ما رفضه المتمردون، كما رفضوا «بشكل قاطع» تشكيل المجلس الانتقالى، وكل القرارات والإجراءات التى تم اتخاذها عقب قتلهم أو اغتيالهم الرئيس، وهددوا بأن قواتهم «قوات جبهة التناوب والتوافق»، FACT، ستتوجه إلى العاصمة أنجامينا «بثقة تامة وبشجاعة وبتصميم تام». والطريف أن كينجابى أوجوزيمى دى تابول، المتحدث باسم هؤلاء، قال إن قواتهم ستترك ما بين ١٥ و ٢٨ ساعة لأبناء ديبى لكى يدفنوا والدهم وفق العادات».
يتمركز هؤلاء فى منطقة جبال تيبستى الواقعة قرب الحدود التشادية مع ليبيا، ويقومون منذ سنوات طويلة بمحاولات للسيطرة على البلاد، كان أعنفها سنة ٢٠١٩، حين زحفوا بسيارات رباعية الدفع، مجهزة برشاشات ثقيلة، باتجاه العاصمة، واصطادتهم القوة الجوية الفرنسية المرابطة فى مطار نجامينا. والسيناريو نفسه تقريبًا حدث سنة ٢٠٠٨ وكادت قوات المتمردين تقترب من «القصر الوردى»، القصر الرئاسى، قبل أن تقوم قوات فرنسية بقطع طريق الوصول إلى القصر، وتوفير الدعم متعدد الأشكال لديبى حتى تمكن من إنقاذ نظامه.
هزات كثيرة ومتلاحقة تعرضت لها تشاد، نجح إدريس ديبى فى السيطرة عليها. ولعب دورًا كبيرًا فى الحرب على الإرهاب واستقرار منطقة الساحل. وقدم للقوات الفرنسية الضالعة فى الحرب على الإرهاب مقرًا لقيادة قوة «برخان» وقاعدة جوية. وساعد القوات الفرنسية عندما تدخلت بداية ٢٠١٣ لإنقاذ مالى، وعاصمتها باماكو، من براثن الإرهابيين والمجموعات المتطرفة. كما شارك بوحدات فى القوة الإفريقية المشتركة «جى ٥»، وأرسل قوات إلى منطقة «الحدود الثلاثية»، بين مالى والنيجر وبوركينا فاسو، حيث ينشط الإرهابيون بشكل مكثف.
الجنازة غير العادية، قد تكون جنازة «تشاد» نفسها، لو لم تتوقف النزاعات والصراعات، ولو لم يتمكن الجيش التشادى من السيطرة على البلاد وردع «المتمردين»، الذين كان الرئيس الراحل يصفهم بـ«المرتزقة» أو «الإرهابيين»، وكان يؤكد أنهم «قاتلوا فى صفوف الميليشيات المتطرفة فى مصراتة والجنوب» ضد الجيش الوطنى الليبى. ولعلك تتذكر أننا سبق أن أشرنا إلى وجود مجموعات تشادية مسلحة تنشط فى الجنوب الغربى الليبى، وتقوم بالتعاون مع مجموعات ليبية بتهريب السلاح والمخدرات والوقود، بالإضافة إلى نقل المهاجرين غير الشرعيين.