دراسة جديدة للمستشار محمد خفاجي توثق عدوان إثيوبيا على قواعد الأنهار (3- 7)
أعدّ المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة حول السد الإثيوبي دراسة بعنوان «مسؤولية الأمم المتحدة وحقوق مصر التاريخية في مياه نهر النيل والاستقرار القضائي لمحكمة العدل الدولية توثيق لعدوان إثيوبيا على قواعد الأنهار».
والدراسة التحليلية تأتي في ضوء تدخل الأمم المتحدة في النزاعات المائية حماية للدول المتشاطئة من الإضرار بها، والمبادئ التي استنتها محكمة العدل الدولية في وحدة المصالح للمجاري المائية لبيان عدوان إثيوبيا على مياه نهر النيل، وهو الموضوع الذى توليه مصر موضع الأهمية القصوى ويشغل بال المجتمع الدولي ويؤثر على استقرار المنطقة بأكملها، ونظراً لما تعرضه إثيوبيا من مغالطات للمجتمع الدولي وجب تنوير الرأي العام العربي والإفريقي والعالمي وفقاً لقواعد العلم والانصاف والتاريخ.
ونعرض للجزء الثالث من هذه الدراسة المهمة فيما يلي:
أولاً: للأمم المتحدة دور كبير في الشرعية النهرية ومصر لها حقوق مكتسبة في نهر النيل قبل نشأة المنظمة الدولية وقبل خلق بعض الدول:
يقول الدكتور محمد خفاجي: «للأمم المتحدة دور كبير في تسوية المنازعات الدولية المائية ولها سابقة عام 1976 بحسم النزاع المائي لنهر الغانج (الغانغر) بين بنجلاديش الهند، فلماذا تتأخر جهودها في النهر الأعظم بقارة إفريقيا لحماية حقوق مصر والسودان تجاه إثيوبيا! ولولا تدخل الأمم المتحدة في كثير من الأزمات الدولية المتصلة بالأنهار في قارات أخرى خارج إفريقيا لحدث من لا يحمد عقباه على المستوى الدولي وهو ما يضع الأمم المتحدة أمام مسؤوليتها تجاه حقوق مصر التاريخية بنهر النيل وهي الحقوق المكتسبة قبل نشأة تلك منظمة الأمم المتحدة ومن قبلها عصبة الأمم بل وقبل نشأة وخلق بعض الدول بآلاف السنين».
ويضيف الدكتور محمد خفاجي: «دور الأمم المتحدة في تسوية المنازعات الدولية المائية ينبع من ميثاق الأمم المتحدة الذي احتوى الفصل السادس منه على حل المنازعات الدولية بالوسائل السلمية، إذ تضمنت المادة الثالثة والثلاثين التزاماً على عاتق الدول الأعضاء بوجوب العمل على حل المنازعات التي يمكن أن يؤدي استمرارها إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين حلاً سلمياً، خاصة وأن للأمم المتحدة مجهودات متعددة بصدد اقتسام واستغلال مياه الأنهار الدولية، أسفر عن اتفاقية الأمم المتحدة بشأن قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997 نظمت استخدامات المياه العذبة، وقد عالجت في المادة 33 منها بفقراتها العشر لتسوية المنازعات المتعلقة بالمجاري المائية الدولية، وملحق بالاتفاقية خاص بالتحكيم».
ثانياً: للأمم المتحدة سابقة عام 1976 بحسم النزاع المائي لنهر الغانج (الغانغر) بين بنجلاديش والهند، فلماذا تتأخر جهودها في النهر الأعظم بقارة إفريقيا لحماية حقوق مصر والسودان تجاه إثيوبيا:
ويتابع: «تختزن ذاكرة التاريخ فيما يتعلق بالنزاعات الدولية المتعلقة بالمياه العذبة، قيام الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1976 بمبادرة تعد سابقة بمناسبة شكوى بنجلاديش المائية ضد الهند إذ يعود أصل النزاع لقيام الهند بتشييد قنطرة، تعرف باسم قنطرة (فاركا) بقصد تحويل بعض مياه نهر الغانج (الغانغر) خلال فصل الجفاف إلى مدينة (كالكتا) عاصمة ولاية غرب البنغال الهندية، بهدف كسح الطمي المترسب في نهر (هوغلي) وهو إحدى القنوات التي تجري بها نهر الغانج ليصل إلى خليج البنغال، وذلك لري السهول والحقول الهندية متجاهلة في هذا الإجراء الأحادى حقوق بنجلاديش في مياه الغانج الدولية، وهو ما أضر بحصة بنجلاديش من مياه النهر ضرراً بليغاً مما اقتضى تدخل الأمم المتحدة لبسط الشرعية النهرية».
ثالثاً: لولا تدخل الأمم المتحدة منذ 45 عاما بين بنجلاديش والهند بتوقيع بروتوكول يحفظ حقوقهما لحدث من لا يحمد عقباه تهديداً للأمن والسلم الدوليين وهي ذات اعتبارات إصرار إثيوبيا على الملء الثانى للسد دون اتفاق أو تفاوض :
ويذكر الدكتور محمد خفاجي: «لقد لعبت الأمم المتحدة دوراً رئيسياً لحسم النزاع من خلال توجيه الأطراف إلى المفاوضات بطلب من الجمعية العامة في ذلك الوقت، وهذا الطلب كان يحمل الكثير من الإيجابية على نحو ترك أثاره على البلدين، إذ أُجريت على إثره مفاوضات بين البلدين في (دكا) عاصمة بنجلاديش و(نيودلهي) عاصمة الهند، وأسفرت المفاوضات عن توقيع بروتوكول يحفظ للدولتين حقوقهما. والحقيقة أنه لولا تدخل الأمم المتحدة بين الهند وبنجلاديش بصدد أزمة نهر الغانج لحدث من لا يحمد عقباه على المستوى الدولي نظير تهديده للأمن والسلم الدوليين، وهي ذات الاعتبارات التي تقوم عليها أزمة بناء سد النهضة من إثيوبيا وإصرارها على الملء الثاني للسد دون تفويض أو اتفاق، وهو ما يضع الأمم المتحدة أمام مسؤوليتها تجاه حقوق مصر التاريخية بنهر النيل قبل نشأة تلك المنظمة ومن قبلها عصبة الأمم بل وقبل خلق العديد من الدول حديثاً بآلاف السنين!».
رابعاً: تأخر المنظمة الدولية عن حل العجز المائي الذي ستتكبده دولتا المصب مصر والسودان تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين:
ويقول الدكتور محمد خفاجي إن تأخر الأمم المتحدة لحل العجز المائي الذي ستتكبده دولتا المصب مصر والسودان يمثل تهديداً حقيقياً للسلم والأمن الدوليين، وترتيباً على ذلك، فإن للأمم المتحدة التدخل في منازعات المجاري المائية الدولية، في حالة ما إذا كانت هذه المنازعات تهدد حالة الأمن والاستقرار الدولي بين دول المجرى المائي الواحد، لدرجة قد تصل تطوراته إلى حد استخدام القوة العسكرية، خاصة وأن بناء سد النهضة الإثيوبي ترتب عليه عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا نظرا للتوترات الناجمة عن التصرف الأحادي لإثيوبيا وعدم انصياعها لقواعد القانون الدولي للعلاقات بينها وبين مصر والسودان، نتيجة العجز المائي السنوي الذي سوف تتكبده دولتا المصب مصر والسودان وفى هذا تهديد حقيقي للسلم والأمن الدوليين بما يجب معه على منظمة الأمم المتحدة دق ناقوس الخطر بالتنبيه حول وجود حالة قد تتطور لتشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين في القارة الإفريقية، خاصة وأن النزاع طال استمراره لمدة قاربت على سنوات عشر منذ عام 2011 حتى الاَن فى ظل غياب تام لمنظمة الأمم المتحدة التي لم تتدخل بأي تدخل إيجابي لحل هذا النزاع أو تلك الأزمة بإجراء حاسم أو جازم طوال تلك الفترة».
خامساً: للأمين العام للأمم المتحدة أربع سلطات واسعة وأدعوه لدق ناقوس الخطر بتنبيه مجلس الأمن بتفاقم الوضع بالقارة الإفريقية لنزاع طال سنوات عشر:
ويتابع: «على الأمين العام للأمم المتحدة دق ناقوس الخطر بتنبيه مجلس الأمن بتفاقم الوضع بالقارة الإفريقية لنزاع طال استمراره سنوات عشر، كما أن ميثاق الأمم المتحدة منح الأمين العام أربع سلطات واسعة فلماذا لا يستخدمها للحفاظ على حقوق الدول المتشاطئة؟ ولماذا لا ينبه مجلس الأمن بتفاقم الوضع؟».
ويضيف أن ميثاق الأمم المتحدة منح الأمين العام أربع سلطات واسعة، فله تنبيه مجلس الأمن إلى أي مسألة يرى أنها تهدد السلم والأمن الدوليين، والإشراف على إجراءات التحقيق والوساطة والمصالحة، على إنه إذا كان للأمين العام دور مهم في التوسط لحل المشكلات المتصلة بالسلم الدولي، فإن له الحق أيضاً بصدد المنازعات الدولية المائية المتصلة بالأنهار الدولية بحقه في التنبيه بتفاقم الوضع بالنسبة لمسألة سد النهضة الإثيوبي والملء الثاني له دون تفاوض أو اتفاق بين مصر والسودان المتضررين وبين إثيوبيا التي أنشأت سد النهضة وتشرع بتصرف أحادي في الملء الثاني له دون الاتفاق مع الدول المتشاطئة على نحو يضر بمقدار حصص المياه».
سادساً: مصر العريقة طلبت تسوية النزاع بالوسائل السلمية والتاريخ يذكر دور مجلس الأمن الايجابي في النزاع بين بريطانيا وألبانيا بقضية كورفو عام 1947
ويشير الدكتور محمد خفاجي: «صحيح أن الطريق الوحيد أمام الطرفين إذا فشل كلاهما في تسوية النزاع بالوسائل السلمية وفقا للمادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة هو اللجوء إلى مجلس الأمن طبقا للمادة 37 من ذات الميثاق وهو ما اتبعته مصر احتراما لقواعد القانون الدولي وتعبيراً عن مكانتها كدولة عريقة منذ فجر التاريخ، ونذكر القضية الأولى من نوعها التي قام فيها مجلس الأمن بعرض النزاع على محكمة العدل الدولية للبت فيها وفقاً لنظامها الأساسي وهي قضية كورفو عام 1947 في النزاع بين بريطانيا وألبانيا إثر الحادث الذي وقع في مضيق كورفو بتاريخ 22 أكتوبر 1946».
ونعرض بعد غد للجزء الرابع من هذه الدراسة.