أن تعيش في نور الله
«الشيخة فاطمة» معلمة كفيفة تعشق القرآن الكريم وقدوتها «المنشاوي» (فيديو)
يختلف شهر رمضان المعظم عن غيره من الأشهر، حيث أنه دائمًا يأتي إلينا وبصحبته الخيرات وجميع الروحانيات التي نفتقد وجودها خلال العام فهو له طابع خاص يميزه، حيث أن له أغنياته الخاصة بالإضافة إلى بعض العادات لأهالي للتقرب إلى الله سبحانه وتعالى أبرزها ختم آيات القرأن الكريم والاستماع إلى تلاوته بشكل مستمر خلال ساعات الصوم، والحفاظ على الصلوات بمواعيدها الأساسية.
ومع شهر رمضان المبارك تستعرض «الدستور» نموذجًا مميزًا لمعلمة قرأن كريم بأزهر أسوان، ضمن ذوي الاحتياجات الخاصة «كفيفة» مثلها الأعلى الشيخ «محمد صديق المنشاوي»، أحد أبرز قراء القرآن الكريم بالعالم الإسلامي، وعلى الرغم من ظروفها إلا انها لديها أراده قوية تتحدى نفسها لتصل إلى هدفها وتصبح من البارزين في هذا المجال.
منذ أن كانت بالمرحلة الابتدائية لفت انتباه الشيخة فاطمة كما يلقبها أهالي قريتها وتلاميذها، صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي، أحد أعلام قراء القرآن الكريم، و كان يزداد تعلقها بتلاوته لكتاب الله يومًا بعد يوم، واصبح الشيخ المفضل لها، وعلى الرغم أن حرمها الله من نعمة البصر، إلا أنه أكرمها بنعم أخرى عديدة أهمها الرضا بقضاء الله، حيث أنها كان كل ما يشغلها تفوقها على نفسها وكانت تعتمد في حفظ القرآن الكريم علي شرائط كاسيت لشيخها المفضل «المنشاوي»، والشيخ سعد الغامدي، حتى استطاعت إتقان القرآن الكريم بالقراءات الـ 7، ولم تتوقف عن ذلك نظرًا لسعيها باستمرار لتطوير نفسها لكي تصبح من البارزين في هذا المجال أيضًا.
- «حول حياتها وأسرتها»
تعيش فاطمة محمد حسن، أو المعروفة بلقب «الشيخة فاطمة»، بأحدى القرى التابعة لمركز ومدينة دراو التابعة لمحافظة أسوان، برفقة أسرتها المكونة من 3 أفراد وهم : والدها، ووالدتها، وشقيقتها المتفوقة الحاصلة على المركز الأول المتفوقين المكفوفين بأزهر أسوان خلال العام الماضي، بجانب شقيقها وزوجته المقيمين بمنزل مجاور لها.
- « دراستها»
وتقول فاطمة محمد حسن، معلمة قرآن، بأحدى المعاهد الإبتدائية الأزهرية بأسوان، بالغة من العمر 29 عامًا، إن ايام الدراسة في الوقت الحالي تختلف عن الماضي كثيرًا، نظرًا لوسائل التكنولوجيا المتقدمة والمتاحه حاليًا وكانت غير متوفرة سابقًا، حيث أنها كانت تعتمد في خلال مذاكرتها على شرائط الكاسيت.
طوال المراحل الإبتدائية والإعدادية كانت والدتها تتولى مسئولية المذاكرة والمراجعه لها، قائلة «الفضل كان لله سبحانه وتعالى وأمي في مساعدتي على المذاكرة».
- «التحاقها بالمرحلة الثانوية»
وأضافت لـ «الدستور» أن عند التحاقها بالمرحلة الثانوية تضاعف عدد المواد التي تدرسها، وأنها كانت لا تحب أن تثقل على والدتها لصعوبة المواد وأنها بعيده جدًا عن مجال دراستها، نظرًا لانها حاصله على دبلوم تعليم فني تجاري، ولم تكن على دراية بالصرف والنحو، ووقتها قررت الاستعانه بشرائط التسجيل لكي تستطيع سماع المادة وفهمها، مشيرة إلى أنها واجهت بعض الصعوبات خلال استذكار المواد ولكنها كانت تتحدى قدراتها بشكل أكبر حتى تصل إلى هدفها وتستطيع أن تكون مثالاً بارزًا في المستقبل.
وأوضحت «الشيخة فاطمة»انها عندما كانت تجد بعض المعلومات التي لاتستطيع فهمها، كانت تستعين بوالدتها تقرأها لها حتى تستطيع فهمها بشكلاً جيدًا، قائلة: ''كان مفيش وسائل متاحه زي دلوقتي الإنترنت سهل كل حاجه ومبقاش في فرق بين مبصر وكفيف»، وأنها كانت تحاول أن تذاكر أكبر قدر ممكن من دروسها، وكان وقت استذكارها يتراوح مابين ساعتين لـ3 ساعات في المواد التربوية، حتى تستطيع الفهم جيدًا.
- «عشق القرآن الكريم، والشيخ محمد صديق المنشاوي»
وبخصوص عشقها للقرآن الكريم، وتفضيلها لسماع الشيخ محمد صديق المنشاوي، تابعت لـ «الدستور» أنها كانت تعشق حفظ القرآن الكريم، وكانت تستغرق ساعات عديدة بها بخلاف المواد الأخرى، قائلة '' مكنتش بحس بالوقت''، وكانت تعتمد في ترتيل وحفظ كتاب الله على شرائط الكاسيت، وأن شيخها المفضل كان القارئ الشيخ '' محمد صديق المنشاوي''، حيث أن صوته العذب أسرها منذ أن كانت تلميذه في المرحلة الابتدائية، و اتخذته قدوتها منذ ذلك الوقت.
أشارت أنها عند سماعها لصوته العذب تشعر أنه يقرأ القرآن بقلبه وليس بصوته فقط، مما جعلها تتأثر به كثيرًا، حتى أنه كانت تتابع حلقاته في البرنامج الاذاعى ''تراثنا الاذاعي'' حتى تتعرف على قصته، خلال عرض الاذاعه لذكرى أبرز 5 قراء في العالم الإسلامي، قائلة «انا تعودت علي صوت الشيخ محمد صديق المنشاوي حتى أنهم يطلقون عليه الشيخ الخاشع»، مضيفة أنها منذ صغرها كان مثلها الأعلى التي تتمنى أن تصبح مثله في يومًا من الأيام قائله'' اصلا نفسي اكون زيه وبحب اقلد طريقته في تلاوة القرأن، و بدعي في صلاتي أن ربنا يكرمني بابن زيه».
واستكملت «الشيخة فاطمة»: سماع تلاوته على شرائط الكاسيت أصبح أساسيًا من خلال مراجعتها وحفظها للقرآن الكريم، وذلك من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية والجامعة، وبعد انتهاء الدراسة أيضًا، بالإضافة إلى تفضيلها لصوت الشيخ سعد الغامدي، وأن في الوقت الحالي التكنولوجيا جعلت وسائل الاستماع سهله بشكل كبير، نظرًا لتوافر القرأن الكريم بأصوات جميع المشايخ عبر الإنترنت ويمكن الاختيار من بينهم بكل سهوله عكس الإمكانيات القليلة التي كانت متوفرة لهم في الماضي.
- «التحاقها بكلية الدراسات الإسلامية '' قسم الشريعة'' بمدينة الأقصر»
وأكدت «الشيخة فاطمةء» أن مرحلة الجامعة كانت تتوافر فيها العديد من الإمكانيات التي كانت تنقصها في المراحل السابقه، نظرًا لأن مكان إقامتها في مدينة طيبة، والتي تختلف فيها المعيشة كثيرًا عن حياتها في قريتها البسيطه التي كانت إمكانياتها محدودة جدًا، ولكنها كان لديها إصرار وعزيمة ليكي تصل إلي هدفها وتستكمل تعليمها لتثبت للجميع أن المكفوفين لديهم إرادة قوية والأعاقة لم تكن سببًا في عدم وصول الإنسان إلى أهدافه.
وأضافت «الشيخة فاطمة» أنها خلال دراستها بالجامعه حتى تستطيع اتقان تلاوة القرآن الكريم وتتعلمه بكل أحكامه وتجويده وتستغل جميع الفرص والإمكانيات المتاحة لها لتتفوق وتحقق أهدافها، التحقت بكورس '' نور البيان'' ويتم التحفيظ فيه بواسطة شيوخ ينتمون لنفس المحافظة، وكان ذلك بجانب استذكارها للدروس عن طريق شرائط الكاسيت، لأنها تعتمد على الفهم في الاستذكار وليس الحفظ، حتى انتهت من دراستها الجامعية، مشيرة إلى أنها اتقنت قراءة القرأن الكريم بـ الـ7 قراءات للقراء: «نافع بن عبدالرحمن، وعبدالله بن كثير، وأبو عمرو بن زبان، وعبدالله بن عامر، و عاصم بن أبي النجود، وحمزه بن حبيب الكوفي، وعلى بن حمزه الكسائي».
- «التحاقها بمهنة التدريس بأسوان»
قالت «الشيخة فاطمة» إن في بداية التحاقها بالعمل بمهنة التدريس كانت لا تحبه، وكانت أول الأيام بالمهنة عادية جدًا قائلة '' تحصيل حاصل''، وذلك نظرًا لأنها كانت تود أن تلتحق بالتدريس الجامعي ولكن لم يوفقها الحظ، ولكن أول الاسباب التي جعلتها تفضلها هي الأطفال، كما أنها تذكرت مقولة أحد الصالحين «إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك»، قائلة « لقيت نفسي في مقام يرتفع به عليين بالقران الكريم فلذلك انا حبيت التدريس»، بالإضافة إلى أن كانت هناك مقوله لأحد مشايخها «من استحقر ما عظم الله تستوجب على نفسه النار»، وتأثرت بها وسمعت بالنصيحة، وبدأت في التعرف على كل ما يجعلها تتقرب من الأطفال بشكل أكبر وتؤدي مهمتها على أكمل وجه.
وبخصوص توجهها إلى عملها بشكل يومي ذكرت قائلة: «انا بتوكل علي الله وبطلع من بيتنا عادي وبكلم توك توك يجيلي عند البيت يوصلني المدرسة وبعدها برجع مع اي سواق اوصفله بيتنا بيعرف المكان بالوصف علشان معتمدش علي حد لاني عودت نفسي ان الأعاقة إعاقة فكر وعقل مش أي حاجه تاني».
- «عملها مع الطلاب داخل الفصل»
وعن دخولها الفصل لتدريس مادة «القرآن الكريم» أوضحت أنها مسئولة عن الصفين الثالث والسادس الإبتدائي، قائلة «بدخل الفصل واثقه من نفسي جدا»، أنها لكي يتعلق بها الأطفال وتجعلهم يحبونها، تقربت إليهم من خلال الوسائل التي يحبونها ايضًا، وذلك من خلال مشاركتها لهم في الحفلات والنشاطات الاذاعة المدرسية، ما جعلها محبوبة لديهم، حتي انهم في وقت غيابها من المدرسة لا يفضلون تنظيم الأذاعة، مشيرة إلي أنها أضافت إليها فقرات جديدة وقصص حتي يفضلونها.
وتابعت أنها لكي تحفزهم لحصتها وتدخل محبة القرآن الكريم في قلوبهم، كانت تهديهم الحلويات والبلونات عندما يقرؤونه بطريقة صحيحة، قائلة «انا حبيت الطلبه وحاولت أقرب ليهم بقيت أكل واشرب معهم ده قربني منهم اكثر ودائما مبقولش للعيال ده زميلك ودي زميلتك لا ده اختك وانا هنا مامتك كله كلكم اولادي حتى الطلاب الصغيرين بيقولوا لي يا ماما».
وأشارت «الشيخة فاطمة» إلى أنها لكي تساهم في جعلهم لديهم شغف لحب المواد الدينية بشكل أكبر، كانت تنظم لهم ما أشبه بالحلقات مثل القصص الكرتونية لحكاية قصص الأنبياء، وتجسيدهم للأدوار أبطال هذه القصص، والهدف من ذلك توصيل المعلومات الدينية للأطفال بكل سهوله ويسر مما يجعلهم يحبون التطلع والتعرف على كل ما يخص أمور الدين.
-«طموحها في المستقبل»
ذكرت «الشيخة فاطمة» لـ «الدستور» قائلة: «بتمنى أني التحق بالعمل في إذاعة القرآن الكريم، ونفسي بعد ربنا حد من المسئولين يساعدني اني أوصل لده، حتي استطيع الوصول لحلمي وهدفي أن أصبح أحد البارزين في قراءة القرآن الكريم المعروفين، والذين حتى بعد موتهم مازال العديد منا يتبع خطاهم وبقيت أصواتهم مصدرًا يبعث منه الأطمئنان إلينا عند سماع كلمات كتاب الله سبحانه من أصواتهم العذبة»