«اعتقد أنه الرسول الأوحد».. خرافات ارتبطت بالملك إخناتون
كان للملك إخناتون حظًا وافرًا من الخرافات التي طالت تاريخ مصر القديم، ربما لأن عهده كان مليئاً بالأحداث غير العادية بداية من خروجه عن التقاليد المصرية السائدة واتباعه عقيدة مغايرة عما كان منتشراً في مصر طوال آلاف السنين، بالإضافة إلى تغير خريطة العالم القديم في عهده، مما جعله شخصية استثنائية في تاريخ مصر القديمة مازالت تتضارب فيه الآراء حتى الآن.
ومن المعروف أن الملك أمنحتب الرابع - والذي سمى نفسه لاحقاً بـ أخناتون- كان الابن الأصغر للملك أمنحتب الثالث من زوجته الرئيسية الملكة تي، وقد تربى على يد أجداده لأمه يويا وتويا وهما من أصل آسيوي مما جعله يحمل بعض الأفكار الفلسفية القادمة من بلاد الشام والتي كانت جديدة على مصر القديمة. وقد شارك أمنحتب الرابع والده في الحكم ثم استقل بحكم مصر لمدة 17 عاماً.
مع تولي أمنحتب الرابع العرش منفرداً بدأ في تطبيق فكره الجديد: وهو التعبد لرب الشمس آتون وذلك في العام الخامس من حكمه، حينها بدّل اسمه إلى أخناتون أي المخلص لآتون، ومع مرور الوقت انتقل إلى عاصمة جديدة أرادها أن تكون بقعة بكرا لم يطأها بشر من قبل سميت بآخت آتون أي أفق الرب آتون - وهي مدينة تل العمارنة بمحافظة المنيا حالياً- تاركاً طيبة عاصمة الإمبراطورية ومعقل عبادة الرب آمون.
ويبدو أن انتقال إخناتون وبلاط قصره إلى تلك العاصمة قد عزله تماماً عن أحوال البلاد وما يدور فيها، بدعوى أنه منشغل بعقيدته الجديدة وإيمانه بأنه الرسول الأوحد والوسيط المنفرد بين الرب آتون وبين الشعب، وقد أدى هذا إلى تسارع انهيار الدولة المصرية وضياع أملاكها وتفكك أجهزة الدولة مع زيادة أطماع جيرانها مع ضعف سياستها الخارجية.
وكانت دعوة إخناتون الجديدة في عامه التاسع من الحكم قد أصبحت أكثر تطرفاً عما هو معتاد وهي تتلخص في نبذه لجميع المعبودات سواء كانت الأساسية أو الفرعية في العقيدة المصرية القديمة والاكتفاء بعبادة آتون، والذي تجسد في شكل قرص الشمس ذي أذرع ممتدة تنتهي بأيدي.
وكان الاعتقاد بقوة الشمس لم يأت على يد أخناتون كما يعتقد البعض، ولكنه اعتقاد أقدم يرجع إلى زمن الأسرة الخامسة بالدولة القديمة، فنجده في متون الأهرام تحت اسم رع والذي يمد يده ليرعى الدولة والملك وينتظر الصالحين من الموتى في رحلتهم بالعالم الآخر.
واستمرت سيادة رب الشمس رع بعد اتحاده مع آمون رب طيبة في عهد الإمبراطورية المصرية في الدولة الحديثة ليتشكل تحت اسم آمون رع. أما اسم آتون فلم يكن هو الآخر اختراع أخناتون كما يعتقد البعض، ولكنه ظهر أيضاً خلال الأسرة الثانية عشرة بالدولة الوسطى في قصة سنوحي الشهيرة، حيث كان آتون أحد أوجه رب الشمس رع، كما برز اسم آتون بشدة خلال الدولة الحديثة من قبل أخناتون حينما تسمى القارب الملكي الخاص بالملك أمنحتب الثالث باسم "روح آتون"، كما قام بالاهتمام بالرب آتون وتخصيص عقيدة خاصة له وهو ما جذب انتباه أمنحتب الرابع له فيما بعد.
وعلى الرغم من قيام ملوك مصر باصطفاء أحد المعبودات ليكون رب الدولة والراعي الملكي مثلما حدث مع الدولة القديمة مثل (رع) والدولة الوسطى (منتو) والدولة الحديثة (آمون رع)، إلا أنه لا أحد منهم قد قام بنبذ بقية المعبودات وإهمالها، مما جعل ما قام به إخناتون أمراً جديداً في العقيدة المصرية القديمة، وجاءت فكرة أخناتون عن ربه الجديد ليكون رب العالم كله وليس رب الإمبراطورية أو مدينة بعينها فقط كما كان بالسابق.
ويرى بعض العلماء أن علاقة أخناتون بربه آتون جسدتها بشكل واضح الأناشيد الآتونية، حيث يمتدح أخناتون نفسه في أغلب أبيات الأناشيد في ضوء عبادته، مما يثبت فكرته بأنه هو الرسول الأوحد له، حتى لَيعتقد البعض بأن تلك الأناشيد تسلط الضوء على أخناتون في المقام الأول ويأتي آتون خلفه.
وحين النظر إلى تلك القضية من زاوية أخرى جديدة، نرى أن فكرة أخناتون في التوحيد كانت فكرة اقتصادية في الأساس غلّفها الاعتقاد الديني، حيث أن اقتصاديات المعابد كانت توازي اقتصاد الدولة نفسها من خيرات مزارع وورش تصنيع تماثيل للمعبودات وقرابين وغيرها مما جعل منها دولة داخل الدولة ونصب كهنتها ملوكاً في الظل، لذا فإنه مع تقليص صلاحيات الكهنة وحصر خيرات المعابد لصالح معبود واحد فإن كل تلك الخيرات ستصب في مصلحة كاهن واحد وهو أخناتون، وذلك حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه “أشهر خرافات الفراعنة”، والذي صدر عن دار “ن” للنشر والتوزيع.