روجوا أن المصريين يقوموا بتعذيبهم.. تطاول اليهود على حكام مصر القديمة
يبدو أن تطاول اليهود قديمًا وحديثًا على ملوك مصر القديمة ومحاولة إلصاق تهم التعذيب وسوء المعاملة بهم أصبح من أهم ما يحاولون صياغته في كتابة التاريخ القديم متناسين الأدلة التاريخية والأثرية، حيث وضعوا العديد من ملوك الدولة الحديثة في مرمى الاتهام بشكل مباشر معتمدين في تلك الاتهامات على نصوص التوراة وما يشوبها من تحريف وليّ للمعاني لما يخدم أغراضهم.
وقد مالت الاتهامات نحو الملك ببي الثاني آخر ملوك الأسرة السادسة من الدولة القديمة باعتباره هو صاحب أطول فترة حكم بتاريخ مصر والتي وصلت نحو ثمانين عامًا، ليكون الفرعون الذي حدث في عهده حادثتي العذاب والخروج، وهذا أمر غير منطقي لأن بني إسرائيل لم يظهروا للوجود قبل عصر الهكسوس بعد الدولة الوسطى.
ومن أشهر ملوك مصر القديمة الذين اتهموا بتعذيب بني إسرائيل أحمس الأول، والذي اتهمه يوسيفوس اليهودي بأنه طرد بني إسرائيل خلال طرده للهكسوس باعتبارهم أمة واحدة، ولكن هذا الاحتمال خاطئ لأنه مع دعوة النبي يوسف لأهله كان يعمل نائبًا لملك الهكسوس مما يشير إلى قيام دولة الهكسوس في تلك الفترة، بينما قام أحمس فرعون بطردهم من بلاده. فكيف لأحمس أن يطرد الهكسوس من مصر بينما يكون هو نفسه فرعون الذي طاردهم لإبقائهم في خدمته بعدما كانوا في خدمة وكنف أجداده؟! كما أن أحمس الأول كان يحكم مصر من طيبة ب الجنوب، فكيف له ان يلتقط موسى رضيعًا من فرع النيل بالشمال؟!.
ويظهر رأي آخر بأن أحمس كان فرعون العذاب بينما كان تحتمس الأول هو فرعون الخروج، وهذا الأمر غير منطقي حيث لم تكشف لنا مومياء الملك تحتمس الأول عن موت فجائي أو غير عادي، بل كانت ميتته عادية وحُنط بشكل طبيعي. وهناك من يرى أن تحتمس الثاني هو فرعون موسى وهو الافتراض الذي اتبعه جون دي ميسللي عام 1960 حين توصل إلى تلك النظرية من خلال تحديد زمن الخروج بالإضافة إلى فحصه لمومياء الملك بزعم أنه مات بمرض جلدي وهو نفس المرض الذي أصاب فرعون موسى خلال اللعنات التسع التي تذكرها التوراة. وهذا التحليل خاطئ لأنه مع تحليل مومياء الملك تحتمس الثاني تبين لنا أنه مات بسبب تضخم في عضلة القلب وليس مرض جلدي كما أشيع.
ويظهر لنا افتراض جديد ينص على أن الملك تحتمس الثالث هو الفرعون المنشود، وذلك بافتراضية أن النبي موسى قد انتشلته الملكة حتشبسوت وتربى في بلاطها، ولما تولى تحتمس الثالث العرش فر موسى من البلاط بسبب عداوته للملكة السابقة؛ وبالتالي لمن كان ينشأ في كنفها. ويمكن رفض تلك الفكرة لأن الملك تحتمس الثالث لم يكن في حالة عداوة شديدة معها كما يعتقد البعض (كما سيتضح عند الكلام عن الملكة حتشبسوت لاحقًا)، بينما امتدت مصر في إمبراطورية عظمى لتصل إلى حدود الفرات، وبالتالي هروب النبي موسى من تحتمس الثالث إلى كنعان لم يكن أمرًا منطقيًا.
ومن الخرافات الشائعة حول اتهام ملوك مصر بفرعون موسى، هو اتهام ملوك الأسرة التاسعة عشرة وخاصة كل من رمسيس الثاني وابنه مرنبتاح، أحدهما هو فرعون العذاب والآخر هو فرعون الخروج، ويمكن تفنيد تلك الخرافة بأن عاصمة رمسيس الثاني وهي مدينة "بر رعمسيس" التي ورد ذكرها في التوراة سفر الخروج حيث سخر الفرعون بني إسرائيل لبناء مدينتي "بر رعمسيس وفيثوم"، والحقيقة أن بر رعمسيس والتي اتخذها رمسيس الثاني بالفعل عاصمة لملكه ما كانت إلا إعادة تسمية لمدينة أواريس القديمة والتي كانت قائمة بالفعل وقد اتخذت أيضا اسم تانيس، والمسميات الثلاثة هي لمدينة واحدة.
ومع فحص مومياء رمسيس الثاني، نتأكد أنها لرجل عجوز متوسط الطول (173 سم) بلغ الثانية والتسعين من العمر، فهل يستطيع رجل فى هذه السن المتقدم ويعاني من روماتيزم حاد يمنعه حتي من المشي متنزنا دون عصا يتكئ عليها أن يقود عجلته الحربية ويتتبع موسى عليه السلام وقومه من العاصمة حتى مكان الغرق فى البحر؟ كما تم التأكد من خلال البحوث الطبية على المومياء من عدم وجود أثار للغرق وأن الراحل كان يعاني من خراريج فى أسنان مقدمة الفم تكفي لأن تكون سببا في وفاته.
كما أن نظرية الطبيب موريس بوكاي من وجود فرعونين أحدهما للاضطهاد وهو رمسيس الثاني والثاني للخروج وهو مرنبتاح نظرية خاطئة، فيكفي أن نوضح أن دليل إدانة مرنبتاح الذي يتحجج به بوكاي هو نفسه دليل براءته، وهو ما نقشه على لوحته الشهيرة والتي تعرف باسم لوحة النصر أو ما تسمى خطأ بلوحة إسرائيل، ففيها يتباهى بانتصاراته على ممالك وقبائل وجماعات بمنطقة كنعان، فكيف لملك أن يسجل انتصاراته على لوحة تعرض اسمًا لقوم نجحوا في هزيمته؟.
فمع تحليلنا لعناصر اللوحة للرد على الادعاءات المنسوبة للملك مرنبتاح، نرى أن الملك يذكر أنه انتصر على أقوام وممالك في العام الخامس من حكمه ومن المعروف أن الملك مرنبتاح حكم لمدة عشرة سنوات لذا فإن نهايته بالغرق غير منطقية، كما أن الأبحاث التي أجريت على موميائه تشير إلى أن وفاته طبيعية وأنه كان يعاني من التهاب المفاصل وتصلب الشرايين. ونعرف من اللوحة قيام مرنبتاح بعمليات حربية ضد قبائل تعرف باسم "يزرعيل" أو "يزرار" والتي ترجمها البعض بأنها إسرائيل، حيث يشير في السطر 27 "دمرت يزرار ولا بذور لها".
وفي الحقيقة أن يزرار هي منطقة مرج ابن عامر أو سهل يزرعئيل كما وصف في التوراة والواقعة شمالي شرق جبل الكرمل، وكانت الحروب فيها ضد قبائل رعوية، أما كلمة إسرائيل فهي المملكة التي تأسست على يد شاؤول (في التوراة) أو طالوت (في القرآن الكريم) ومن بعده الملك النبي داوود في 1050 ق.م، أي أن الحرب كانت ضد قبائل وليست مملكة.
ونعرف من اللوحة أن مسرح عمليات حروب الملك مرنبتاح كان في منطقة فلسطين، بينما نستدل من الكتب السماوية على تيه بني إسرائيل في سيناء لمدة أربعين سنة بعد الخروج وقبل انتقالهم إلى فلسطين، مما يدل على أنهم قضوا تلك المدة خلال عهد رمسيس الثاني وهو ما ينفي موته أو موت ابنه خلال تلك الفترة، حسبما ذكر الدكتور شريف شعبان في كتابه "أشهر خرافات الفراعنة"، والذي صدر عن دار "ن" للنشر والتوزيع.