رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داليا مجدى عبدالغنى تكتب: لعبة الجدل

داليا مجدى عبدالغنى
داليا مجدى عبدالغنى

هناك أناسٌ كثيرون يخلطون بين الجدل والنقاش، ويظنون أن هذين المُصطلحين إنما يصُبان فى قالب واحد، ولكن مُصطلح «الجدل» فى اللغة يعنى اللّدَد فى الخصومة، والقُدرة عليها، وبناءً على ذلك الخلط يستخدم الكثيرون الجدل فى نقاشهم، لدرجة تصل بهم فى النهاية إلى المُنازعة والخُصومة، لأن الجدل قائم فى الأساس على مُقابلة الحُجّة بالحُجّة، مما ينتج عنه حالة من الشعور بالخُصومة اللا إرادية من قبل انتهاء النقاش، ومن هنا أردت أن أوضح السبب الحقيقى فى عدم تطبيق المقولة الشهيرة التى لا تُطبّق إطلاقًا على أرض الواقع، وهى: «الخلاف فى وجهات النظر لا يُفسد للوُدّ قضية»، لأن ما يحدث على ساحات النقاش ليس تباينًا فى الآراء ووجهات النظر، وإنما هو جدل لا يهدف إلى الوصول إلى حُلول وسطية، تُرْضى جميع الأطراف، وإنما الهدف الحقيقى منه إظهار جهل الطرف الآخر، وإفساد حُجّته بكل الوسائل والسبل.
وللأسف، تلك السلوكيات لا تقف عند حد المُناقشات الودّية فقط، ولكنه يمتد كذلك إلى ساحات المحاكم، والساحات الدولية، ولو فتشنا سنجد كذلك أن الشرارة الأولى لتلك النزاعات تعود إلى الجدل والمُجادلة، وللأسف الشديد أن من له القُدرة ولديه الكفاءة على الجدل قد يكتسب امتيازات لا يستحقها، بسبب سياسة النَّفَس الطويل، التى رُبما لم تكن مُتوافرة لدى خصمه.
وبالمُناسبة، فقضية الجدل هى قضية فلسفية فى المقام الأول، تسببت فى حيرة الكثير من الفلاسفة، لدرجة أنهم صنفوا الجدل وقسموه إلى صُور كثيرة، لشدة ارتباطه بمُجريات الحياة، وقدرته على تغيير مصائر العديد من البشر، بل لن أبالغ لو قلت إن الجدل قد يُغير من مصائر الدول والشعوب.
فعندما يتم اختيار أى مبعوث دولى لمناقشة أمر تفاوضى مع إحدى الدول، لا بد أن يُشترط فيه القُدرة على الجدل، حتى يحصل على أكبر قدْر من المكاسب، نظير وُصول خصمه إلى أعلى درجة من الخسائر.
فهل تتذكرون القصة الشهيرة التى حدثت بالفعل على أرض الواقع، والتى أثبتت أن للجدل دورًا كبيرًا فى ساحات المحاكم، وأن الجدل لا يقل أهمية عن نُصوص القانون، لأنه ببساطة شديدة هو مفتاح الإقناع، وتغيير النظرة إلى القضية محل النقاش، وهذه القصة ترجع إلى «بُروتاجُوراس»، الفيلسوف السُّوفسطائى المعروف، وتلميذه «إواثلوس»، حيث كان «بُروتاجُوراس» مُعلمًا عاش فى اليُونان فى القرن الخامس قبل الميلاد، ودرس الفلسفة والجدل والخطابة، لكنه تخصص فى فن الترافع أمام المُحلّفين، أما «إواثلوس»، فهو تلميذ رغب فى أن يُصبح مُحاميًا، ولأنه لم يستطع دفع الرسوم المطلوبة، عقد اتفاقًا مع «بُروتاجُوراس» بمُوجبه يقوم الأخير بتعليمه الجدل والمُحاماة، ولا يتقاضى أجرًا إلى أن يكسب «إواثلوس» أول قضية.
وبعد أن أكمل «إواثلوس» دراسته، تلكأ فى مُمارسة العمل، وبعد أن يأس «بُروتاجُوراس» من استرجاع حقه، رفع دعوى ضد تلميذه السابق، للحُصول على المبلغ الذى هو مدين له به، فقرر «إواثلوس» الدفاع عن نفسه أمام هيئة المحكمة، وحين بدأت المُرافعة، طرح «بُروتاجُوراس» دعواه على النحو التالى، قائلًا: «إذا خسر (إواثلوس) الدعوى مُحتّم أن يدفع لى (وفقًا لقرار المحكمة)، أما إذا كسبها، مُحتّم عليه أن يدفع لى (وفقًا للعقد المُبْرم بيننا)، وهو مُحتّم أن يكسب أو يخسر، ولذا مُحتم على (إواثلوس) أن يدفع لى فى كل الأحوال»، وهنا بدا الوضع سيئًا بالنسبة إلى «إواثلوس»، لكنه كان يعلم فن الخطابة والجدل جيدًا، وهكذا طرح دفاعه أمام المحكمة، قائلًا: إذا كسبت هذا القضية، لن يكون لزامًا علىَّ أن أدفع لـ«بُروتاجُوراس» (وفقًا لقرار المحكمة)، وإذا خسرت هذه القضية، لن يكون لزامًا علىّ الدفع لـ«بُروتاجُوراس» (وفقًا للعقد المُبْرم بيننا)، إذ إننى لن أكون آنذاك كسبت أول قضية، مُحتّم أن أكسب أو أخسر، ولذا ليس لزامًا علىَّ أن أدفع له.
وعليه، فالجدل هو موهبة وفن، يعتمد على قُدرة صاحبه على استغلال قُدراته، لتغيير المصائر، فهو يخضع للأداء والقُدرة على التلاعب بالألفاظ، بغض النظر عن الحقائق، والضمائر، والعدالة.

دوري ابطال اوروبا

365Scores.comمزود من

الدوري السعودي

365Scores.comمزود من

الدوري الانجليزي

365Scores.comمزود من

الدوري الاسباني

365Scores.comمزود من