بتنشيط السياحة ونشر الوعي.. كيف تسهم المتاحف في حفظ حضارة مصر؟
طفرة غير مسبوقة استطاعت القيادة السياسية أن تحققها لمصر أرض الحضارات والثقافات، بإنشاء المتاحف الجديدة وتطوير وترميم المتاحف الأثرية القديمة لتواكب عصر الاكتشافات الأثرية الذي أصبح يغزو مصر ويثقلها بالتراث والآثار يومًا تلو أخر، لتكون لهذه المتاحف طابعها الخاص وزمنها التاريخي المميز الذي يرصد حقبة زمنية بعينها مرت بها الدولة المصرية، وترصد " الدستور" في السطور التالية كيف تسهم هذه المتاحف في حفظ التاريخ والآثار وقيمتها التراثية.
- كثرة المتاحف تنشيط للسياحة الثقافية ونشر الوعي الحضاري
أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار، أن فكرة إنشاء المتاحف الاثرية سواءً المتحف المصري الكبير والمتحف القومي للحضارة ومتحف عواصم مصر والمتاحف الأثرية بكفر الشيخ وشرم الشيخ والغردقة، تعد من المشاريع القومية الهامة التي يتم تنفيذها لتنشيط السياحة الثقافية ونشر الوعي الحضاري وكرسالة تنويرية تثقيفية للتعريف بقيمة الحضارة المصرية ودلالاتها.
وأوضح مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء، في تصريح لـ"الدستور"، أن كثرة بناء المتاحف جاء ليستوعب الكم الهائل من التحف الفنية المستخرجة والتي يتم الكشف عنها في مواسم الحفائر الأثرية العلمية بكافة أنحاء مصر، كما تمتلئ المخازن المتحفية بأعداد هائلة من هذه الآثار وأثبتت مصر في السبع سنوات الماضية أنها قادرة على إنشاء وتطوير متاحف بأحدث الأساليب العالمية، والمتمثلة في الربط بين التحف الفنية المكتشفة ومواقع اكتشافها وطريقة الاكتشاف وكيفية استعمال القطع المعروضة، سواءً كانت مساحيق تجميل للمرأة أو أدوات الاستخدام في الحياة اليومية وتدريب الأطفال على طريقة استخدام هذه القطع في صورة "ماكيتات".
- عدد المتاحف في مصر
ونوه "ريحان" أن عدد المتاحف في مصر لا يتوائم مع قيمتها الحضارية، حيث يبلغ إجمالي عدد المتاحف 72 متحفًا موزعة على 19 محافظة منها 50 متحفًا يتبع وزارة السياحة والآثار، وذلك طبقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2018 وقد زادت مؤخرًا بالطبع، موضحًا أن هذه المتاحف يمكن أن تساهم في منظومة تطوير العملية التعليمية بتخصيص زيارات لطلاب المدارس لهذه المواقع، والتعرف على نظم الحفر الأثري ليشهدوا موقع ميلاد القطع الأثرية ويشعروا بقيمة الاكتشافات الأثرية مما يعزز لديهم روح الانتماء ويحقق الترابط بينهم وبين الآثار.
- تطوير متكامل
وتابع وهذا ما تم تنفيذه في المتحف القومي للحضارة بالفسطاط ومتحف الفن الإسلامي ومتحف ملوي وكذلك الربط بين القديم والحديث بإضافة التراث الشعبي المصري المتنوع من تراث سيناوي وتراث الواحات وتراث النوبة وهذا تجسّد في متحف الحضارة ومتحفي شرم الشيخ وكفر الشيخ، مضيفًا أن شمل التطوير إضافة شاشات عرض وأجهزة عرض متاحة للزوار لاستعراض المعلومات التي تخص القطع المعروضة ورسومات توضيحية لكيفية صناعة القطعة المعروضة وكيفية استعمالها والربط بين الماضي والحاضر.
- الجيزة أكبر محافظة فى العالم تحوي متاحف متنوعة
وذكر الخبير الأثري أن محافظة الجيزة أكبر محافظة فى العالم تحوي متاحف متنوعة تبلغ أكثر من 23 متحفًا ويجب تسويقها ووضعها على خريطة السياحة بمصر والعالم، ومنها متاحف أثرية كمتحف إيمحتب بسقارة، ومركب الشمس بالأهرامات، وميت رهينة، وأطفيح، ومتاحف تحت الإنشاء كالمتحف المصري الجديد، ومتاحف تعليمية كمتحفي كلية الآثار، وجامعة القاهرة، ومتحف الفراشات بكلية العلوم الذي يضم أنواع عديدة من الحشرات، ومتحف البردي ومتحف المراكب المصرية وبه نماذج للمراكب وتطورها عبر العصور، ومتحف تاريخ مصر الحديث بالقرية الفرعونية.
وكذلك المتاحف القومية مثل متحف الشاعر أحمد شوقي، ومتاحف فنية مثل متحف محمود خليل، ومتاحف خاصة مثل متحف الرئيس محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، ومتحف صالح سليم، ومتحف كلية الفنون التطبيقية بجامعة حلوان، ومتحف نماذج الآثار بجامعة 6 أكتوبر، ومتحف حديقة الحيوان والمتحف الزراعي بالدقي، ومتحف الطفولة بالعجوزة، ومتحف السينما بأستوديو مصر، ومن المتاحف المتنوعة أيضًا متحف التراث الموسيقي بأكاديمية الفنون ومتحف نبيل درويش بالمريوطية بالهرم وهو خاص بصناعة الفخار والخزف.
- إنشاء مركز معلومات في كل متحف
وطالب الدكتور ريحان بإنشاء مركز معلومات بكل متحف مزود بخرائط تفصيلية للقاعات توزع مجانًا ضمن رسم الدخول مع شرح مختصر للمعروضات، وتوفير الكتيبات السياحية عن الاكتشافات الأثرية والمناطق المستخرجة منها القطع المعروضة الخاصة بالمتحف نفسه تباع بهذه المراكز، وهدايا تذكارية من النماذج الأثرية المرتبطة بطبيعة المتحف والمعروضات به.
وكذلك التوسع في إنشاء ما يسمى بمتاحف الموقع وهو المتحف الذي يضم مواقع الحفائر الأثرية بحيث تعد المكتشفات المعمارية متحفًا مفتوحًا للعمارة والمقتنيات الأثرية المكتشفة بالموقع متحفًا ملحقًا بالموقع، لإعطاء عمق أكبر لهذه التحف بالتعرف على أماكن اكتشافها مع شرح ظروف الاكتشاف ذاته وأهميته للسياح، وكيفية تأريخ الموقع من خلال هذه المقتنيات، مؤكدًا أن هذه المتاحف ستحقق الرسالة التربوية والتعليمية للمتحف.
وأشار الخبير الأثري إلى أن متاحف الموقع هذه ستكون ورش عمل لكل طلاب كليات الآثار في مصر علاوة على أقسام الآثار بكليات الآداب بالإضافة إلى الجامعات والمعاهد الخاصة، بحيث تنظم لهم رحلات كل في محافظته بعد انتشار متاحف الموقع في كل محافظات مصر وربما تضم المحافظة عدة متاحف حسب مواقع الآثار بها، وكذلك كليات السياحة وأقسام الإرشاد السياحي وكليات الفنون التطبيقية والجميلة للمساهمة في رسم وتجسيد وتصوير هذه المواقع كمشروعات تخرج لهم وكذلك مادة علمية مصورة لتنشيط السياحة عبر وسائل الاتصال الاجتماعي.
- تطوير الموقع المحيطة بالمتاحف
ولفت إلى ضرورة مساهمة المحليات مع وزارة السياحة والآثار لإنشاء متاحف الموقع بتطوير المواقع المقترحة، وتمهيد الطرق إليها وتزويدها بالبنية الأساسية ومنع التعديات وتطبيق قرارات الإزالة الصادرة من الوزارة وكذلك وزارة الثقافة، يمكن أن تساهم في أنشطة شعبية مرتبطة بهذه المواقع حسب طبيعتها، ومنها أنشطة مرتبطة بالمواقع المسيحية من تراث شعبي خاص بمحطات العائلة المقدسة خاصة في صعيد مصر، وتراث شعبي مرتبط بالمواقع الإسلامية التي كانت محطات لطريق الحج القديم عبر وادي النيل إلى قوص أو عبر الصحراء الشرقية إلى السويس ومنها إلى سيناء، وأماكن ارتبطت بموالد ومواسم لأولياء الله الصالحين وأماكن ارتبطت بفنون النوبة وتراثها الشعبي وغيرها.
وأضاف أن القدماء المصريين هم أول من أنشئوا متاحف الموقع، حيث كان هرم خوفو بما يتضمنه من آثار معمارية وفكرية وعقائدية وأسرار الحياة متحفا يضم أهم ما توصل إليه الإنسان في ذلك الوقت من معلومات، مضيفًا أن المصريين القدماء ابتكروا متاحف لا يراها الناس في زمانهم وهي مقابرهم المنحوتة في عمق الصخر، إلى جانب متاحف مدفونة في ساحات معابدهم وهو ما يطلق عليها (الخبيئة)، والتي تضم عشرات التماثيل الزائدة عن حاجة معابدهم، لافتا إلى أن مقبرة توت عنخ آمون التي اكتشفت كاملة بأندر وأروع القطع تعد من أشهر متاحف الموقع القديمة.