أميرة ملش تكتب: ماركة محمد جودت
عندما نُشر الفيديو القاسى والخاص بتحرش شخص ما بطفلة صغيرة لا يتعدى عمرها الست سنوات.. انتشر بين رواد السوشيال ميديا وتم تداوله بكثرة وسرعة تليق بحدث مثير.. ووسط حالة من السخط والغضب والاشمئزاز، عثر أحدهم على صفحة المدعو محمد جودت الذى تحرش بالطفلة فى مدخل إحدى عمارات منطقة المعادى، ليدخل بعدها الناس إلى صفحته أفواجًا لمعرفة من هو هذا الشخص وماذا يفعل وتفعل به الحياة.
فوجدوه شخصًا متعلمًا ويعمل فى شركة سعودية ويشغل مركزًا مرموقًا، كزوج وأب وموظف، أى أن حالته المادية والاجتماعية والعملية مستقرة، ويمكن الاعتقاد أنها جيدة، ولكن الصدمة الحقيقية التى لطمت وجه الجميع، وأقصد هنا جميع من دخلوا إلى صفحته، كانت صور الكعبة وصوره هو شخصيًا وهو يؤدى فريضة الحج أو العمرة وهى صور كثيرة تبرز وتوضح تدينه، كما أنه ينشر بوستات كثيرة تحتوى على آيات قرآنية وأحاديث نبوية وأدعية، وأقوالًا كثيرة للشيخ «محمد حسان»- على ما يبدو أنه شيخه المفضل.
ولكنى فى الحقيقة حينما قمت بزيارة صفحته مع الزائرين لم أندهش ولو للحظة واحدة، بالعكس فقد وجدت كل هذا منطقيًا جدًا، لأننى على قناعة تامة منذ سنوات عديدة بعد أن عرفت وقابلت العديد من البشر فى حياتى، فى سنوات الدراسة والعمل والحياة الاجتماعية- أن الشخص الذى يبالغ فى إظهار شىء ما هو بالفعل فاقده أو يفعل نقيضه، وينتابنى الشك فيه، أو بشكل أكثر إنصافًا فإن غالبية المبالغين وليس كلهم يفتقدون ما يتباهون به.
مثلًا الشخص الذى يبدو أنه يتحدث كثيرًا عن صدقه غالبًا كاذب.. والذى يصدر دائمًا للغير أنه فاعل للخير ويهب لمساعدة الناس بلا مقابل، هو على الأغلب يستغلهم ويفعل ما يفعله لأهداف أخرى تمامًا تخدم مصلحته هو فقط، لأن أساسًا مصلحة الناس آخر همُّه، ولكن عمل الخير هو الستار الذى يخبئ خلفه أهدافه الحقيقية.
والذى يتحدث كثيرًا عن الإخلاص هو على الأرجح الخائن فى آخر الفيلم، ومن يثرثر دائمًا عن جدعنته وشهامته هو ندل فى روايات كثيرة، ومن يردد أنه لا يخاف شيئًا ولا يبهره شىء بمناسبة وغير مناسبة، فأعرف على الفور أنه أكثرهم جبنًا وتبهره الأشياء الرخيصة قبل الغالية لدرجة العمى.
أما من يبالغ فى إظهار حماسته وإخلاصه تجاه قضية ما، فيتسرب إلىّ الشعور فورًا بأنه يتاجر بهذه الفكرة أو القضية النبيلة ويستغلها لتحقيق مصالحه الشخصية، والمتاجرون ما أكثرهم على الدوام، وتجدهم فى قضايا تلعب على لهيب المشاعر مثل القضية الفلسطينية، الشهداء، حقوق الفقراء، الوطنية وأشياء أخرى من هذا القبيل.. ولكن مَن يبالغ فى إظهار التدين فهو أخطر المبالغين جميعًا على الإطلاق.
لأن فى مجتمعنا المصرى للأسف المظاهر تعمى الأبصار عند الغالبية وأحيانًا البصيرة، وخاصة مظاهر التدين، ولذلك انتشرت عبارة «ده راجل بتاع ربنا»، وكأن البقية بتوع أبولهب مثلًا، ومن يفعل شيئًا مشينًا يسلك الطريق السهل ويختبئ دائمًا خلف ستار الدين، تجده حريصًا على الصلاة وعلى إقامة الفروض والسنن، يحرص على الصيام سواء فى رمضان أو غيره زى عينه، ويحرص أيضًا على أداء فريضة الحج، وكذلك العمرة، ليتاجر بنشر صوره هناك.
وفوق كل هذا أداؤه على السوشيال ميديا، فلا ينشر أغانى أو مقاطع من أفلام، لأنه متدين طبعًا فتجد آيات قرآنية بين الحين والآخر وأذكار الصباح والمساء، وأحاديث نبوية كثيرة تخص مناسبات أو أحداثًا بعينها، وأدعية طول الوقت وعبارات من ماركة «بارك الله فيك»، وفتاوى وأقوال لمشايخ لا يعلم بهم غير الله، ويمكن أن نطلق على هذا الشخص أنه من ماركة «محمد جودت».
وتخيل أن هذا الشخص يتحرش مثلًا بعاملة بوفيه فى عمله وتشتكيه، من يصدق هذا، «فلان راجل بتاع ربنا مش ممكن يعمل كدا»، ما أكثر من يقول ذلك عن اقتناع تام ويقين بأنه رجل متدين، أى رجل شريف يخاف الله.
وتخيل أيضًا أن يتحرش بطفلة الجيران أو طفلة أحد أصدقائه أو أقاربه، فورًا الطفلة عندها تهيؤات، وتتخيل أشياء لا تحدث فى الحقيقة مثل باقى الأطفال، وتلك هى خطورته.. أنه لا أحد يصدق أن مثل هذا الشخص يفعل أفعالًا مشينة تغضب الله، إلى أن يكشفه الله نفسه ويرفع ستر غطائه عنه، مثلما حدث مع المتحرش بطفلة المعادى، فمن الواضح أنه فعلها مرات ومرات وعدت، ولم ينكشف أمره، وأعتقد أنه أيضًا فعلها كثيرًا مع أطفال الشوارع وأبناء حارسى العقارات والغلابة.
ولم تكن هذه أول مرة، يبدو من المشهد الذى تم التقاطه له بالمصادفة أنه معتاد على ذلك، من طريقة استدراجه للطفلة وتعشيمها بدفع جنيه لها، ثم اختبائه وسرعته فى لمس جسدها، وطبعًا ضباط المباحث يتحدثون فى هذا الأمر أفضل من أى أحد، إلى أن خرجت له السيدة النبيلة التى لم تخشَ مواجهته، وجسده الذى يبدو أنه أضخم منها بكثير، فمن الممكن بسبب ضغط الموقف وانفضاح أمره أن يفقد أعصابه ويصفعها مثلًا، ولكنها تعاملت بالفطرة وهبَّت من مكانها لإنقاذ الطفلة المسكينة من هذا الثور الهائج الذى تمتلئ صفحته على الفيسبوك بصوره وهو بجانب الكعبة، ليفعل ما يفعله دون ذرة شك فى سلوكه.
ومثل هذا الشخص هو شخصية خادعة جدًا من الصعب الشك فيه، وحتى إذا حدث وشك بأمره أحد أو لم يقتنع بحدوتة أنه راجل بتاع ربنا وحج بيت الله، يظل شكه فى محله وصعب أن يتحول إلى يقين، فهو بالتأكيد حريص جدًا، لأن من يفعل مثله هو شخص مريض كما يخبرنا علماء النفس.
فما المتعة فى لمس مناطق حساسة لطفلة صغيرة عمرها لا يتعدى الست سنوات؟، ما يجعلنى أعتقد أنه يفعل ذلك طوال الوقت ولكن حرصه منعه من كشف أمره، وحتى عندما حدث وتم فضحة كان ذلك بالصدفة، لأن البيت الذى اختاره للتحرش بالطفلة كان فيه كاميرا صورته، وانكشف لأنه فعل هذا الأمر بإهمال منه أو بلا مبالاة.. وقد فعل ذلك كثيرًا دون أن ينكشف أمره إلا فى هذا اليوم.